الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله : ( أنت طالق بائن أو ألبتة أو أفحش الطلاق أو طلاق الشيطان أو البدعة أو كالجبل أو أشد الطلاق أو كألف أو ملء البيت أو تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة فهي واحدة بائنة إن لم ينو ثلاثا ) بيان للطلاق البائن بعد بيان الرجعي وإنما كان بائنا في هذه لأنه وصف الطلاق بما يحتمله وهو البينونة فإنه يثبت به البينونة قبل الدخول للحال وكذا عند ذكر المال وبعده إذا انقضت العدة وأورد عليه أنه لو احتمل البينونة لصحت إرادتها بطالق ، وقد قدمنا عدم صحتها وأجيب بأن عمل النية في الملفوظ لا في غيره ولفظ بائن لم يصر ملفوظا به بالنية بخلاف طالق بائن ، وفيه نظر مذكور في فتح القدير قيد بكون بائن صفة بلا عطف لأنه لو قال : أنت طالق وبائن أو قال أنت طالق ثم بائن وقال لم أنو بقولي بائن شيئا فهي رجعية ولو ذكر بحرف الفاء ، والباقي بحاله فهي بائنة كذا في الذخيرة وأفاد بقوله فهي واحدة إن لم ينو ثلاثا أنه لو نوى ثنتين لا يصح لكونه عددا محضا إلا إذا عنى بأنت طالق واحدة وبقوله بائن أو ألبتة أو نحوهما أخرى يقع تطليقتان بناء على أن التركيب خبر بعد خبر وهما بائنتان لأن بينونة الأولى ضرورة بينونة الثانية إذ معنى الرجعي كونه بحيث يملك رجعتها وذلك منتف باتصال البائنة الثانية فلا فائدة في وصفها بالرجعية وكل كناية قرنت بطالق يجري فيها ذلك فيقع ثنتان بائنتان وأشار بأفحش الطلاق إلى كل وصف على أفعل لأنه للتفاوت وهو يحصل بالبينونة وهو أفحش من الطلاق الرجعي فدخل أخبث الطلاق وأسوأه وأشره وأخشنه وأكبره وأغلظه وأطوله وأعرضه وأعظمه إلا قوله : أكثره بالثاء المثلثة فإنه يقع به الثلاث ولا يدين [ ص: 311 ] إذا قال نويت واحدة .

                                                                                        وإنما وقع البائن بطلاق الشيطان ، والبدعة لأن الرجعي هو السني غالبا فلا يرد أن الرجعي قد لا يكون سنيا كالطلاق الصريح في الحيض فإن قلت قد تقدم في الطلاق البدعي أنه لو قال أنت طالق للبدعة أو طلاق البدعة ولا نية له فإن كان في طهر فيه جماع أو في حالة الحيض أو النفاس وقعت واحدة من ساعته ، وإن كانت في طهر لا جماع فيه لا يقع في الحال حتى تحيض أو يجامعها في ذلك الطهر كما في البدائع وفتح القدير قلت لا منافاة بينهما لأن ما ذكروه هنا هو وقوع الواحدة البائنة بلا نية أعم من كونها تقع الساعة أو بعد وجود شيء وأشار بقوله كالجبل إلى التشبيه بما يوجب زيادة في العظم وهو بزيادة وصف البينونة فيدخل فيه مثل الجبل وأما البينونة بأشد الطلاق فلأنه وصفه بالشدة لأن أفعل يراد به الوصف فلذا لم يكن للثلاث بلا نية لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه فكان أشد معبرا به عن المصدر الذي هو الطلاق وأما البينونة بقوله كألف فلأن التشبيه يحتمل أن يكون في القوة ويحتمل أن يكون في العدد فإن نوى الثاني وقع الثلاث ، وإن لم ينو ثبت الأقل وهو البينونة ودخل فيه مثل ألف ومثل ثلاث وواحدة كالألف إلا أنه في هذه إذا نوى الثلاث لا تقع إلا واحدة اتفاقا لأن الواحدة لا تحتمل الثلاث كذا في الجوهرة وخرج عنه كعدد الألف وكعدد الثلاث فإنه يقع الثلاث بلا نية ودخل فيه أيضا ما لو شبه بالعدد فيما لا عدد فيه كعدد الشمس أو التراب أو قال مثله لأن التشبيه يقتضي ضربا من الزيادة وهو بالبينونة موجود .

                                                                                        وفي الظهيرية لو قال أنت طالق كالنجوم فهي واحدة يعني كالنجوم ضياء لا عددا إلا أن يقول كعدد النجوم ولو أضافه إلى عدد معلوم النفي كعدد شعر بطن كفي أو مجهول النفي ، والإثبات كعدد شعر إبليس أو نحوه وقعت واحدة أو من شأنه الثبوت لكنه كان زائلا وقت الحلف بعارض كعدد شعر ساقي أو ساقك ، وقد تنور لا يقع لعدم الشرط كذا في كافي الحاكم ، وفي البزازية أنت علي حرام ألف مرة تقع واحدة ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية : أنت طالق عدد ما في هذا الحوض من السمك وليس في الحوض سمك تقع واحدة وحكى ابن سماعة عن محمد قال كنا عند محمد بن الحسن فسئل عمن قال لامرأته : أنت طالق عدد الشعر الذي على فرجك ، وقد كانت أطلت فبقي محمد بن الحسن يتفكر فيه وشبهه بظهر الكف ثم أجمع رأيه على أنه إن قال أنت طالق بعدد الشعر الذي على ظهر كفي وقد أطلي أنه لا يقع ، وإن قال بعدد الشعر الذي في بطن كفي أنه يقع واحدة لأنه في الأول يقع على عدد الشعور النابتة فإذا لم يكن عليه شعر لم يوجد الشرط ، وفي الثانية لا يقع على عدد الشعر ، وذكر الكرخي أنها تطلق ثلاثا في عدد شعر رأسي أو عدد شعر ظهر كفي ، وقد أطلى لأنه ذو عدد ، وإن لم يكن موجودا ، ولو قال أنت طالق عدد ما في هذه القصعة من الثريد إن قال ذلك قبل صب المرقة عليه فهي ثلاث ، وإن قال بعد صب المرقة فهي واحدة ا هـ .

                                                                                        وفرق في الجوهرة بين التراب ، والرمل فقال لو قال أنت طالق عدد التراب فهي [ ص: 312 ] واحدة عند أبي يوسف وثلاث عند محمد ، وإن قال عدد الرمل فهي ثلاث إجماعا وأما البينونة بملء البيت فلأن الشيء قد يملأ البيت لعظمه في نفسه ، وقد يملؤه لكثرته فأيهما نوى صحت نيته وعند عدمها يثبت الأقل وأما البينونة بتطليقة شديدة وما بعده فلأن ما لا يمكن تداركه يشتد عليه وهو البائن وما يصعب تداركه يقال فيه لهذا الأمر طول وعرض فهو البائن أيضا قيد بكون الشدة وأخواتها صفة للتطليقة .

                                                                                        لأنه لو قال أنت طالق قوية أو شديدة أو طويلة أو عريضة ولم يذكر التطليقة كان رجعيا لأنه لا يصلح أن يكون صفة للطلاق ويصلح أن يكون صفة للمرأة كما ذكره الإسبيجابي وقيد بقوله : طويلة أو عريضة لأنه لو قال أنت طالق طول كذا وعرض كذا فهي واحدة بائنة ولا تكون ثلاثا ، وإن نواها لأن الطول ، والعرض يدلان على القوة لكنهما يكونان للشيء الواحد وكأنه قال طالق واحدة طولها كذا وعرضها كذا فلم تصح نية الثلاث كذا في كافي الحاكم ولذا صرح بعضهم في شرحه بأن الصحيح أنها لا تقع الثلاث في طويلة أو عريضة ، وإن نواها ونسبه إلى شمس الأئمة ورجح بأن النية إنما تعمل في المحتمل وتطليقة بتاء الواحدة لا يحتمل الثلاث وقيد بما ذكر من الأوصاف لأنه لو وصفه بما لا يوصف به يلغو الوصف ويقع رجعيا نحو طلاقا لا يقع عليك أو على أني بالخيار ، وإن كان يوصف به ولا ينبئ على زيادة في أثره كقوله أحسن الطلاق أسنه أجمله أعدله أخيره أكمله أفضله أتمه فيقع رجعيا وتكون طالقا للسنة في وقتها ، وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث للسنة كذا في كافي الحاكم وذكر الإسبيجابي أنها تكون رجعية في ظاهر الرواية سواء كانت الحالة حالة حيض أو طهر وذكر ما جزم به الحاكم رواية عن أبي يوسف فصار الحاصل أن الوصف بما ينبئ عن الزيادة يوجب البينونة وأما التشبيه فكذلك أي شيء كان المشبه به كرأس إبرة وكحبة خردل وكسمسمة لاقتضاء التشبيه الزيادة .

                                                                                        واشترط أبو يوسف ذكر العظم مطلقا وزفر أن يكون عظيما عند الناس فرأس الإبرة بائن عند الإمام فقط وكالجبل عنده وعند زفر فقط وكعظيمة بائن عند الكل وكعظم الإبرة إلا عند زفر ومحمد قيل مع الأول وقيل مع الثاني ، وفي البزازية أنت طالق كالثلج إن أراد في البرودة فبائن ، وإن أراد في البياض فرجعي ، وفي المحيط لو قال أنت طالق عددا تقع ثنتان ولو قال أنت طالق حتى تستكمل ثلاث تطليقات فهي طالق ثنتين ، ولو قال أنت طالق كذا كذا يقع الثلاث لأن في باب الإقرار تقع على أحد عشر فصار كأنه قال : أنت طالق أحد عشر وروي عن أبي يوسف أنه لو قال أنت طالق وبائن أو فبائن فواحدة بائنة ، ولو قال : أنت طالق وشيء ولا نية له طلقت ثنتين ، وإن نوى بشيء ثلاثا فثلاث ولو قال أنت طالق كثيرا ذكر في الأصل أنه يقع الثلاث لأن الكثير هو الثلاث وذكر أبو الليث في الفتاوى يقع ثنتان ، ولو قال أنت طالق أكثر الطلاق فهي ثلاث ولو قال أنت طالق كبير الطلاق فهي ثنتان ولو قال أنت طالق لا قليل ولا كثير وقع ثلاث [ ص: 313 ] ولو قال لا كثير ولا قليل يقع واحدة وعلى قياس ما قاله أبو الليث إذا قال أنت طالق كثيرا يقع ثنتان ينبغي إذا قال لا قليل ولا كثير يقع ثنتان ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية : من فصل الاستثناء الأصل أن المستثنى إذا وصف بما يليق بالمستثنى بجعل صفة للمستثنى ويبطل ببطلان المستثنى ، وإن كانت تليق بالمستثنى منه لا غير قيل يجعل وصفا له حتى يثبت بثبوته تصحيحا له بقدر الإمكان وقيل يجعل وصفا للكل تحقيقا للمجانسة بين المستثنى ، والمستثنى منه لأنه الأصل ظاهرا .

                                                                                        وإن ذكر وصفا يليق بهما قيل يجعل وصفا للكل تحقيقا للمجانسة وقيل يجعل وصفا للمستثنى منه لا غير لأنه لو جعله وصفا للمستثنى بطل هذا إذا ذكر وصفا زائدا ، وإن ذكر وصفا أصليا لا يعتبر أصلا ويجعل ذكره وعدم ذكره سواء ، بيانه أنت طالق ثنتين إلا واحدة بائنة أو إلا واحدا بائنا تطلق واحدة رجعية لأنها لا تصلح صفة للمستثنى منه لا يقال طلقتان بائن وصلح صفة للمستثنى فبطل ببطلانه ولو قال أنت طالق ثنتين ألبتة إلا واحدة تقع واحدة بائنة لصلاحية الوصف للمستثنى منه يقال تطليقتين ألبتة فجعل صفة له واستثنى واحدة منهما فتقع واحدة بائنة وكذا أنت طالق ثنتين إلا واحدة ألبتة تقع واحدة بائنة لأن ألبتة لا تصلح صفة للمستثنى لعدم وقوعه وتصلح صفة للمستثنى منه فتجعل صفة للكل أو المستثنى منه كأنه قال ثنتين ألبتة إلا واحدة ولو قال أنت طالق ثلاثا ألبتة إلا واحدة أو أنت طالق ثلاثا بائنة إلا واحدة تقع رجعيتان لأن كلا منهما وصف أصلي للثلاث لا يوجد بدونهما فلا يفيد إلا ما أفاد الثلاث فلا يعتبر فصار كأنه قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة ا هـ .

                                                                                        وفيها أيضا أنت طالق تمام الثلاث أو ثالث ثلاثة فثلاث ولو قال أنت طالق غير ثنتين فثلاث ولو قال غير واحدة فثنتين ، وفيها أيضا أنت طالق وسكت ثم قال ثلاثا إن لانقطاع النفس فثلاث وإلا فواحدة أنت طالق فقيل له بعدما سكت كم قال ثلاث وقع قال الصدر : يحتمل أن يكون هذا على قول الإمام فإن موقع الواحدة لو ثلثه بعد زمان صح أنت طالق عشرا إن دخلت الدار تقع ثلاث إذا وجد الشرط ، ولو قال أنت طالق إذا دخلت الدار عشرا لا تطلق واحدة حتى تدخل الدار عشرا أنت طالق مع كل تطليقة فثلاث في ساعة الحلف ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة أنت طالق لونين من الطلاق فهما تطليقتان رجعيتان ولو قال ثلاثة ألوان فهي ثلاثة وكذا إذا قال ألوانا من الطلاق فهي طالق ثلاثا فإن قال نويت ألوان الحمرة ، والصفرة فله نيته فيما بينه وبين الله تعالى أنت طالق عامة الطلاق أو جله فهما ثنتان ولو قال أكثره فهي ثلاث ولو قال كل الطلاق فواحدة ولو قال أكثر الثلاث فثنتان ولو قال أنت طالق الطلاق كله فهي ثلاث وكذا إذا قال كل طلقة ولو قال أنت طالق وأخرى فهي واحدة ولو قال أنت طالق واحدة وأخرى فهي ثنتان .

                                                                                        وفي الجوهرة : لو قال أنت طالق مرارا تطلق ثلاثا إن كانت مدخولا بها كذا في النهاية ثم قال : وإن قال أنت طالق على أنه لا رجعة لي عليك يلغو ويملك الرجعة وقيل تقع واحدة بائنة ، وإن نوى الثلاث فثلاث ا هـ .

                                                                                        وظاهر ما في الهداية أن المذهب الثاني فإنه قال وإذا وصف الطلاق بضرب من الشدة ، والزيادة كان بائنا وقال الشافعي يقع رجعيا إذا كان بعد الدخول لأن وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو كما إذا قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك ولنا أنه وصفه بما يحتمله إلى أن قال ومسألة الرجعة ممنوعة ا هـ .

                                                                                        فقال في العناية قوله : ومسألة الرجعة ممنوعة أي لا نسلم أنه [ ص: 314 ] لا يقع بائنا بل تقع واحدة بائنة ولئن سلم فالفرق أن في قوله أن لا رجعة تصريح بنفي المشروع ، وفي مسألتنا وصفه بالبينونة ولم ينف الرجعة صريحا لكن يلزم منها نفي الرجعة ضمنا وكم من شيء يثبت ضمنا ، وإن لم يثبت قصدا كذا أفاد شيخ شيخي العلامة ا هـ .

                                                                                        وهكذا شرحه في فتح القدير وغاية البيان ، والتبيين فقد علمت أن المذهب وقوع البائن ، وقد تمسك به بعض من لا خبرة له ولا دراية بالمذهب على أن قول الموثقين في التعاليق تكون طالقا طلقة تملك بها نفسها لا يوجب البينونة وأجاب بذلك على الفتوى مستدلا بأنه لو قال أنت طالق على أن لا رجعة كان رجعيا وهو خطأ من وجهين الأول أن مسألة الرجعة ممنوعة كما علمته الثاني أنه لم ينف الرجعة صريحا وإنما نفاها ضمنا فهو كقوله أنت طالق بائن قال في البدائع إذا وصف الطلاق بصفة تدل على البينونة كان بائنا وقال في موضع آخر ولا تملك نفسها إلا بالبائن وقال في فتح القدير وليس في الرجعي ملكها نفسها ، وقد أوسعت الكلام فيها في رسالة ألفتها حين وقعت الحادثة والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وفيه نظر مذكور في فتح القدير ) حاصله أنه ليس معنى عمل النية في الملفوظ إلا توجيهه إلى بعض محتملاته فإذا فرض للفظ ذلك صح عمل النية فيه ، وقد فرض بطالق ذلك فتعمل فيه النية ولا يكون عامله بلا لفظ على أن هذا قد يعطي بظاهره افتقار وقوع البائن في طالق بائن إلى النية وليس كذلك قلت ، وقد يجاب بأن الطلاق من حيث هو قد يكون رجعيا وقد يكون بائنا فإذا اقتصر على الصريح منه كان رجعيا وإذا وصفه بما ينبئ عن البينونة كان بائنا ، والبينونة كما صرحوا به تكون خفيفة وغليظة فإذا نوى الثانية صحت نيتها وقوله : أنت طالق بائن في معنى أنت طالق طلاقا هو بائن على أن يكون بائن وصفا للطلاق لا للمرأة فيكون وصفا في المعنى لطلاق مصدر فتصح به نية الثلاث وليس الوقوع بلفظ بائن فقط حتى يحتاج إلى النية بل هو قرينة إرادة البينونة الغليظة بتقدير المصدر كما في ألبتة فإنه في معنى طلاقا ألبتة وكذا في أفحش الطلاق فإنه في معنى طلاقا أفحش الطلاق وهكذا في البواقي ( قوله : بالثاء المثلثة ) وأما ما في متن التنوير من ضبطه بالتاء المثناة من فوق فصوابه المثلثة كما نبه عليه الرملي في حواشي المنح وقال : إن الحكم صحيح [ ص: 311 ] في ذلك أيضا وذكر في فتاواه نحوه وأفتى بالثلاث فيه أيضا قلت ويمكن أن يجاب بأنه قصد التنبيه على التعبير بالمثلثة بالأولى تأمل ( قوله : لا يقع في الحال حتى تحيض أو يجامعها في ذلك الطهر ) قال في النهر : ومقتضى كلام المصنف وقوع بائنة للحال ، وإن لم تتصف بهذا الوصف وهذا لأن البدعي لم ينحصر فيما ذكره إذ البائن بدعي كما مر ا هـ .

                                                                                        قلت : وفي البدائع من هذا الباب ولو قال لها أنت طالق للبدعة فهي واحدة رجعية لأن البدعة قد تكون في البائن ، وقد تكون في الطلاق في حالة الحيض فيقع الشك في ثبوت البينونة فلا يثبت بالشك وكذا إذا قال أنت طالق طلاق الشيطان فهو كقوله أنت طالق للبدعة وروي عن أبي يوسف فيمن قال لامرأته : أنت طالق للبدعة ونوى واحدة بائنة فهي واحدة بائنة لأن لفظه يحتمل ذلك على ما بينا فصحت نيته ا هـ . تأمل .

                                                                                        ( قوله : وفي البزازية أنت علي حرام ألف مرة تقع واحدة ) يشكل عليه أنه لو نوى بأنت علي حرام ثلاثا تقع الثلاث وكذا لو قال : أنت طالق مرارا تطلق ثلاثا لو مدخولا بها كما يأتي قلت ولعل الفرق أن قوله ألف مرة بمنزلة تكرار هذا اللفظ مرارا وإذا بانت بالمرة الأولى لا تبين بالثانية ، والثالثة وهكذا لأن البائن لا يلحق البائن بخلاف ما لو نوى بأنت علي حرام الثلاث فإنه أوقعها جملة بمرة واحدة وأما أنت طالق مرارا فتطلق به ثلاثا لأنه صريح ، والصريح إذا كرر مرة بعد أخرى يقع ولهذا شرط كونها مدخولا بها إذ لو كانت غير مدخول بها تبين بأول مرة فلا يلحقها ما بعدها من المرات .

                                                                                        لأنها بانت بلا عدة مع أنه لو طلقها ثلاثا جملة وقع الثلاث فهذا يؤيد أن قوله ألف مرة بمنزلة تكراره مرارا وإلا لم يكن فرق في أنت طالق مرارا بين المدخول بها وغيرها والله أعلم لكن سيأتي في الكنايات عن المنتقى عن محمد : اذهبي ألف مرة ينوي به طلاقا فثلاث ا هـ .

                                                                                        مع أن لفظ اذهبي كناية مثل : أنت علي حرام فليتأمل [ ص: 312 ] ( قوله : فهي واحدة عند أبي يوسف ) أي رجعية كما في الفتح وقال واختاره إمام الحرمين من الشافعية لأن التشبيه بالعدد فيما لا عدد له لغو ولا عدد للتراب .

                                                                                        ( قوله : وثلاث عند محمد ) قال في الفتح وهو قول الشافعي وأحمد لأنه يراد بالعدد إذا ذكر الكثرة ، وفي قياس قول أبي حنيفة واحدة بائنة لأن التشبيه يقتضي ضربا من الزيادة كما مر ولو قال مثل التراب يقع واحدة رجعية عند محمد ا هـ .

                                                                                        وفي النهر إنما كان التراب غير معدود لأنه اسم جنس إفرادي بخلاف الرمل فإنه اسم جنس جمعي لا يصدق على أقل من ثلاثة قال في الصحاح : الرمل واحد الرمال ، والرملة أخص منه . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ولذا صرح بعضهم في شرحه ) الظاهر أنه العتابي لقوله في الفتح وقال العتابي الصحيح . . . إلخ وذكر أيضا شديدة قبل قوله طويلة وهكذا في النهر وكأنها سقطت هنا من قلم الناسخ الأول ( قوله : ورجح بأن النية . . . إلخ ) المرجح هو الأتقاني في غاية البيان وأقره في الفتح وقد يجاب بأنهم عللوا صحة نية الثلاث في هذه المواضع كلها بأنه وصف الطلاق بالبينونة وهي خفيفة وغليظة ، والغليظة هي الثلاث وتاء الوحدة لا تنافي صحة إرادة البينونة الغليظة لأنه لم يرد بها العدد المحض لأن البينونة لفظ مفرد تصح إرادته بما وضع للمفرد وهذا المفرد يطلق على نوعين أحدهما ما يملك بعده الرجعة ، والآخر ما لا يملكها إلا بزوج آخر على أن الثلاث أيضا فرد اعتباري فلا ينافي تاء الوحدة ولذا لم تصح نية الثنتين لأنهما عدد محض ( قوله : ولو قال : أنت طالق لا قليل ولا كثير يقع ثلاث ) قال في الجوهرة هو المختار لأن القليل واحدة ، والكثير ثلاث ، وإذا قال أولا لا قليل قصد الثلاث ثم لا يعمل قوله : ولا كثير بعد ذلك ا هـ .

                                                                                        وهو اختيار لما مر عن الأصل من أن الكثير ثلاث لكن قال في البزازية : أنت طالق لا قليل ولا كثير يقع الثلاث في المختار وقال الفقيه أبو جعفر ثنتان في الأشبه ا هـ .

