الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وبطل توكيل الكفيل بالمال ) لأن الوكيل من يعمل لغيره ولو صححناها صار عاملا لنفسه في إبراء ذمته فانعدم الركن لأن قبول قوله ملازم للوكالة لكونه أمينا ولو صححناها لا تقبل لكونه مبرئا نفسه فيعدم بانعدام لازمه وهو نظير عبد مديون أعتقه مولاه حتى ضمن قيمته للغرماء ويطالب العبد بجميع الدين فلو وكله الطالب بقبض المال من العبد كان باطلا لما بيناه كذا في الهداية وأورد توكيل المديون بإبراء نفسه فإنه صحيح مع كونه عاملا لنفسه والتحقيق في جوابه ما في منية المفتي من قوله ولو وكله بإبراء نفسه يصح لأنه وإن كان عاملا لنفسه بتفريغ ذمته فهو عامل لرب الدين بإسقاط دينه وشرط الوكالة كونه عاملا لغيره لا كونه غير عامل لنفسه ا هـ .

                                                                                        وأما قول الشارح في جوابه إنه تمليك وليس بتوكيل كما في قوله لامرأته طلقي نفسك فسهو ظاهر إذ لو كان تمليكا لم يصح رجوع الدائن عنه قبل إبرائه نفسه مع أنه يصح وفي تلخيص الجامع لو قال الدائن لمديون سأله الإبراء : ذلك إليك أو أبرئ نفسك أو حللها فقال : أبرأت أو حللت برئ لأن لفظه ينتقل إلى الآمر كما في هب لنفسك ذا العبد وأقر علي لزيد وطلقي وأعتقي وسائر ما ينفرد به ا هـ .

                                                                                        وفي دعوى البزازية من فصل الإبراء إذا لم يضف الإبراء الوكيل إلى الموكل لا يصح ا هـ

                                                                                        وإذا بطلت الوكالة في مسألة الكتاب وقبضه من المدين وهلك من يده لم يهلك على الطالب وأشار ببطلانه إلى أن الطالب لو أبرأه عن الكفالة لم تنقلب صحيحة لوقوعها باطلة ابتداء كما لو كفل عن غائب فإنه يقع باطلا ثم إذا بلغه فأجازه لم يجز وقيد بكفالة المال لصحة توكيل الكفيل بالنفس وقيده الشارح بأن يوكله بالخصومة وليس بقيد إذ لو وكله بالقبض من المدين صح وأشار المؤلف إلى أنه لو وكله بقبض الدين من نفسه أو من عبده لم يصح كما في الخلاصة وإلى أن المحتال لو وكل المحيل بقبض الدين من المحال عليه لم يصح كما في النهاية وإلى بطلان توكيل المدين وكيل الطالب بالقبض لما في القنية ولو وكله بقبض دينه على فلان فأخبر به المديون فوكله ببيع سلعته وإيفاء ثمنه إلى رب الدين فباعها وأخذ الثمن وهلك يهلك من مال المديون لاستحالة أن يكون قاضيا ومقتضيا والواحد لا يصلح أن يكون وكيلا للمطلوب والطالب في القضاء والاقتضاء ا هـ .

                                                                                        ولا يخالفه ما في الواقعات الحسامية المديون إذا بعث الدين على يد وكيله فجاء به إلى الطالب وأخبره ورضي به وقال اشتر لي شيئا فذهب واشترى ببعضه شيئا وهلك [ ص: 183 ] منه الباقي قال بعضهم : يهلك من مال المديون وقال بعضهم من مال الطالب وهذا أصح لأن أمره بالشراء بمنزلة قبضه ا هـ .

                                                                                        لأن ما في القنية فيما إذا سبق توكيل الطالب وما في الواقعات الحسامية سبق توكيل المطلوب كما لا يخفى وإلى أن الوكيل بالبيع إذا كفل عن المشتري بثمن ما باعه لم تجز وتجوز كفالة الوكيل بالقبض والوكيل بالنكاح بالمهر لاندفاع التنافي بصرف الحقوق عنه كما علم في التلخيص وإذا صحت كفالة الوكيل بالقبض بطلت وكالته كما في المعراج .

                                                                                        والحاصل أن الكفالة بالمال مبطلة للوكالة تقدمت الكفالة أو تأخرت لكونها أقوى من الوكالة وهاهنا ثلاث مسائل لم أرها الآن صريحة وسئلت عنها : الأولى هل تصح كفالة الوصي عن مديون الميت ؟ الثانية هل تصح كفالة الناظر مستأجر الوقف بالأجرة الثالثة هل يصح توكيل الدائن وصي المديون بالقبض من تركة المديون ومقتضى ما قدمناه أن يفصل في كفالة الوصي والناظر فإن بشيء وجب بعقده لم تصح وإلا صحت لأن كلا منهما وكيل وهذا حكم الوكيل وأما الثالثة فينبغي صحة الوكالة ويقيم القاضي وصيا لسماع الدعوى والبرهان أخذا من قولهم لو ادعى الوصي دينا على الميت قال في الخانية : يقيم القاضي وصيا لسماع البينة فإذا انتهى الأمر كان الأول وصيا على حاله وعليه الفتوى ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وأما قول الشارح في جوابه ) نقله في الكفاية عن الكافي ( قوله إذ لو كان تمليكا لم يصح رجوع الدائن عنه إلخ ) وفي الكفاية قلت : لو كان تمليكا لاقتصر على المجلس ولا يقتصر [ ص: 183 ] ( قوله وأما الثالثة فينبغي إلخ ) قال الرملي : ينبغي تخصيص هذا بما إذا كانت الورثة كلهم صغارا أما إذا كان فيهم كبير فادعى الوصي عليه بالوكالة عن الدائن لا يحتاج إلى إقامة وصي وهي واقعة الفتوى تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية