الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وانتفاخ حيوان أو تفسخه ) أي ينزح ماء البئر كله لأجل انتفاخ الحيوان الواقع فيها أو تفسخه مطلقا صغر الحيوان أو كبر كالفأرة والآدمي والفيل لانتشار البلة في أجزاء الماء ; لأن عند انتفاخه تنفصل بلته ، وهي نجسة مائعة فصارت كقطرة من خمر ; ولهذا لو وقع ذنب فأرة ينزح الماء كله ; لأن موضع القطع منه لا ينفك عن نجاسة بخلاف ما لو أخرجت قبل الانتفاخ ; لأن شيئا من أجزائها لم يبق في الماء بعد إخراجها والانتفاخ أن تتلاشى أعضاؤه والتفسخ أن تتفرق عضوا عضوا وكذا إذا تمعط شعره فهو كالمنتفخ قال في السراج الوهاج ، فإن جعل موضع القطع شمعة لم يجب إلا ما يجب في الفأرة ا هـ .

                                                                                        فروع لا يفيد النزح قبل إخراج الواقع ; لأنه سبب النجاسة ومع بقائها لا يمكن الحكم بالطهارة إلا إذا تعذر إخراجه وكان متنجسا كما قدمناه ، وإذا لم يوجد في البئر القدر الواجب نزح ما فيها فإذا جاء الماء بعده لا ينزح منه شيء ، ولو غار الماء قبل النزح ثم عاد يعود نجسا ; لأنه لم يوجد المطهر ، وإن صلى رجل في قعرها ، وقد جفت تجزئه كذا في التجنيس لكن اختار في فتح القدير أنه لا يعود نجسا وصرح في باب الأنجاس بأن فيه روايتين كنظائره والأصح عدم العود ; لأنه بمنزلة النزح كذا في المعراج وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى لكن إنما يكون الأصح عدم العود فيما إذا جف أسفله أما إذا غار ولم يجف أسفله فالأصح العود كما أفاده السراج الوهاج ، وإذا طهرت البئر يطهر الدلو والرشا والبكرة ونواحي البئر ويد المستقي ; لأن نجاسة هذه الأشياء بنجاسة البئر فتطهر بطهارتها للحرج كدن الخمر يطهر تبعا إذا صار خلا وكيد المستنجي تطهر بطهارة المحل وكعروة الإبريق إذا كان في يده نجاسة رطبة فجعل يده عليها كلما صب على اليد فإذا غسل اليد ثلاثا طهرت العروة بطهارة اليد

                                                                                        ولو سال النجس على الآجر ثم وصل إلى الماء فنزحها طهارة للكل ، وقيل الدلو طاهر في حق هذه البئر لا غيرها كدم الشهيد طاهر في حق نفسه ولا يجب نزح الطين في شيء من الصور لأن الآثار إنما وردت بنزح الماء وفي المجتبى وكلما نزح من البئر شيء طهر من الدلو بقدره وليتأمل فيه وفي فتاوى قاضي خان ولا يطين المسجد بطين البئر التي نزحت احتياطا ثم نجاسة البئر بعد إخراج الفأرة وغيرها غليظة ثم بقدر ما ينزح تخف فلو صب الدلو الأول من بئر وجب فيها نزح عشرين في بئر طاهرة ينزح من الثانية عشرون ، ولو صب الثاني تسعة عشر وكذا الثالث على هذا ، ولو صب الدلو الأخير ينزح دلو مثله والأصل في هذا أن البئر الثانية تطهر بما تطهر به الأولى ، ولو أخرجت الفأرة وألقيت في بئر طاهرة وصب أيضا فيها عشرون من الأولى يجب إخراج الفأرة ونزح عشرين دلوا ; لأن الأولى تطهر به فكذا الثانية ، ولو صب الدلو العاشرة في بئر طاهرة ينزح منها عشر دلاء وفي رواية أبي سليمان وفي رواية أبي حفص إحدى عشرة ، وهو الأصح قال الإسبيجابي ووفق بين الروايتين فالأولى سوى المصبوب والثانية مع المصبوب فلا خلاف