                                                                                        [ ص: 313 ] وذكر في الذخيرة ثلاثة أقوال الأول ما حكي عن ابن الفضل وأبي بكر البلخي أنه يقع واحدة لأن الطلاق لا يوصف بالقلة فلغا ذكر القلة ، والكثرة ، والثاني ما اختاره الصدر الشهيد أنه يقع الثلاث وعلله بما قدمناه عن الجوهرة ثم قال وحكي عن أبي جعفر الهندواني أنه يقع ثنتان لأنه لما قال لا قليل فقد قصد إيقاع الثنتين لأن الثنتين كثير فلا يعمل قوله : ولا كثير بعد ذلك وهذا القول أقرب إلى الصواب ا هـ .

                                                                                        وهذا كما ترى مبني على ما قاله أبو الليث من أن الكثير ثنتان ( قوله : ولو قال لا كثير ولا قليل تقع واحدة ) أي بقوله طالق ويلغو قوله : لا كثير ولا قليل وإلا فلو قيل كما مر إنه قصد بقوله لا كثير القليل لم يختص بالواحدة لأن الكلام مبني على أن الكثير ثلاث فغيره يصدق بالواحدة والثنتين تأمل إلا أن يقال إنه لما قال لا كثير أثبت القليل وهو الواحدة بناء على إلغاء الوسط فلما قال ولا قليل أراد نفي ما أوقعه فلا يقبل منه .

                                                                                        ( قوله : ولو قال كل الطلاق فواحدة ) كذا رأيته في الذخيرة لكن ذكر في مختارات النوازل أنه يقع ثلاث قلت وهو الذي يظهر لأن الطلاق مصدر يحتمل الثلاث على أنه لا فرق بين كل الطلاق وبين الطلاق كله ( قوله : وإن قال أنت طالق على أنه لا رجعة لي عليك . . إلخ ) تقدم في باب الطلاق عند قوله ، وتقع واحدة رجعية ما نصه : " وفي الصيرفية لو قال لها أنت طالق ولا رجعة لي عليك فرجعية ولو قال على [ ص: 314 ] أن لا رجعة لي عليك فبائن .

                                                                                        ( قوله : وقد أوسعت الكلام فيها في رسالة . . . إلخ ) أصل المسألة المؤلف فيها الرسالة هي أن رجلا قال لزوجته متى ظهر لي امرأة غيرك أو أبرأتيني من مهرك فأنت طالق واحدة تملكين بها نفسك ثم ظهر له امرأة غيرها وأبرأته من مهرها ، وقد أجاب المؤلف فيها بأنه بائن ورد فيها على من أفتى بأنه رجعي لكن قال في المنح وربما يشهد بصحة ما أفتى به البعض من وقوع الرجعي ما في الخلاصة ، والبزازية من قوله إذا قال لزوجته إن طلقتك تطليقة فهي بائن ثم طلقها يقع رجعيا ، قال في البزازية لأن الوصف لا يسبق الموصوف ، وفي البزازية أيضا قال لها : إن دخلت الدار فكذا ثم قبل دخولها الدار قال جعلته بائنا أو ثلاثا لا يصح لعدم وقوع الطلاق عليها ا هـ .

                                                                                        وتبعه الشيخ علاء الدين الحصكفي وقال الرملي في حواشي المنح أقول : هذا بحث الشيخ هنا ، وفي مصنفه المسمى بمعين المفتي على جواب المستفتي وسيذكره قريبا أيضا مع أن المعلق في مسألة التعاليق الطلاق الموصوف بالبينونة ، وفي مسألة الخلاصة ، والبزازية المعلق وصف البينونة فقط ، والموصوف لم يوجد بعد فهو في مسألة التعاليق كأنه قال : إن تزوجت عليك فأنت طالق بائنا ولا قائل بمنعه تأمل ا هـ . وهو ظاهر .




                                                                                        الخدمات العلمية