الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 364 ] طهارة مواضع الصلاة وطهارة بدن المصلي وسترته وبقعته محل بدنه والمذهب وثيابه مما لا يعفى عنه شرط ( و ) كطهارة الحدث ( ع ) وعنه واجب . وطهارة الحدث فرضت قبل التيمم ، ذكره القاضي ، وأصحابه والشيخ ، وأصحاب الأصول في قياس الوضوء على التيمم في النية مع تقدمه عليه ، وأن الحنفية اعترضوا بهذا ، وكذا ذكر القاضي وغيره مسألة النية للوضوء ، وفي مسند أحمد والصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت : " أنزلت آية التيمم " ذكر القشيري وابن عطية أنها آية المائدة .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : فأنزل الله آية التيمم ، وهي آية الوضوء المذكورة في سورة المائدة : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } إلخ مائدة أو الآية التي في سورة النساء : { أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } إلخ نساء ليس التيمم مذكورا في غيرهما ، وهما مدنيتان .

                                                                                                          وقال أبو بكر بن العربي : لا يعلم أية آية عنت عائشة بقولها فأنزلت آية التيمم ، قال : وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معروفا ولا مفعولا لهم .

                                                                                                          وقال القرطبي : معلوم أن غسل الجنابة لم يفرض قبل الوضوء ، كما أنه معلوم عند جميع أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ افترضت عليه الصلاة بمكة لم يصل إلا بوضوء مثل وضوئنا اليوم ، قال : فدل أن آية [ ص: 365 ] الوضوء إنما نزلت ليكون فرضها المتقدم متلوا في التنزيل ، وفي قولها فنزلت آية التيمم ، ولم تقل آية الوضوء ما يبين أن الذي ظهر لهم في ذلك الوقت حكم التيمم ، لا حكم الوضوء .

                                                                                                          وقال صاحب الشفاء : ذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنة ، ثم نزل فرضه في آية التيمم .

                                                                                                          وقال الجمهور : بل كان قبل ذلك فرضا ، ويتوجه قول أصحابنا ، والجمهور وكلام القرطبي ; ولهذا قالت عن الذين ذهبوا في طلب القلادة " فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء : فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك ، فنزلت آية التيمم " ، ويلزم من كون التيمم بدلا واجبا في سورة النساء وجوب المبدل ، وهذا واضح جدا ، ويوافق ذلك ما رواه أحمد والدارقطني من رواية ابن لهيعة عن أسامة بن زيد بن حارثة عن أبيه مرفوعا : { أن جبريل أتاه في أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء ، فلما فرغ من الوضوء ، أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه } وروياه أيضا عن أسامة مرفوعا من رواية ابن رشد بن سعد ، وهذا يدل على أن للخبر أصلا ، ونسبة هذا إلى أحمد يخرج على أن ما رواه ولم يرده : هل يكون مذهبا له ؟ وسبق فيه في الخطبة وجهان ، وقد يؤخذ من كلام أبي الخطاب في فصل أركان الصلاة وشروطها من صفة الصلاة أن الأمر بالوضوء إنما هو في آية المائدة ، والله أعلم . وعن ابن عمر مرفوعا : { من توضأ ثلاثا فذلك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي } إسناده ضعيف رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما ، وزاد أبو يعلى الموصلي وغيره في آخره : { ووضوء خليلي إبراهيم } .

                                                                                                          وعن ابن عمر [ ص: 366 ] وأنس مرفوعا مثله ولفظه في آخره { ووضوء إبراهيم خليل الرحمن } إسناده ضعيف ، قال البيهقي : غير ثابت ، وعن أبي بن كعب : أن النبي صلى الله عليه وسلم { توضأ ثلاثا وقال : هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي } إسناده ضعيف ، رواه ابن ماجه والدارقطني ، وعلى هذا لا يكون الوضوء من خصائص هذه الأمة ، وقاله أبو بكر بن العربي المالكي وغيره ، وقد يحتمل أن يكون هذا المتن حسنا لكثرة طرقه ، وقد ذكر بعض أصحابنا التيمم من خصائص هذه الأمة ، للخبر الصحيح ، فدل أن الوضوء ليس كذلك .

                                                                                                          وقاله القرطبي المالكي وغيره ، وعلى هذا يكون المراد بخبر أبي هريرة : { أن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء } أنهم امتازوا بالغرة والتحجيل ، لا بالوضوء ، ويحتج به في مسألتنا ، لأن الله أمره باتباعهم بمكة في قوله : { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } وفي قوله : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } وقال ابن عبد البر : قد يجوز أن الأنبياء عليهم السلام يتوضئون فيكتسبون بذلك الغرة والتحجيل ، ولا يتوضأ أتباعهم ، كما جاء عن موسى عليه السلام أنه قال : " أجد أمة كلهم كالأنبياء ، فاجعلهم أمتي " قال : تلك أمة أحمد في حديث فيه طول ، قال : وقد قيل إن سائر الأمم كانوا يتوضئون ، ولا أعرفه من وجه صحيح ، والله أعلم .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية