الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وإن غير هيئة مسجد فكغيره [ من المغصوب ] وإن منعه غيره ، وقيل : أو زحمه فصلى مكانه فوجهان ( م 4 ) وعلل ابن عقيل الصحة فيما إذا منعه كغصبه ستار الكعبة وصلاته فيها ، كذا قال ، وعدم الصحة فيها أولى ، لتحريم صلاته فيها ; ولا يضمنه بمنعه كجزء وقال شيخنا : قياس المذهب يضمنه ، وتصح ممن طولب بوديعة أو غصب ، وذكر ابن الزاغوني عن طائفة من أصحابنا لا تصح .

                                                                                                          وقال بعض الحنفية مع تضرر الطالب ، زاد [ ص: 335 ] بعضهم ما لم يفلت الوقت ، ويتوجه مثل المسألة من أمره سيده يذهب إلى مكان فخالفه . ويصح وضوء وأذان وزكاة وصوم وعقد في بقعة غصب لأن الكون ليس بشرط في صحته ، بدليل إتيانهما به وهما يسبحان أو يهويان من علو ، ولهذا يصح تجدد الطهارة فيها ، بخلاف نفل الصلاة ، ذكره القاضي وغيره كختان ، وعتق ، وطلاق ، لأنه إتلاف لا يمكن تداركه ، وقيل هو كصلاة ، ونقله المروذي وغيره في الشرى ، وذكره جماعة منهم الشيخ في باب الغصب .

                                                                                                          وقال القاضي بعد ذكره هذا : يخرج على الروايتين في الصلاة في الدار الغصب ، وحمله ابن عقيل وغيره على الكراهة والتغليظ أو الورع ، لأنه لا يؤمن منه أن يبيع طعاما مغصوبا ، والبقعة ليست شرطا في البيع ، ولا علقة لها بالبيع ، ولا تأثير لغصب البقاع في العقود فيها ، وسلم أبو الخطاب وغيره صحة إسلامه ، لأنه لا يتصرف به فيها . وحجه بغصب كصلاة ، ولا يقال : الزاد والراحلة يتقدمان العبادة ، ولا يصاحبانها ، لأنه لو أحرم من دويرة أهله أو من الميقات وسار على راحلة محرمة فالتحريم مصاحب للعبادة ، وهو صحيح عندهم ، ولأن الحج من نتيجة المال المغصوب وفائدته ، ومن أصلنا أن فائدة المال المغصوب لا تكون للغاصب ، ولا يمكن الحج للمالك ، لأنه لم يأذن فيه ولا نواه ، ذكر القاضي وغيره ، وكلام غيره يخالفه ، وأن المؤثر حجه لا قبل إحرامه ، وهو أظهر ، وفرق ابن عقيل وغيره بأن الزاد والراحلة ليسا شرطا للصحة بل للوجوب ، فقالوا : نفله كفرضه كثوب نجس ، وقيل يصح ، لأنه أخف وذكر القاضي وجماعة

                                                                                                          [ ص: 336 ] لا ، وجعلوه حجة على المخالف ، فلهذا قالوا : لا يثاب على فرضه إن صح ، وقيل له في التمهيد في مسألة النهي : خلافنا في الصلاة على صفة مكروهة من الالتفات والصلاة في الثوب الغصب وما أشبه ذلك من الدين ؟ فقال : فعل العبادات على وجه النهي ليس في الدين ، ولهذا لا يثاب عليه ، ولهذا يحرم عليه فعله ، وما لم يؤمر به ولم يبح له فهو خارج من الدين مردود ، كذا قال ، وقد يتوجه من صحة نفله إثابته عليه ، فيثاب على فرضه من الوجه الذي صح ، وإلا فلا فائدة في صحة نفله ، ولا ثواب لبراءة ذمته ، ويلزم منه يثاب على كل عبادة كرهت ، ويكون المراد بقولهم في الأصول : المكروه لا ثواب في فعله . ما كره بالذات لا بالعرض ، ويأتي صحة حج التاجر وإثابته ، وهل يثاب على عمل مشوب ؟ وقد يحمل قولهم في الأصول على ظاهره ، ولهذا لما احتج من كره صلاة الجنازة بالخبر الضعيف الذي رواه أحمد وغيره { من صلى على جنازة في المسجد فليس له من الأجر شيء } لم يقل أحد بالأجر مع الكراهة ، لا اعتقادا ولا بحثا ، واحتج في الخلاف لمن لم يمنع قراءة الجنب لقوله عليه السلام : { من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات } وأجاب بأن المراد المتطهر ، لأن الجنب تكره له القراءة عندهم ، فلا يدخل تحت الظاهر ، ويأتي في الباب بعده قول صاحب المحرر : إن صلاة من شرب خمرا تصح ولا ثواب فيها ، ونقل ابن القاسم لا أجر لمن غزا على فرس غصب .

                                                                                                          وقاله شيخنا وغيره في حج ، وكذا ذكر الشافعية صحة الصلاة في الدار المغصوبة ولا ثواب .

                                                                                                          وقال ابن منصور ابن أخي أبي نصر بن الصباغ [ ص: 337 ] منهم ذكر شيخنا في الكامل أنه ينبغي أن تصح ويحصل الثواب ، فيكون مثابا على فعله ، عاصيا بمقامه ، فإذا لم يمنع من صحتها لم يمنع من حصول الثواب ، قال أبو منصور : وهذا هو القياس ، ولو تقوى على عبادة بأكل محرم لزوال عينه ، ولا أثر له بعد زوالها ، قال أحمد في بئر حفرت بمال غصب لا يتوضأ منها ، وعنه إن لم يجد غيرها : لا أدري ولو صلى على أرضه أو مصلاه بلا غصب صح في الأصح ، وقيل حملها على الكراهة أولى ، وظاهر المسألة أن الصلاة هنا أولى من الطريق ، خلافا للحنفية وغيرهم ، وأن الأرض المزروعة كغيرها ، والمراد ولا ضرر ، ولو كانت لكافر ، ويتوجه احتمال لعدم رضاه بصلاة مسلم بأرضه ( و هـ )

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( تنبيه ) قوله : وإن غير هيئة مسجد فكغيره لعله فكغصبه كما في الرعاية . [ ص: 332 - 334 ]

                                                                                                          ( مسألة 4 ) قوله في أحكام المغصوب : وإن منعه غيره أي منع المسجد غيره من الصلاة فيه وصلى هو فيه ، وقيل أو زحمه وصلى مكانه فوجهان ، يعني في صحة صلاته وأطلقهما ابن عقيل وابن تميم ، أحدهما يصح ، وهو الصحيح ، قال المجد في شرحه وصاحب الحاوي الكبير والصحيح الصحة ، قال في الفائق : صحت في أصح الوجهين ، وقدمه في الرعاية الكبرى ، والوجه الثاني لا يصح ، قال الشيخ تقي الدين والأقوى البطلان ، قلت وهو قوي .




                                                                                                          الخدمات العلمية