الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله فطف للصدر سبعة أشواط وهو واجب إلا على أهل مكة ) وله خمسة أسام ما في الكتاب لأنه يصدر عنه أي [ ص: 377 ] يرجع والصدر الرجوع وطواف الوداع ; لأنه يودع البيت به وطواف الإفاضة ; لأنه لأجله يفيض إلى البيت من منى وطواف آخر عهد بالبيت ; لأنه لا طواف بعده وطواف الواجب واختلف في المراد بالصدر الذي هو الرجوع فعندنا هو الرجوع عن أفعال الحج ، وعند الشافعي هو الرجوع إلى أهله ويبتنى عليه أنه لو طاف للصدر ثم أقام بمكة لشغل لم تلزمه الإعادة عندنا خلافا له ، والصحيح قولنا لأن الإضافة للاختصاص وهو إما باعتبار أن الصدر سبب أو شرط وكل منهما سابق على الحكم وهو بما قلنا وعلى قوله يكون متأخرا عن الحكم والفراغ عن الأفعال يسمى صدورا ورجوعا عنها إلى الحالة التي كانت من قبل ، ولم يبين وقته وله وقتان وقت الجواز ووقت الاستحباب ، فالأول أوله بعد طواف الزيارة إذا كان على عزم السفر حتى لو طاف كذلك ثم أطال الإقامة بمكة ولو سنة ولم ينو الإقامة بها ، ولم يتخذها دارا جاز طوافه

                                                                                        وأما آخره فليس بموقت ما دام مقيما حتى لو أقام عاما لا ينوي الإقامة فله أن يطوف ويقع أداء ، والثاني أن يوقعه عند إرادة السفر حتى روي عن أبي حنيفة أنه لو طافه ثم أقام إلى العشاء فأحب إلي أن يطوف طوافا آخر ليكون توديع البيت آخر مورده كذا في المحيط ، ولم يشترط المصنف له نية معينة فأفاد أنه لو طاف بعدما أحل النفر ونوى التطوع أجزأه عن الصدر كما لو طاف بنية التطوع في أيام النحر وقع عن الفرض ، وأفاد ببيان صفته أنه لو نفر ولم يطف يجب عليه أن يرجع فيطوفه ، لكن قالوا ما لم يجاوز المواقيت فإن جاوزها لم يجب الرجوع عينا بل إما أن يمضي وعليه دم ، وإما أن يرجع فيرجع بإحرام جديد ; لأن الميقات لا يجاوز بلا إحرام فيحرم بعمرة فإذا رجع ابتدأ بطواف العمرة ثم يطوف للصدر ولا شيء عليه لتأخيره ، وقالوا الأولى أن لا يرجع ويريق دما ; لأنه أنفع للفقراء وأيسر عليه لما فيه من دفع ضرر التزام الإحرام ومشقة الطريق

                                                                                        والدليل على وجوبه من السنة أحاديث أصرحها ما في صحيح مسلم كانوا ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } ، وأراد بأهل مكة من اتخذ مكة أو داخل المواقيت دارا فلا طواف صدر على من كان داخل المواقيت وكذا الآفاقي الذي اتخذ مكة دارا ثم بدا له الخروج وقيده في البدائع بأن ينوي الإقامة بها قبل أن يحل النفر الأول ، وأما إن نواه بعده لا يسقط عنه في قول أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف . ا هـ .

                                                                                        والظاهر الإطلاق وحكى الخلاف في المجمع بين أبي يوسف ومحمد ، والمراد بالنفر الأول الرجوع إلى مكة في اليوم الثالث من أيام النحر وكذا لا طواف صدر على مكي إذا أراد الخروج منها وقيد بالمحرم بالحج باعتبار أن الكلام فيه ; لأن المعتمر ليس عليه طواف الصدر وقيد بكونه أدرك الحج فإن فائت الحج ليس عليه طواف الصدر ; لأن العود مستحق عليه ولأنه كالمعتمر

                                                                                        وأشار إلى أنه لا سعي عليه ولا رمي في هذا الطواف لعدم ذكرهما ، ولم يستثن الحائض والنفساء مع أهل مكة في سقوطه عنهم لما سيصرح به في باب التمتع ولما علم أن واجبات الحج تسقط بالعذر ، وقد صرح قاضي خان في فتاواه بسقوط طواف الصدر بالعذر والحيض ، والنفاس عذر ولهذا قال في المحيط لو طهرت الحائض قبل أن تخرج من مكة يلزمها طواف الصدر ، وإن جاوزت بيوت مكة مسيرة سفر وطهرت فليس عليها العود ، وكذا لو انقطع دمها فلم تغتسل ولم يذهب وقت الصلاة حتى لو خرجت من مكة لم يلزمها العود ; لأنه لم يثبت لها أحكام الطاهرات وقت الطواف ، وإن خرجت وهي حائض ثم اغتسلت ثم رجعت إلى مكة قبل أن تجاوز المواقيت فعليها الطواف وإن [ ص: 378 ] جاوزت فلا تعود إلا بإحرام جديد

                                                                                        وأشار بطواف الصدر إلى الرجوع إلى أهله وعدم المجاورة بمكة ولهذا قال في المجمع بعده ثم يعود إلى أهله ، والمجاورة بها مكروهة يعني عند أبي حنيفة وعندهما لا تكره لقوله تعالى { أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } والمجاورة هي العكوف وله أن المجاورة في العادة تفضي إلى الإخلال بإجلال بيت الله لكثرة المشاهدة ، والعكوف في الآية بمعنى اللبث دون المجاورة ، وقد قرر في فتح القدير فيها كلاما حسنا فراجعه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله باعتبار أن الكلام فيه ) فيه بيان لمأخذ التقييد من كلامه ، وقوله لأن المعتمر إلخ تعليل للتقييد وقد مر نظير هذا بعينه من المؤلف عند قول المتن واقطع التلبية بأولها فقال وقيد بالمحرم بالحج وقيد بكونه مدركا للحج وما يوجد في بعض النسخ من تغيير قيد من الموضعين هنا إلى لم يقيد تحريف ناشئ عن عدم الفهم ; لأنه لو كانت النسخة كذلك لتناقض مع قوله ; لأن المعتمر إلخ وقوله ; لأن العود إلخ ; لأن عدم التقييد يفيد بسبب إطلاقه أن يكون على المعتمر وفائت الحج طواف الصدر لا أنه ليس عليهما ذلك ، وأما عبارة النهر حيث قال ولم يقيد فيرد عليها ما قلنا ويبقى تعليله بقوله ; لأن الكلام فيه ضائعا فتدبر ( قوله ولم يستثن الحائض والنفساء مع أهل مكة في سقوطه عنهم لما سيصرح به في باب التمتع ولما علم أن واجبات الحج تسقط بالعذر ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها بعد قوله في سقوطه عنهم لما علم في واجبات الحج . ( قوله وإن جاوزت بيوت مكة مسيرة سفر ) هذا القيد غير معتبر المفهوم دل عليه ما بعده وكذا قول شارح اللباب ; لأنه حين خرجت من العمران صارت مسافرة بدليل جواز القصر فلا يلزمها العود ولا الدم ا هـ [ ص: 378 ]

                                                                                        ( قوله والمجاورة بها مكروهة ) قال في النهر وبقوله قال الخائفون المحتاطون من العلماء كما في الإحياء قال ولا يظن أن كراهة القيام تناقض فضل البقعة ; لأن هذه الكراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع قال في الفتح وعلى هذا فيجب كون الجوار في المدينة المشرفة كذلك يعني مكروها عنده فإن تضاعف السيئات وتعاظمها إن فقد فيها فمخافة السآمة وقلة الأدب المفضي إلى الإخلال بوجوب التوقير والإجلال قائم .




                                                                                        الخدمات العلمية