الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وخرء حمام وعصفور ) أي لا ينزح ماء البئر بوقوع خرء حمام وعصفور فيها والخرء بالفتح واحد الخروء بالضم مثل قرء وقروء وعن الجوهري أنه بالضم كجند وجنود والواو بعد الراء غلط كذا في المغرب ، وإنما لا ينزح ماؤها منه ; لأنه ليس بنجس عندنا على ما اختاره في الهداية وكثير من الكتب وذكر في النهاية ومعراج الدراية اختلاف المشايخ في نجاسته وطهارته مع اتفاقهم على سقوط النجاسة لكن عند البعض السقوط من الأصل للطهارة وعند آخرين للضرورة ا هـ .

                                                                                        ولم يذكرا فائدة هذا الاختلاف وقال الشافعي نجس ، وهو القياس ; لأنه استحال إلى نتن وفساد فأشبه خرء الدجاج ولنا الإجماع العملي ، فإنها في المسجد الحرام مقيمة من غير نكير من أحد من العلماء مع العلم بما يكون منها مع ورود الأمر بتطهير المساجد فيما رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد وأبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب } { وعن سمرة رضي الله عنه أنه كتب إلى بنيه أما بعد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نضع المساجد في دورنا ونصلح صنعتها ونطهرها } رواه أبو داود وسكت عليه ثم المنذري بعده كذا ذكره الحافظ الزيلعي .

                                                                                        وروى أبو أمامة الباهلي { أن النبي صلى الله عليه وسلم شكر الحمامة فقال أنها أوكرت على باب الغار فجزاها الله تعالى بأن جعل المساجد مأواها } فهذا دليل طهارة خرئها وعن ابن مسعود أنه خرأت عليه حمامة فمسحها بإصبعه وكذلك عمر رضي الله عنه زرق عليه طير فمسحه بحصاة ثم صلى كذا في معراج الدراية والنهاية

                                                                                        وأما ذكره من الاستحالة فهي لا إلى نتن رائحة فأشبه الطين الذي في قعر البئر ، فإن فيه الفساد أيضا وليس بنجس ; لأنه لا إلى نتن رائحة ويشكل هذا بالمني على قوله قال في النهاية ثم الاستحالة إلى فساد لا توجب النجاسة لا محالة ، فإن سائر الأطعمة إذا فسدت لا تنجس به ; لأن التغير إلى الفساد لا يوجب النجاسة ا هـ .

                                                                                        وبهذا يعلم ضعف ما ذكره في الخزانة من أن الطعام إذا تغير واشتد تغيره تنجس ، وإن حمل ما في النهاية على ما إذا لم يشتد تغيره ليجمع بينهما فهو بعيد والظاهر ما في النهاية ; لأنه لا موجب لتنجيسه ، وإنما حرم أكله في هذه الحالة للإيذاء كاللحم إذا أنتن قالوا يحرم أكله ولم يقولوا تنجس بخلاف السمن واللبن والدهن والزيت إذا أنتن لا يحرم والأشربة لا تحرم بالتغير كذا في الخزانة وأشار المصنف رحمه الله بقوله خرء حمام وعصفور إلى خرء ما يؤكل لحمه من الطيور [ ص: 120 ] احترازا عما لا يؤكل لحمه منها ، فإن خرأه نجس وسنذكره صريحا في باب الأنجاس والصحيح أنه طاهر كخرء مأكول اللحم منها ذكره في المبسوط وصحح قاضي خان في شرح الجامع الصغير نجاسته وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في باب الأنجاس .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : والواو بعد الراء غلط ) أي في المفرد لا في الجمع ( قوله : ولم يذكروا فائدة هذا الاختلاف ) قال في النهر : يمكن أن يظهر فيما لو وجد في ثوب أو مكان وثمة ما هو خال عنه لا تجوز الصلاة فيه على الثاني لانتفاء الضرورة وتجوز على الأول . ا هـ .

                                                                                        والظاهر أن تعليلهم بالضرورة ليس في خصوص الماء ; لأنه لا يمكن الاحتراز عنها مطلقا ، وإذا سقط حكم النجاسة للضرورة مطلقا تجوز الصلاة بما أصابه منها شيء ، وإن وجد غيره كما لو أصاب الماء ووجد غيره يجوز استعماله تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية