الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وإن طلقها ثلاثا وقيل أو ثنتين بكلمة أو كلمات في طهر فأكثر وقع ويحرم ، اختاره الأكثر ، وعنه : في الطهر لا الأطهار ، وعنه : لا يحرم ، اختاره الخرقي ، وقدمه في الروضة [ ص: 372 ] وغيرها ، فعليها : يكره ، ذكره جماعة ، ونقل أبو طالب : هو طلاق السنة ، ولا بدعة بعد رجعة أو عقد ، وقدم في الانتصار رواية تحريمه حتى تفرغ العدة ( هـ ) وجزم به في الروضة فيما إذا راجع ، قال : لأنه طول العدة ، وأنه معنى نهيه { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } ، ولم يوقع شيخنا طلاق حائض وفي طهر وطئ فيه ، وأوقع من ثلاث مجموعة أو مفرقة قبل رجعة واحدة ، وقال : إنه لا يعلم أحدا فرق بين الصورتين [ أي الشيخ تقي الدين حكى عدم وقوع الطلاق الثلاث بل واحدة في المجموعة أو المفرقة ] وحكاه فيها عن جده ، لأنه محجور عليه إذن فلا يصح ، وكالعقود المحرمة لحق الله ، ومنع ابن عقيل في الواضح [ في مسألة النهي ] وقوعه في حيض ، لأن النهي للفساد ، وقال عن قول عمر في إيقاع الثلاث : إنما جعلهم لإكثارهم منه ، فعاقبهم على الإكثار منه لما عصوا بجمع الثلاث ، فيكون عقوبة لمن لم يتق الله ، من التعزير الذي يرجع فيه إلى اجتهاد الأئمة ، كالزيادة على الأربعين في حد الخمر لما أكثر الناس منها وأظهروه ساغت الزيادة عقوبة ، ثم هذه العقوبة إن كانت لازمة مؤبدة كانت حدا ، كما يقوله من يقوله في جلد الثمانين في الخمر ، ومن [ ص: 373 ] يقول بوقوع الثلاث بمن جمعها ، وإن كان المرجع فيها إلى اجتهاد الإمام كانت تعزيرا ، ومتى كان الأمر كذلك اتفقت النصوص والآثار ، لكن فيه عقوبة بتحريم ما تمكن إباحته له ، وهذا كالتعزير بالعقوبات المالية ، وهو أجود من القول بوقوع طلاق السكران عقوبة ، لأن هذا قول محرم يعلم قائله أنه محرم ، وإذا أفضى إيقاع الثلاث إلى التحليل كان ترك إيقاعها خيرا من إيقاعها ، ويؤذن لهم في التحليل ، ولعل إيقاع بعض من أوقع الطلاق بالحلف به من هذا الباب ، فإن الحالف بالنذر يخير بين التكفير والإمضاء ، فإذا قصد عقوبته لئلا يفعل ذلك أمر بالإمضاء كما قال ابن القاسم لابنه : أفتيتك بقول الليث ، وإن عدت أفتيتك بقول مالك .

                                                                                                          عبد الرحمن بن القاسم إمام في الفقه والدين ، فرأى سائغا له أن يفتي ابنه ابتداء بالرخصة ، فإن أصر على فعل ما نهي عنه أفتاه بالشدة ، وهذا هو بعينه هو التعزير في بعض المواضع بالشديد ، إما في الإيجاب وإما في التحريم فإن العقوبة بالإيجاب كالعقوبة بالتحريم .

                                                                                                          وحديث ركانة ضعفه أحمد ، وليس فيه إذا أراد الثلاث بيان حكمه ، وبتقدير أن يكون حكمه جواز إلزامه بالثلاث يكون قد عمل بموجب دلالة المفهوم ، وقد يكون الاستفهام لاستحقاق التعزير بجمع الثلاث ، فيعاقب على ذلك ، [ ص: 374 ] ويغتاض عليه كما اغتاض على ابن عمر لما طلق في الحيض ، لكن التعزير لمن علم التحريم ، وكانوا قد علموا النهي عن الطلاق في الحيض .

                                                                                                          والعجز في قول ابن عمر ضد الكيس يستحق العقوبة فيوقع به وأما من لم يبلغه أن هذا الطلاق منهي عنه فلا يستحق العقوبة ، قال : وقد يقال من هذا الباب أمر طائفة من الصحابة لمن صام في السفر أن يعيد لامتناعه من قبول الرخصة .

                                                                                                          وكثيرا ما يكون النزاع واقعا فيما يسوغ فيه الأمران في نفس الأمر ، وقال : إن من ذلك بيع أمهات الأولاد ، لولي الأمر منع الناس منه إذا رآه مصلحة ، وله أن يأذن في ذلك .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية