الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( وحنث في لا يصوم بصوم ساعة بنية ، وفى صوما أو يوما بيوم ) لوجود الشرط في الأول بإمساك ساعة إذ الصوم هو الإمساك عن المفطرات على قصد التقرب ، وأما إذا حلف لا يصوم صوما أو لا يصوم يوما فإنه لا يحنث بإمساك ساعة ; لأنه يراد به الصوم التام المعتبر شرعا وذلك بإنهائه إلى آخر اليوم واليوم صريح في تقدير المدة به ، ولا يقال المصدر مذكور بذكر الفعل فلا فرق بين حلفه لا يصوم ، ولا يصوم صوما فينبغي أن لا يحنث في الأول إلا بيوم ; لأنا نقول الثابت في ضمن الفعل ضروري لا يظهر أثره في غير تحقيق الفعل بخلاف الصريح ; لأنه اختياري يترتب عليه حكم المطلق فيوجب الكمال قيد بيوم ; لأنه لو حلف ليصوم من هذا اليوم ، وكان بعد أن أكل أو بعد الزوال صحت اليمين وطلقت في الحال مع أنه مقرون بذكر اليوم ، ولا كمال ; لأن اليمين تعتمد التصور ، والصوم بعد الزوال والأكل متصور كما في صورة الناسي ، وهو كما لو قال لامرأته إن لم تصل اليوم فأنت طالق فحاضت من ساعتها أو بعدما صلت ركعة صحت اليمين وطلقت للحال ; لأن دور الدم لا يمنع كما في الاستحاضة بخلاف مسألة الكوز ; لأن محل الفعل ، وهو الماء غير قائم أصلا فلا يتصور بوجه واستشكله في فتح القدير على قول أبي حنيفة ومحمد ; لأن التصور شرعا منتف ، وكونه ممكنا في صورة أخرى ، وهي صورة النسيان والاستحاضة لا يفيد فإنه يحنث كان في صورة الحلف مستحيلا شرعا لا يتصور الفعل المحلوف عليه ; لأنه لم يحلف إلا على الصوم والصلاة الشرعيين أما على قول أبي يوسف فظاهر أنهما ينعقدان ثم يحنث .

                                                                                        واعلم أن التمرتاشي ذكر أنه لو حلف لا يصوم فهو على الجائز ; لأنه لتعظيم الله تعالى وذلك لا يحصل بالفاسد إلا إذا كانت اليمين في الماضي وظاهره أنه يشكل على مسألة الكتاب فإنه حنثه بعدما قال ثم أفطر من يومه لكن مسألة الكتاب أصح ; لأنها نص محمد في الجامع الصغير . ا هـ .

                                                                                        وقد قدمنا في مسألة الكوز أن الأصح عدم الحنث فيما إذا قال لامرأته إن لم تصل الفجر غدا فأنت كذا فحاضت بكرة ونقلناه عن المنتقى فهو مؤيد لبحث المحقق ابن الهمام [ ص: 388 ] والمراد بالبكرة ، وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كما لا يخفى فحينئذ لا يحنث في مسألة الصوم أيضا على الأصح لكن جزم في المحيط بالحنث فيهما ، وفي الظهيرية بعدما ذكر الحنث قيل هذا الجواب يستقيم على قول أبي يوسف ، وأما على قولهما فلا يستقيم أصله مسألة الكوز ، وقيل لا بل هذا الجواب مستقيم على قول الكل وذكر أبو الفضل في المسألة تفصيلا فقال إن كانت أطالت الصلاة بحيث لولا إطالتها إياها أمكنها أداؤها حنث ، وإن لم يكن منها هذه الإطالة لم يحنث إلا أن الصحيح ما قلنا إنه يحنث على كل حال ; لأن اليمين لا تعتمد الصحة لكنها تعتمد الإمكان والتصور ، وأنه ثابت هاهنا . ا هـ .

                                                                                        وفيه أيضا لو قال إن لم أصم شهرا فعبدي حر لا ينصرف إلى شهر يليه بل ينصرف إلى شهر في عمره بخلاف إن لم أساكنك شهرا ، وإن لم آت البصرة شهرا ينصرف إلى ما يليه ، ولا يحنث حتى يتركه شهرا من حين حلف ، والفرق أن النفي معتبر بالإثبات ; لأن الأشياء تعرف بأضدادها ، وفي الإثبات لو قال إن صمت شهرا فعبدي حر تعلق الحنث بصوم شهر ، ولا ينصرف إلى ما يليه فكذلك في النفي تعلق الحنث بترك الصوم في شهر ، ولا ينصرف إلى ما يليه فذكر الوقت فيه لتقدير الصوم به بخلاف المساكنة والضرب والإتيان ونحوه ما ذكر الوقت لتقدير الفعل به ، وإنما هو لتقدير اليمين فتقيدت بالشهر الذي يليه . ولو قال إن تركت الصوم شهرا ينصرف إلى ما يليه ، وإن صام يوما قبل مضي الشهر لم يحنث ، ولو قال إن تركت صوم شهر أو قال إن لم أصم شهرا أو قال إن صمت شهرا انصرف إلى جميع العمر وتمامه فيه ، وفي حيل الولوالجية حلف بطلاق امرأته أن لا يصوم شهر رمضان فالحيلة فيه أن يسافر ، ولا يصوم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : والصوم بعد الزوال والأكل متصور كما في صورة الناسي ) قال في النهر أنت خبير بأن تصوره فيما إذا حلف بعد الزوال في الناسي الذي لم يأكل ممنوع . ا هـ .

                                                                                        أي في الناسي للنية لكن قرر في الذخيرة التصور في غير الناسي فقال قلنا الصوم بعد الزوال وبعد الأكل متصور فإن الله تعالى لو شرع الصوم بعدهما لا يكون مستحيلا ألا ترى كيف شرعه بعد الأكل ناسيا ، وكذلك الصلاة مع الحيض متصور ; لأن الحيض ليس إلا درور الدم ، وأنه لا ينافي شرعية الصلاة ألا ترى أن في حق المستحاضة ، ومن بمعناها الصلاة مشروعة وشرط إقامة الدليل مقام المدلول التصور لا الوجود بخلاف مسألة الكوز . ا هـ . مخلصا .

                                                                                        وتمام الكلام مبسوط فيها وبه ظهر أن قول المؤلف كما في صورة الناسي تنظير لا تمثيل وبه اندفع ما أورده في النهر كما لا يخفى ويحصل الجواب بذلك عن إشكال ابن الهمام أيضا [ ص: 388 ] ( قوله : وإن صام يوما قبل مضي الشهر لم يحنث ) ; لأنه بصومه اليوم لم يترك الصوم شهرا فلم يوجد شرط الحنث ، وهو تركه الصوم شهرا .




                                                                                        الخدمات العلمية