                                                                                        ولو صب ماء بئر نجسة في بئر أخرى ، وهي نجسة أيضا ينظر بين المصبوب وبين الواجب فيها فأيهما كان أكثر أغنى عن الأقل ، فإن استويا فنزح أحدهما يكفي مثاله بئران ماتت في كل منهما فأرة فنزح من إحداهما عشرة مثلا وصب في الأخرى ينزح عشرون ، ولو صب دلو واحد ، فكذلك ، ولو ماتت فأرة في بئر ثالثة فصب من إحدى البئرين عشرون ومن الأخرى عشرة ينزح ثلاثون ، ولو صب فيها من كل عشرون نزح أربعون وينبغي أن ينزح المصبوب ثم الواجب فيها على روايةأبي حفص ، ولو نزح دلو من الأربعين وصب في العشرين ينزح الأربعون ; لأنه لو صب في بئر طاهرة كذلك فكذا هذا ، وهذا كله قول محمد وعن أبي يوسف روايتان في رواية ينزح جميع الماء وفي رواية ينزح الواجب والمصبوب جميعا فقيل له إن محمدا روى عنك الأكثر فأنكر [ ص: 128 ] وكذا قال أبو يوسف في بئرين وقع في كل واحد منهما سنور فنزح من إحداهما لو صب في الأخرى ينزح ماؤها كله على الرواية الأولى ; لأن الدلو الذي نزح أخذ حكم النجاسة ; ولهذا لو أصاب الثوب نجسه ويجب غسله ، فصار كما إذا وقع في البئر نجاسة أخرى واقتصر على هذه الرواية في التجنيس ودفعه في فتح القدير بأن هذا إنما يظهر وجهه في المسألة السابقة ، وهي ما إذا كان المصبوب فيها طاهرة

                                                                                        أما إذا كانت نجسة فلا ; لأن أثر نجاسة هذا الدلو إنما يظهر فيما إذا ورد على طاهر وقد ورد هنا على نجس فلا يظهر أثر نجاسته فتبقى الموردة على ما كانت ، فتطهر بإخراج القدر الواجب وجه دفعه عن المسألة السابقة ما في المبسوط من أنا نتيقن أنه ليس في هذا البئر إلا نجاسة فأرة ونجاسة فأرة يطهرها عشرون دلوا ا هـ وفي المحيط معزيا إلى النوادر

                                                                                        فإن ماتت في حب فأريق الماء في البئر قال محمد ينزح الأكثر من المصبوبة ومن عشرين دلوا ، وهو الأصح ; لأن الفأرة لو وقعت فيها ينزح عشرون فكذا إذا صب فيها ما وقع فيه إلا إذا زاد المصبوب على ذلك فتنزح الزيادة مع العشرين وقال أبو يوسف : ينزح المصبوب وعشرون دلوا ; لأنه يصير بمنزلة ما لو وقعت الفأرتان في البئر يجب نزحهما ونزح عشرين دلوا كذا هذا ، وفي الكافي والمستصفى والبدائع أن الفأرة إذا وقعت في الحب بالحاء المهملة يهراق الماء كله ولم يعلله له

                                                                                        ووجهه أن الاكتفاء بنزح البعض مخصوص بالآبار ثبت بالآثار على خلاف القياس فلا يلحق به غيره فعلى هذا إذا وقعت الفأرة في الصهريج أو الفسقية ولم يكونا عشرا في عشر ، فإن الماء كله يهراق كما لا يخفى ولا يحكم بطهارة البئر ما لم ينفصل الدلو الأخير عن رأس البئر عندهما ; لأن حكم الدلو حكم المتصل بالماء والبئر وعند محمد يطهر بالانفصال عن الماء ولا اعتبار بما يتقاطر للضرورة وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا انفصل الدلو الأخير عن الماء ، ولم ينفصل عن رأس البئر واستقى من مائها رجل ثم أعاد الدلو فعندهما الماء المأخوذ قبل العود نجس ، وعنده طاهر كذا في التبيين وظاهره أن عود الدلو قيد وليس كذلك بل الماء المأخوذ قبل الانفصال عن رأس البئر نجس عندهما مطلقا عاد الدلو أو لا ولهذا لم يذكر هذا القيد في فتح القدير ومعراج الدراية والمحيط وكثير من الكتب فكان زائدا وفي البدائع لم يذكر في ظاهر الرواية قول أبي حنيفة وإنما ذكره الحاكم وفي التجنيس إذا نزح الماء النجس من البئر يكره أن يبل به الطين ولا يطين به المسجد أو أرضه لنجاسته بخلاف السرقين إذا جعله في الطين ; لأن في ذلك ضرورة ; لأنه لا يتهيأ إلا بذلك ا هـ .

                                                                                        [ ص: 127 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 127 ] ( قوله : إلا إذا تعذر إخراجه ، وكان متنجسا ) احترز به عن عين النجاسة قال القهستاني وفي الجواهر لو وقع عصفور في بئر فعجزوا عن إخراجه فما دام فيها فنجسة فتترك مدة يعلم أنه استحال وصار حمأة وقيل مدة ستة أشهر . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وليتأمل فيه ) أي في قوله طهر إلخ والظاهر أنه أراد بالطهارة خفة النجاسة كما يفيده ما بعده [ ص: 128 ] ( قوله : يهراق الماء كله ) ظاهره أنه يطهر بمجرد الإراقة بلا غسل والظاهر أنه لا بد من غسله بعد الإراقة ثلاثا ; لأنه حكم بنجاسة المراق ، وبقي الأثر فلا بد من غسله بخلاف البئر ( قوله : فعلى هذا إذا وقعت الفأرة في الصهريج إلخ ) هذا إنما يتم بناء على أن الصهريج ليس من مسمى البئر في شيء كذا في النهر وقال قبله وقضية إطلاقهم إيجاب العشرين والأربعين في الفأرة والحمامة أنه لا فرق بين المعين وغيرهما وبذلك تمسك بعض أهل العصر وأفتى بنزح عشرين في فأرة وقعت في صهريج ، وفي القاموس الصهريج الحوض الكبير يجتمع فيه الماء ا هـ .

                                                                                        وقد ذكر العلامة المقدسي كلام المؤلف واستدلاله بما في الكافي وغيره من مسألة الحب ثم قال إنه مما لا يخفى بعده ، فإن الحب بالحاء الخابية وأين هي من الصهريج لا سيما الذي يسع ألوفا من الدلاء ا هـ .

                                                                                        قلت : ونقل في القنية أن حكم الركية حكم البئر قال بعض الفضلاء : وهي البئر كما في القاموس لكن في العرف هي بئر يجتمع ماؤها من المطر ا هـ .

                                                                                        وقال الشيخ علاء الدين في شرحه على التنوير نقل المصنف يعني صاحب التنوير عن الفوائد أن الحب المطمور أكثره في الأرض كالبئر وعليه فالصهريج والزير الكبير ينزح منه كالبئر وقال : فاغتنم هذا التحرير ا هـ .

                                                                                        والزير الدن ، وهو الراقود العظيم ، وهو أطول من الحب لا يعقد إلا أن [ ص: 129 ] يحفر له كما في القاموس أقول : وبالله التوفيق الذي ينبغي تحريره أن يقال كل ما كان حفرة في الأرض لا تناله اليد فهو في حكم البئر وداخل في مسماها ; لأنها كما مر مشتقة من بارت أي حفرت فيكون الوارد فيها واردا فيه بخلاف نحو الدن والفسقية والعين ; لأن مسائل الآبار خارجة عن القياس فلا يلحق بها غيرها ، وبه يظهر ما نقله في النهر عن بعض أهل العصر وكذا ما نقلناه عن المقدسي وإلى ما ذكرنا يشير صدر كلام النهر الذي قدمناه والله تعالى أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية