الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وكله بنحو شاة ) أي ينزح ماء البئر كله بموت ما عادل الشاة في الجثة كالآدمي والكلب طاهرا كان أو نجسا ; لأن ابن عباس وابن الزبير أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم كما رواه ابن ابن سيرين وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة وأبو الطفيل أما رواية ابن سيرين فأخرجها الدارقطني في سننه بإسناده عن محمد بن سيرين أن زنجيا مات في زمزم فأمر به ابن عباس فأخرج وأمر بها أن تنزح قال فغلبتهم عين جاءت من الركن قال فأمر بها فسدت بالقباطي والمطارف حتى نزحوها فلما نزحوها انفجرت عليهم والقباطي جمع قبطية ، وهو ثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء وكأنه منسوب إلى القبط وهم أهل مصر والمطارف أردية من خز مربعة لها أعلام مفردها مطرف بكسر الميم وضمها [ ص: 126 ]

                                                                                        ، وأما رواية عطاء فرواها ابن أبي شيبة في مصنفه والطحاوي في شرح الآثار أن حبشيا وقع في بئر زمزم فمات فأمر ابن الزبير فنزح ماؤها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير حسبكم ، وأما رواية عمرو بن دينار فرواها البيهقي والآمر فيها بالنزح ابن عباس ، وأما رواية قتادة فرواها ابن أبي شيبة في مصنفه والآمر ابن عباس ، وأما رواية أبي الطفيل فرواها البيهقي والآمر ابن عباس ، فإن قالوا رواية ابن سيرين مرسلة ; لأنه لم يلق ابن عباس بل سمعها من عكرمة وكذا قتادة لم يلق ابن عباس ، وأما رواية ابن دينار ففيها ابن لهيعة ولا يحتج به ، وأما رواية أبي طفيل ففيها جابر الجعفي ولا يحتج به وأما عطاء فهو ، وإن سمع من ابن الزبير بلا خلاف لكن وجد ما يضعف روايته ، وهو ما رواه البيهقي عن سفيان بن عيينة أنه قال أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي الذي قالوا إنه وقع في بئر زمزم ولا سمعت أحدا يقول نزحت زمزم ثم أسند عن الشافعي أنه قال لا يعرف هذا عن ابن عباس وكيف يروي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم { الماء لا ينجسه شيء } ويتركه ، وإن كان قد فعل فلنجاسة ظهرت على وجه الماء أو نزحها للتنظيف لا للنجاسة ، فإن زمزم للشرب فالجواب أن ابن سيرين لما أرسل عن ابن عباس ، وكان الواسطة بينهما ثقة ، وهو عكرمة كان الحديث صحيحا محتجا به وفي التمهيد لابن عبد البر مراسيل ابن سيرين عندهم حجة صحاح كمراسيل سعيد بن المسيب ، وأما الجعفي فقد وثقه الثوري وشعبة واحتمله الناس ورووا عنه ولم يختلف أحد في الرواية عنه ورواه الطحاوي عنه أيضا ، وأما ابن لهيعة قال ابن عدي هو حسن الحديث يكتب حديثه وقد حدث عنه الثقات الثوري وشعبة وعمرو بن الحارث والليث بن سعد

                                                                                        وأما عدم علم سفيان والشافعي فلا يصلح دليلا في دين الله تعالى والإثبات مقدم على النفي ، فإن لم يعرفا فقد عرف غيرهما ممن ذكرناه من الأعلام الأئمة وإثباتهم مقدم على نفي غيرهم مع أن بينهما وبين ذلك الوقت قريبا من مائة وخمسين سنة ، وأما رواية ابن عباس { الماء لا ينجسه شيء } فيجوز أن يكون وقع عنده دليل أوجب تخصيصه ، فإن روايته كعلم المخالف به فكما قال الشافعي رحمه الله بتنجيس ما دون القلتين بدون تغير لدليل آخر وقع عنده أوجب تخصيص هذا الحديث لا يستبعد مثله لابن عباس ، وأما تجويز كون النزح لنجاسة ظهرت أو للتنظيف فمخالف لظاهر الكلام ; لأن الظاهر من قول القائل مات فأمر بنزحها أنه للموت لا لنجاسة أخرى كقولهم زنى فرجم وسها فسجد وسرق فقطع على أن عندهم لا ينزح أيضا للنجاسة ، ولو كان للتنظيف لم يأمر بنزحها ولم يبالغوا هذه المبالغة العظيمة من سد العين وقول النووي كيف يصل هذا الخبر إلى أهل الكوفة ويجهله أهل مكة وسفيان بن عيينة كبير أهل مكة استبعاد بعد وضوح الطريق ومعارض بأن جمهور الصحابة كعلي وأصحابه وابن مسعود وأصحابه وأبي موسى الأشعري وأصحابه وابن عباس وجماعة من أصحابه وسلمان الفارسي وعامة أصحابه والتابعين انتقلوا إلى الكوفة والبصرة ولم يبق بمكة إلا القليل وانتشروا في البلاد للجهاد والولايات وسمع الناس منهم وانتشر العلم في جميع البلاد الإسلامية منهم حتى قال العجلي في تاريخه نزل الكوفة ألف وخمسمائة من الصحابة ونزل قرقيسياء ست مائة فيجوز أن يعرف أهل الكوفة أكثر من أهل مكة ولا ينكر هذا إلا مكابر وما ذكره أيضا مخالف لقول إمامه فقد حكى ابن عساكر عن الشافعي أنه قال لأحمد أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا فإذا كان خبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا فهلا قال كيف يصل إلى أهل الكوفة والبصرة والشام ويجهله أهل مكة والمدينة مع أن الغالب أن البئر إذا نزحت لا يحضرها أهل البلد ولا أكثرهم ، وإنما يحضر من له بصارة أو من يستعان [ ص: 127 ] به .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية