الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب العدة ) .

                                                                                        لما ترتبت في الوجود على الفرقة بجميع أنواعها أوردها عقيب الكل وهي لغة الإحصاء عددت الشيء أحصيته إحصاء ، وفي شرح المجمع للمصنف العدة مصدر عد الشيء يعده { وسئل عليه السلام متى تكون القيامة قال إذا تكاملت العدتان } أي : عدة أهل الجنة وعدة أهل النار أي : عددهم وسمي زمان التربص عدة ; لأنها تعده ويقال على المعدود ، وفي الدر النثير أي : إذا تكاملت عند الله برجوعهم إليه ، وفي المصباح وعدة المرأة قيل أيام أقرائها مأخوذ من العد والحساب وقيل تربصها المدة الواجبة عليها والجمع عدد مثل سدرة وسدر وقوله تعالى {فطلقوهن لعدتهن } قال النحاة اللام بمعنى في أي : في عدتهن ا هـ .

                                                                                        وفي الشريعة ما ذكره بقوله ( هي تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته ) أي : لزوم انتظار انقضاء مدة والتربص التثبت والانتظار قال الله تعالى { فتربصوا به حتى حين } وقال تعالى { ويتربص بكم الدوائر } وقال تعالى { فتربصوا إنا معكم متربصون } كذا في البدائع وإنما قدرنا اللزوم ; لأن التربص فعلها وقد قالوا إن ركنها حرمات أي : لزومات كحرمة تزوجها على الغير ونقلوا عن الشافعي أن ركنها التربص عنده وفرعوا على الاختلاف تداخل العدتين فعندنا يتداخلان خلافا له وانقضاؤه بدون علمها عندنا خلافا له ، وهذا أولى مما في البدائع من جعلها في الشرع عندنا اسما لأجل ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح وعند الشافعي اسما لفعل التربص ; لأنه على هذا التقدير يكون ركنها نفس الأجل وقد صرحوا بخلافه إلا أنه لو صح اندفع الإشكال الوارد على عدة الصغيرة ; إذ ليس في العدة وجوب شيء بل هي مجرد انقضاء الأجل .

                                                                                        والثابت في هذه المدة عدم صحة التزوج لا خطاب أحد بل وضع الشارع عدم الصحة لو فعل ويرد على ما في الكتاب عدة الصغيرة ; إذ لا لزوم في حقها ولا تربص واجب وأجيب بأنها ليست هي المخاطبة بل الولي هو المخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة ولهذا لم يطلق أكثر المشايخ لفظ الوجوب على عدة الصغيرة لعدم خطابها وإنما يقولون تعتد وقيد بقوله يلزم المرأة ; لأن ما يلزم الرجل من التربص عن التزوج إلى مضي عدة امرأته في نكاح أختها ونحوه لا يسمى عدة اصطلاحا لاختصاصه بتربصها وإن وجد معنى العدة فيه ويجوز إطلاق العدة عليه شرعا كما أفهمه ما في فتح القدير فعلى هذا ما في الكتاب معناها الاصطلاحي ، وأما في الشريعة فهي تربص يلزم المرأة أو الرجل عند وجود سببه وقد ضبط الفقيه أبو الليث رحمه الله في خزانة الفقه المواضع التي يمتنع الإنسان من الوطء فيها حتى تمضي مدة في عشرين موضعا نكاح أخت امرأته وعمتها وخالتها وبنت أختها وبنت أخيها [ ص: 139 ] والخامسة وإدخال الأمة على الحرة ونكاح أخت الموطوءة في نكاح فاسد أو في شبهة عقد ونكاح الرابعة كذلك ونكاح المعتدة للأجنبي ونكاح المطلقة ثلاثا ووطء الأمة المشتراة والحامل من الزنا إذا تزوجها والحربية إذا أسلمت في دار الحرب وهاجرت إلينا وكانت حاملا فتزوجها رجل والمسبية لا توطأ حتى تحيض أو يمضي شهران كانت لا تحيض لصغر أو كبر ونكاح المكاتبة ووطؤها لمولاها حتى تعتق أو تعجز نفسها ونكاح الوثنية والمرتدة والمجوسية لا يجوز حتى تسلم ودخل تحت شبهة النكاح الفاسد ومن زفت إليه غير امرأته فوطئها ولكن خرج عن التعريف عدة أم الولد إذا مات مولاها أو أعتقها فإنها واجبة عندنا مع أنها لم تكن عند زوال النكاح أو شبهته هذا ما أوردته قبل الاطلاع على الاصطلاح ثم رأيته عرفها فيه بما يدخل عدة أم الولد فقال هي اسم لأجل ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح أو الفراش وقال في إيضاح الإصلاح لا بد منه لتنتظم عدة أم الولد ا هـ .

                                                                                        وفي بعض النسخ أو شبهه بإضافة الشبه إلى ضمير النكاح وعلى النسخة الأولى بإضافة الشبهة إليه فعلى النسخة الثانية تدخل عدة أم الولد ; لأنها تربص يلزمها عند زوال شبه النكاح لما أن لها فراشا كالحرة وإن كان أضعف من فراشها وقد زال بالعتق ولكن لا يدخل من زفت إليه غير امرأته وقلن امرأتك إلا على النسخة الأولى وعليها فينبغي أن يقال قوله أو شبهته معطوف على الزوال لا على النكاح ; لأنه لو عطف عليه لاقتضى أنها لا تجب إلا عند زوال الشبهة وليس كذلك ، وأما سبب وجوبها فلكل نوع منها سبب فعدة الأقراء لوجوبها أسباب منها الفرقة في النكاح الصحيح سواء كانت بطلاق أو بغير طلاق بعد وطء أو خلوة ومنها عدة النكاح الفاسد سببها تفريق القاضي أو المشاركة وشرطها أن تكون بعد الوطء حقيقة ومنها عدة الوطء عن شبهة فسببها الوطء ومنها عدة أم الولد وسببها عتق المولى بإعتاقه أو موته .

                                                                                        وأما عدة من لم تحض لصغر أو كبر سببها الطلاق وشرط وجوبها إما الصغر أو الكبر أو عدم الحيض رأسا والثاني الدخول حقيقة أو حكما ، وأما عدة الحمل فسببها الفرقة أو الوفاة كذا في البدائع مختصرا وهو مخالف لما في فتح القدير من أن سبب وجوبها عقد النكاح المتأكد بالتسليم أو ما يجري مجراه من الخلوة والموت ، ولو فاسدا ، وأما الفرقة فشرطها ، فالإضافة في قولهم عدة الطلاق إلى الشرط ا هـ .

                                                                                        والظاهر ما في فتح القدير لعدم صلاحية الطلاق والموت للسببية لما في المصفى كان القياس أن لا تجب العدة بالطلاق والموت ; لأنهما مزيلان للنكاح والشيء إذا زال يزول بجميع آثاره وإنما وجبت بالنص على خلاف القياس ا هـ .

                                                                                        وحكمها حرمة نكاحها على غيره وحرمة نكاح أختها وأربع سواها كذا قالوا : وينبغي الاقتصار على الثاني ; لأن حرمة نكاحها على غيره من المحرمات التي قدمنا أنها الركن ومحظوراتها حرمة التزين والتطيب خصوصا في المبانة والخروج من المنزل عموما كما سيأتي في الحداد وأنواعها حيض وأشهر ووضع حمل لتعرف براءة رحم وللتعبد ولإظهار حزن على زوج وإلى هنا ظهر أن الكلام فيها في عشرة مواضع معناها لغة وشرعا واصطلاحا وركنها وشرطها وسببها وحكمها ومحظوراتها وأنواعها ودليلها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( باب العدة )

                                                                                        ( قوله وإنما قدرنا اللزوم إلخ ) هذا التقدير غير محتاج إليه في كلام المصنف مع قوله يلزم المرأة نعم قال في الحواشي السعدية إذا كان ركنها الحرمات أي : حرمة التزوج والخروج فيكون التعريف بالتربص على هذا تعريفا باللازم ( قوله ويرد على ما في الكتاب إلخ ) تكرار مع قوله إلا أنه لو صح اندفع الإشكال إلخ [ ص: 139 ] ( قوله والخامسة ) أي : ونكاح المرأة الخامسة لمن معه أربع والمراد ما زاد على الأربع ( قوله ونكاح الرابعة كذلك ) لم أر لفظة كذلك في نسختي الخزانة والذي فيها ولا نكاح الرابعة إلا بعد انقضاء عدة الموطوءة ا هـ .

                                                                                        يعني لو طلق إحدى نسائه الأربع لا ينكح رابعة سواها ما لم تنقض عدة الموطوءة .

                                                                                        ( قوله ودخلت تحت شبهة النكاح ) كذا في النسخ والظاهر أنه تحريف من النساخ والأصل شبهته بالإضافة إلى الضمير والنكاح فاعل دخل والفاسد صفته ومن معطوف على الفاعل ( قوله هذا ما رأيته قبل الاطلاع على الاصطلاح ) الظاهر أنه تحريف والأصل الإصلاح بدون طاء بعد الصاد والمراد إصلاح الوقاية لابن كمال باشا والإيضاح هو شرحه له أيضا .

                                                                                        ( قوله : وفي بعض النسخ أو شبهه ) أي : بكسر الشين وسكون الباء أو بفتحهما ( قوله ; لأنه لو عطف عليه لاقتضى إلخ ) قيل : النكاح الفاسد لا تجب فيه العدة إلا بزوال الشبهة وهي المتاركة بالقول بعد الدخول وبه أو بالفعل قبله والمراد بمتاركة الفعل مفارقة الأبدان ولا يبعد أن يعتبر مفارقة الأبدان في المزفوفة لغير زوجها زوالا فليتأمل




                                                                                        الخدمات العلمية