الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ولا فسخ بغير العيوب المذكورة ، كعور وعرج ، بخلاف البيع ، زاد في الروضة : وهل يحط من مهر المثل بقدر النقص ؟ فيه نظر . وقيل لشيخنا : لم فرق بين عيوب الفرج وبين غيرها ؟ قيل : قد علم أن عيوب الفرج المانعة من الوطء لا يرضى بها في العادة ، فإن المقصود بالنكاح الوطء ، بخلاف اللون والطول والقصر ونحو ذلك مما ترد به الأمة ، فإن الحرة لا تقلب كما تقلب الأمة ، والزوج قد رضي رضا مطلقا ، وهو لم يشترط صفة ، فبانت بدونها ، فإن [ ص: 235 ] شرط فقولان في مذهب الشافعي وأحمد ، والصواب أن له الفسخ ، وكذا بالعكس ، وهو مذهب ( م ) ، والشرط إنما يثبت لفظا أو عرفا ، ففي البيع دل العرف على أنه لم يرض إلا بسليم من العيوب ، وكذلك في النكاح لم يرض بمن لا يمكن وطؤها ، والعيب الذي يمنع كمال الوطء لا أصله فيه قولان في مذهب أحمد وغيره . وأما ما أمكن معه الوطء وكماله فلا تنضبط فيه أغراض الناس ، والشارع قد أباح النظر بل أحبه إلى المخطوبة ، وقال : { فإنه أحرى أن يؤدم بينكما } وهو دليل على أن النكاح يصح وإن لم يرها ، فإنه لم يعلل الرؤية بأنه يصح معها النكاح ، فدل على أن الرؤية لا تجب ، ويصح النكاح بدونها .

                                                                                                          وليس من عادة المسلمين ولا غيرهم أن يصفوا المرأة المنكوحة ، فدل على أنه يصح نكاحها بلا رؤية ولا صفة ، ويلزم النكاح ; لأنه رضي بذلك ، بخلاف البيع ، قال : وهذا الفرق إنما هو الفرق بين النساء والأموال أن النساء يرضى بهن في العادة في الصفات المختلفة ، [ والأموال لا يرضى بها على الصفات المختلفة ] إذ المقصود بها التمول ، وهو يختلف باختلاف الصفات ، والمقصود من النكاح المصاهرة والاستمتاع ، وذلك يحصل باختلاف الصفات ، فهذا فرق شرعي معقول في عرف [ ص: 236 ] الناس ، أما إذا عرف أنه لم يرض لاشتراطه صفة فبانت بخلافها وبالعكس فإلزامه بما لم يرض به مخالف للأصول ، ولو قال ظننتها أحسن مما هي أو ما ظننت فيها هذا ونحو ذلك كان هو المفرط ، حيث لم يسأل عن ذلك ، ولم يرها ، ولا أرسل من رآها ، وليس من الشرع والعادة أن توصف له في العقد كما توصف الإماء [ في السلم ] فإن الله سبحانه وتعالى صان الحرائر عن ذلك ، وأحب سترهن ، ولهذا نهيت المرأة أن تعقد نكاحها ، فإذا كن لا يباشرن العقد فكيف يوصفن ، أما الرجل فأمره ظاهر ، يراه من شاء ، فليس فيه عيب يوجب الرد ، والمرأة إذا فرط الزوج فالطلاق بيده .

                                                                                                          وقال صاحب الهدي من متأخري أصحابنا في قطع يد أو رجل أو عمى أو خرس أو طرش وكل عيب يفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة : يوجب الخيار ، وأنه أولى من البيع ، وإنما ينصرف الإطلاق إلى السلامة ، فهو كالمشروط عرفا ، واحتج بما روى سعيد عن هشيم أنبأنا عبد الله بن عون عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث رجلا على بعض السعاية ، فتزوج امرأة وكان عقيما ، فقال له عمر : أعلمتها أنك عقيم ؟ قال : لا . قال : فانطلق فأعلمها ثم خيرها .

                                                                                                          وقال وكيع عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن عمر رضي الله عنه قال : إذا تزوجها برصاء أو عمياء فدخل بها فلها الصداق [ ص: 237 ] ويرجع به على من غره .

                                                                                                          وقال عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين [ قال ] خاصم رجل إلى شريح فقال : إن هؤلاء قالوا إنا نزوجك أحسن الناس ، فجاءوني بامرأة عمياء ، فقال شريح : إن كان دلس لك بعيب لم يجز . وقال الزهري : يرد النكاح من كل داء عضال .

                                                                                                          واختار بعض الشافعية رد المرأة بما ترد به الأمة في البيع ، حكاه أبو عاصم العباداني في كتاب طبقات الشافعية .

                                                                                                          وفي المغني : إن وجدها مجبوب رتقاء فلا خيار لهما ; لامتناع الاستمتاع بعيب نفسه ، واختار في الفصول إن لم يطأ لنضوتها فكرتقاء .

                                                                                                          وقال أبو البقاء : ولو ذهب ذاهب إلى أن الشيخوخة في أحدهما عيب يفسخ به لم يبعد ، ولو بان عقيما فلا خيار ، نص عليه ، ونقل ابن منصور : أعجب إلي أن يبين لها ، ونقل حنبل : إذا كان به جنون أو وسواس أو تغير في عقل وكان يعبث ويؤذي رأيت أن أفرق بينهما ، ولا يقيم على هذا ، [ ولا خيار بغير ذلك ] وخيار شرط وعيب وفيه وجه متراخ فإن رضي به ولو زاد أو ظنه يسيرا أو وجدت منه دلالة الرضا مع علمه سقط خياره . [ ص: 238 ] ولا يسقط في عنة بلا قول ، فيسقط به ولو طلقها ثم أعادها .

                                                                                                          [ ص: 238 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 238 ] الثاني ) قوله : ولا يسقط خيار في عنة بلا قول ، فيسقط به . انتهى . تابع في ذلك صاحب المحرر ، وتابعه أيضا صاحب الرعايتين والحاوي والنظم والوجيز وغيرهم ، فقطعوا بذلك ، وظاهر كلام أكثر الأصحاب بطلان الخيار بما يدل على وطء أو تمكين أو يأتي بصريح الرضى ، وصرح به الزركشي وغيره ، قال الشيخ تقي الدين : لم نجد هذه التفرقة لغير الجد . انتهى . ولم يذكر المصنف هذا القول ، وهو عجيب منه .




                                                                                                          الخدمات العلمية