الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وكل يمين مكفرة كاليمين بالله ، قال شيخنا : حتى عتق وطلاق وأن هل فيهما لغو ؟ على قولين في مذهب أحمد ومراده ما سبق ، وإن جرى على لسانه ولم يقصدها لا والله وبلى والله ; فلا كفارة ، على الأصح ، وعنه : في الماضي ، وهل هي لغو اليمين أو المسألة قبلها ؟ فيه روايتان ( م 4 ) وقيل : هما ، قالت عائشة " أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل والمزاحة والحديث الذي لا يعقد عليه القلب " ، وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على حد [ ص: 346 ] من الأمر في غضب أو غيره إسناده جيد ، احتج به أصحابنا ، وذكر أحمد أوله فيما خرجه في محبسه ، ومن قال في يمين مكفرة إن شاء الله متصلا ، وعنه وجزم به في عيون المسائل : ومع فصل يسير ولم يتكلم ، وعنه : وفي المجلس ، وهو في الإرشاد عن بعض أصحابنا ، وفي المبهج : ولو تكلم ، قدم الاستثناء على الجزاء أو أخره ، فعل أو ترك ، لم تلزمه كفارة قال أحمد : قول ابن عباس " إذا استثنى بعد سنة فله ثنياه " ليس هو في الأيمان إنما تأويله قول الله { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت } فهذا استثناء من الكذب ; لأن الكذب ليس فيه كفارة ، وهو أشد من اليمين ، لأن اليمين تكفر والكذب لا يكفر ، قال ابن الجوزي : فائدة الاستثناء خروجه من الكذب ، قال موسى { ستجدني إن شاء الله صابرا } ولم يصبر فسلم منه بالاستثناء ، وكلامهم يقتضي إن رده إلى يمينه لم ينفعه ، لوقوعها وتبيين مشيئة الله ، واحتج به الموقع في أنت طالق إن شاء الله ، قال أبو يعلى الصغير في اليمين بالله ومشيئة الله : تحقيق مذهبنا إنما يقف على إيجاد فعل أو تركه ، فالمشيئة متعلقة على الفعل ، فإذا وجد ذلك تبينا أنه شاء وإلا فلا ، وفي الطلاق المشيئة انطبقت على اللفظ بحكمه الموضوع له وهو الوقوع ، ويعتبر نطقه إلا من مظلوم خائف ، نص على ذلك ، ولم يقل في المستوعب : خائف ، وفي اعتبار قصد الاستثناء وجهان ، فائدتهما [ ص: 347 ] فيمن سبق على لسانه عادة ، أو أتى به تبركا ( م 5 ) ولم يعتبره شيخنا ، ولو أراد تحقيقا لإرادته ونحوه ، لعموم المشيئة .

                                                                                                          وفي الترغيب وجه : يعتبر قصد الاستثناء أول كلامه ، وكذا قوله إن أراد الله وقصد بالإرادة المشيئة ، لا محبته وأمره ، ذكره شيخنا . وإن شك في الاستثناء فالأصل عدمه .

                                                                                                          وقال شيخنا : إلا ممن عادته الاستثناء واحتج بالمستحاضة تعمل بالعادة والتمييز ولم تجلس أقل الحيض ، والأصل وجوب العبادة ، ومن كان حنثه في يمينه خيرا استحب ، وقدم في الترغيب أن بره وإقامته على يمينه أولى ، ولا يستحب تكرار حلفه فقيل : يكره ، ونقل حنبل : لا يكثر الحلف فإنه مكروه ، وإن دعي . محق لليمين عند حاكم فالأولى افتداء نفسه ، وقيل : يكره حلفه ، وقيل : مباح ، ونقله حنبل كعند غير حاكم ويتوجه فيه : يستحب لمصلحة ، كزيادة طمأنينة وتوكيدا لأمر وغيره ، ومنه { قوله عليه السلام لعمر رضي الله عنه عن صلاة العصر : والله ما صليتها } تطبيبا منه لقلبه ، وكذا قال بعض أصحابنا في كتابه الهدي عن قصة الحديبية ، فيها جواز الحلف بل استحبابه على الخير الديني الذي يريد تأكيده ، وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعا ، وأمره الله بالحلف على تصديق ما أخبره في ثلاث مواضع من القرآن ، في سورة سبأ ويونس والتغابن .

                                                                                                          وإن قال : إن فعلت كذا فعبد فلان حر ، أو ماله صدقة ونحوه ، وفعله ، فلغو ، وعنه : يكفر كنذر معصية ، وإن حرم حلالا غير زوجته ، نحو ما أحل الله علي حرام ، ولا زوجة له ، لم يحرم ويكفر إن فعله ، نص عليه ، وقيل : يحرم حتى يكفر ، وكذا تعليقه بشرط ، نحو إن أكلته فهو علي حرام ، نقله أبو طالب ، قال في الانتصار : وطعامي علي كالميتة والدم .

                                                                                                          [ ص: 345 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 345 ] مسألة 4 ) قوله : " وهل هي لغو اليمين أو المسألة قبلها ، فيه روايتان " ، انتهى . يعني هل لغو اليمين أن يجري على لسانه من غير قصد قول لا والله وبلى والله أو هو أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه ؟ أطلق الخلاف في ذلك ، وأطلقه في الهداية والمذهب .

                                                                                                          ( إحداهما ) : هو أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه ، وهو ظاهر كلامه في المقنع ، وقدمه في الرعايتين .

                                                                                                          ( والرواية الثانية ) هو قوله : لا والله وبلى والله ونحوه إذا جرى على لسانه ولم يقصده ، وهو الصحيح ، وجزم به في المحرر والحاوي الصغير والوجيز والعدة مع أن كلامه في العدة يحتمل أن يعود إلى الصورتين . [ ص: 347 ]

                                                                                                          ( مسألة 5 ) قوله : " وفي اعتبار قصد الاستثناء وجهان ، فائدتهما فيمن سبق على لسانه عادة أو أتى به تبركا " ، انتهى .

                                                                                                          ( أحدهما ) يعتبر قصد الاستثناء ، اختاره القاضي ، وجزم به في المستوعب والبلغة والنظم والمحرر والوجيز وغيرهم ، وصححه في الرعاية الكبرى ، قال الزركشي : واشترط القاضي وأبو البركات وغيرهما مع الاتصال أن ينوي الاستثناء قبل تمام المستثنى منه ، وظاهر بحث أبي محمد أن المشترط قصد الاستثناء فقط ، حتى لو نوى عند تمام يمينه صح استثناؤه ، قال : وفيه نظر ، انتهى .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) : لا يعتبر قصد الاستثناء ، وهو ظاهر كلام الخرقي وصاحب المقنع وجماعة ، وذكر ابن البنا وبناه على أن لغو اليمين عندنا صحيح ، وهو ما كان على الماضي وإن لم يقصده ، واختاره الشيخ تقي الدين .

                                                                                                          [ ص: 348 ] ( تنبيه )

                                                                                                          قوله : " نحو ما أحل الله علي حرام أو لا زوجة له " كذا في النسخ ، وصوابه " ولا زوجة له " بإسقاط الألف قبل الواو وإنما قال ذلك لئلا يشملها كلامه .




                                                                                                          الخدمات العلمية