الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 67 ] فصل يسن تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس ( ع ) وتأخير السحور ( ع ) ما لم يخش طلوع الفجر ( و ) ذكره أبو الخطاب والأصحاب ، للأخبار ، ولأنه أقوى على الصوم ، وللتحفظ من الخطأ والخروج من الخلاف ، وظاهر كلام الشيخ : يستحب السحور مع الشك في الفجر ، وذكر أيضا قول أبي داود : قال أبو عبد الله : إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه ، وأنه قول ابن عباس وعطاء والأوزاعي ، قال أحمد : يقول الله تعالى { وكلوا واشربوا } الآية ، وذكر الشيخ أيضا قول رجل لابن عباس : إني أتسحر فإذا شككت أمسكت ، فقال ابن عباس : كل ما شككت حتى لا تشك . وقول أبي قلابة : قال الصديق رضي الله عنه وهو يتسحر : يا غلام أجف حتى لا يفجأنا الفجر ، رواهما سعيد . ولا يعرف لهما مخالف ، ولعل مراد غير الشيخ الجواز وعدم المنع بالشك ، وكذا جزم ابن الجوزي وغيره أنه يأكل حتى يستيقن ، وأنه ظاهر كلام أحمد ، وكذا خص الأصحاب المنع بالمتيقن ، كشكه في نجاسة طاهر .

                                                                                                          وقال الآجري وغيره : لو قال لعالمين ارقبا الفجر ، فقال أحدهما : طلع ، وقال الآخر : لم يطلع أكل حتى يتفقا ، وأنه قول أبي بكر [ ص: 68 ] وعمر وابن عباس وغيرهم . واحتج من لم ير صوم يوم ليلة الغيم بالأكل مع الشك في الفجر . وأجاب القاضي وغيره بأن البناء على الأصل هنا لا يسقط العبادة ، والبناء على الأصل في مسألة الغيم يسقط الصوم ، وللمشقة هنا ، لتكراره ، والغيم نادر . واقتصر صاحب المحرر في الجواب على المشقة مع ما في الغيم من الخبر . وذكر ابن عقيل في الفصول : إذا خاف طلوع الفجر وجب عليه أن يمسك جزءا من الليل يتحقق له صوم جميع اليوم ، وجعله أصلا لوجوب صوم يوم ليلة الغيم ، وقال : لا فرق . ثم ذكر هذه المسألة في موضعها وأنه لا يحرم الأكل مع الشك في الفجر ، وزاد : بل يستحب ، كذا قال . وفي المستوعب والرعاية : الأولى أن لا يأكل مع شكه في طلوعه . وكذا جزم صاحب المحرر مع جزمه بأنه لا يكره . ولا يستحب تأخير الجماع ( و ) لأنه لا يتقوى به ، ويكره مع الشك في الفجر ، ولا يكره الأكل والشرب مع الشك فيه . نص على المسألتين ، ولا يجب إمساك جزء من الليل في أوله وآخره ، في ظاهر كلام جماعة ، وهو ظاهر ما سبق أو صريحه ، وذكر ابن الجوزي أنه أصح الوجهين ( م ر ) وقطع جماعة بوجوبه في أصول الفقه وفروعه ، وأنه مما لا يتم الواجب إلا به ، وذكره في الفنون وأبو يعلى الصغير وفاقا في صوم يوم ليلة الغيم ، وهذا يناقض ما ذكروه هنا ، وذكره القاضي في الخلاف في النية من الليل ظاهر كلام أحمد ، وأنه مذهبنا ، لئلا يفوت بعض النهار عن النية ، والصوم يدخل فيه بغير فعله ، فلا يمكنه مقارنة النية حال الدخول فيه ، بخلاف الصلاة ، كذا قال [ ص: 69 ] وسبق في النية من الليل ، والمراد بالفجر الصادق ، وهو البياض المعترض ، فيحرم الأكل وغيره بطلوعه ( و ) في قول عامة العلماء ، لحديث { عدي بن حاتم في قوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض } إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار } ، ولحديث ابن عمر وعائشة { : إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر } متفق عليهما ، ولأحمد ومسلم وأبي داود عن عائشة ; { أن رجلا قال : يا رسول الله ، تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم ؟ فقال : وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال : لست مثلنا يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى } ، يدل على أن وقت صلاة الفجر من وقت الصوم ، وذكر أحمد في رواية عبد الله قوله عليه السلام : { لا يمنعنكم من السحور أذان بلال والفجر المستطيل } وقال عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم { : ليس الفجر الأبيض المعترض ، ولكنه الأحمر } كذا وجدته ، ولفظه في مسنده { ليس الفجر بالمستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر } ولأبي داود ، والترمذي وقال : حسن غريب { كلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر } فيحتمل أن أحمد قال به ، وأنه رواية عنه ، ولكن قيسا عنده ضعيف .

                                                                                                          وعن عاصم عن زر : { قلت لحذيفة : أي ساعة تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع } ، رواه ابن ماجه . ورواه النسائي أيضا من حديث شعبة عن عدي بن ثابت [ ص: 70 ] عن زر ، وعن أبي يعفور عن إبراهيم عن صلة ولم يرفعاه ، وقال : لا يعلم أحدا رفعه غير عاصم ، فإن كان رفعه صحيحا فمعناه أنه قرب النهار ، ولفظ أحمد : قلت : { أبعد الصبح ؟ قال : نعم ، هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس } . وعاصم في حديثه اضطراب ونكارة ، فرواية الإثبات أولى ،

                                                                                                          وقال ابن عمر : إن ابن أم مكتوم كان لا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت . متفق عليه ، ومعناه قرب الصبح وعن أبي هريرة مرفوعا : { إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه } رواه أبو داود ، فإن صح فمعناه أنه لم يتحقق طلوع الفجر .

                                                                                                          وقال مسروق : لم يكونوا يعدون الفجر فجركم ، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق . ذكره ابن المنذر وغيره ، فإن صح فهو رأي طائفة ، مع احتمال معناه تحقق طلوع الفجر . والمذهب : له الفطر بالظن ( و ) لأن الناس أفطروا في عهده عليه السلام ثم طلعت الشمس ، وكذا أفطر عمر والناس في عهده كذلك ، ولأن ما عليه أمارة يدخله التحري ، ويقبل فيه قول الواحد ، كالوقت والقبلة ، بخلاف الصلاة .

                                                                                                          وقال في التلخيص : يجوز الأكل بالاجتهاد في أول اليوم ، ولا يجوز في آخره إلا بيقين ولو أكل ولم يتيقن لزمه القضاء في الآخر ، ولم يلزمه في الأول ، وقاله بعض الشافعية . وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر الصائم حكما وإن لم يطعم ، ذكره في المستوعب وغيره ، وقوله عليه السلام : { إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم } [ ص: 71 ] أي أفطر شرعا ، فلا يثاب على الوصال ، كما هو ظاهر المستوعب ، وقد يحتمل أنه يجوز له الفطر والعلامات الثلاث متلازمة ، ذكره في شرح مسلم عن العلماء ، وإنما جمع بينها لئلا يشاهد غروب الشمس فيعتمد على غيرها ، كذا قال : ورأيت بعض أصحابنا يتوقف في هذا ويقول : يقبل الليل مع بقاء الشمس ؟ ولعله ظاهر المستوعب . والله أعلم .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية