الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وسلم مع الإمام كالتحريمة عن يمينه ويساره ناويا القوم والحفظة والإمام في الجانب الأيمن أو الأيسر أو فيهما لو محاذيا ) لما تقدم أن السلام من واجباتها عندنا ومن أركانها عند الأئمة [ ص: 352 ] الثلاثة ، ومن أطلق من مشايخنا عليه اسم السنة فضعيف والأصح وجوبه كما في المحيط وغيره أو لأنه ثبت وجوبه بالسنة للمواظبة ، وهو صيغة السلام على وجه الأكمل أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله مرتين ، والسنة أن تكون الثانية أخفض من الأولى كما في المحيط وغيره ، وجعله في منية المصلي خاصا بالإمام ، فإن قال السلام عليكم أو السلام أو سلام عليكم أو عليكم السلام أجزأه وكان تاركا للسنة وصرح في السراج الوهاج بالكراهة في الأخير وأنه لا يقول : وبركاته وصرح النووي بأنه بدعة وليس فيه شيء ثابت لكن في الحاوي القدسي أنه مروي وتعقب ابن أمير حاج النووي بأنها جاءت في سنن أبي داود من حديث وائل بن حجر بإسناد صحيح ، وقوله عن يمينه ويساره بيان للسنة ورد على مالك القائل بأنه يسلم تسليمة تلقاء وجهه ، ولو بدأ باليسار عامدا أو ناسيا فإنه يسلم عن يمينه ولا يعيده على يساره ولا شيء عليه ، ولو سلم تلقاء وجهه فإنه يسلم عن يساره ، ولو سلم عن يمينه ونسي عن يساره حتى قام فإنه يرجع ويقعد ويسلم ما لم يتكلم أو يخرج من المسجد ، وفي المجتبى ولم يذكر قدر ما يحول به وجهه

                                                                                        وقد ورد في حديث ابن مسعود { أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر } ، وفي النوازل لو قال : السلام ، ودخل في الصلاة لا يكون داخلا فثبت أن الخروج لا يتوقف على عليكم ، وقوله مع الإمام بيان للأفضل يعني الأفضل للمأموم المقارنة في التحريمة والسلام عند أبي حنيفة وعندهما الأفضل عدمها للاحتياط وله أن الاقتداء عقد موافقة وأنها في القران لا في التأخير ، وإنما شبه السلام بالتحريمة ; لأن المقارنة في التحريمة باتفاق الروايات عن أبي حنيفة ، وأما في السلام ففيه روايتان لكن الأصح ما في الكتاب كما في الخلاصة

                                                                                        وقوله : ناويا القوم بيان للأفضل لما في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم { أما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ، ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله } قال النووي في شرحه المراد بالأخ الجنس من إخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال ويزاد عليه من كان منهم أمامه أو وراءه بالدلالة ; لأن المقصود من ذلك مزيد التودد ، وأما ما عللوا به من أنه لما اشتغل بمناجاة ربه صار بمنزلة الغائب عن الخلق وعند التحلل يصير خارجا فيسلم كمسافر قدم من سفره فلا يفيد الاقتصار على من معه في الصلاة بل يعم الحاضرين مصليا أو غيره ، وإنما احتيج إلى النية ; لأنه مقيم للسنة فينويها كسائر السنن ، وكذا ذكر شيخ الإسلام أنه إذا سلم على أحد خارج الصلاة ينوي السنة وخالف صدر الإسلام فقال : لا حاجة للإمام إلى النية في السلام آخر الصلاة ; لأنه يجهر بالسلام ويشير إليهم فهو فوق النية

                                                                                        ورد بأن الجهر للإعلام بالخروج والنية لإقامة السنة وأراد بالقوم من كان معه في الصلاة فقط ، وهو قول الجمهور وصححه شمس الأئمة بخلاف سلام التشهد فإنه ينوي جميع المؤمنين والمؤمنات فما في الخلاصة من أن الصحيح أنه ينوي من كان معه في المسجد ضعيف ، وكذا ما اختاره الحاكم الشهيد أنه كلام التشهد وزاد السروجي وأنه ينوي المؤمنين من الجن أيضا وخرج بذكر القوم النساء ، ولهذا قالوا : لا ينوي النساء في زماننا لعدم حضورهن الجماعة أو لكراهيته ، لكن ذكر محمد في الأصل أنه ينوي الرجال والنساء ، وفي الحقيقة لا اختلاف فما في الأصل مبني على حضورهن الجماعة وما ذكره المشايخ مبني على عدمه فصار المدار في النية وعدمها حضورهن وعدمه حتى إذا كان من المقتدين خناثى [ ص: 353 ] أو صبيان نواهم أيضا ، وفي غاية البيان أن هذا شيء تركه جميع الناس ; لأنه قلما ينوي أحد شيئا وهذا حق ; لأنها صارت كالشريعة المنسوخة

                                                                                        وقوله ناويا القوم والحفظة يعم الإمام والمأموم ، وقوله والإمام معطوف على القوم خاص بالمأموم يعني أن المأموم يزيد في نيته نية السلام على إمامه في التسليمة الأولى إذا كان الإمام عن يمينه أو في الثانية إن كان عن يساره أو في التسليمتين لو كان محاذيا له ; لأنه ذو حظ من الجانبين وأشار إلى أن المنفرد ينوي الحفظة فقط ; لأنه ليس معه غيرهم فينوي بالأولى من على يمينه من الملائكة وبالثانية من على يساره منهم وعلى ما صححه في الخلاصة ينوي الحاضرين معه في المسجد أيضا وعلى ما اختاره الحاكم ينوي جميع المؤمنين أيضا ، ثم قدم المصنف القوم على الحفظة تبعا للجامع الصغير ، وفي الأصل على العكس فاختلف المشايخ ، والتحقيق أنه ليس بينهما فرق فإن الواو لمطلق الجمع من غير ترتيب ولأن النية عمل القلب وهي تنظيم الكل بلا ترتيب واختاره الشارح تبعا لما في البدائع لكن قال فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير للبداءة أثر في الاهتمام ، ولذا قال أصحابنا في الوصايا بالنوافل أنه يبدأ بما بدأ به الميت فدل ما ذكر هنا وهو آخر التصنيفين أن مؤمني البشر أفضل من الملائكة ، وهو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة وذلك أن عندهم صاحب الكبيرة خارج من الإيمان وقل ما يسلم مؤمن من الكبائر وعندنا هو كامل الإيمان ، ثم هو مبتلى بالإيمان بالغيب فكان أحق من الملائكة ، ألا ترى أن الله جعل الملائكة منزلة خدم المؤمنين في الدنيا والآخرة ا هـ .

                                                                                        وما ذكره عن المعتزلة نسبه الشارح إلى الباقلاني من أئمتنا وما اختاره فخر الإسلام من تفضل الجملة على الجملة نسبه في المحيط إلى بعض أهل السنة ، ثم قال والمختار عندنا أن خواص بني آدم وهم الأنبياء والمرسلون أفضل من جملة الملائكة وعوام بني آدم من الأتقياء أفضل من عوام الملائكة وخواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم ، ونص قاضي خان على أن هذا هو المذهب المرضي ، والمراد هنا بالأتقياء من اتقى الشرك لا من اتقاه مع المعاصي فإن ظاهره أن فسقة المؤمنين أفضل من عوام الملائكة ويدل عليه ما في روضة العلماء للإمام أبي الحسن البخاري أن الأمة اجتمعت على أن الأنبياء عليهم السلام أفضل الخليقة ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم واتفقوا على أن أفضل الخلائق بعد الأنبياء جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والروحانيون ورضوان ومالك وأجمعوا على أن الصحابة والتابعين والشهداء والصالحين أفضل من سائر الملائكة واختلفوا أن سائر الناس بعد هؤلاء أفضل أم سائر الملائكة فقال أبو حنيفة سائر الناس من المسلمين أفضل

                                                                                        وقالا : سائر الملائكة أفضل ولأبي حنيفة قوله تعالى { يدخلون عليهم من كل باب سلام } الآية فأخبر أنهم يزورون المسلمين في الجنة [ ص: 354 ] والمزور أفضل من الزائر ا هـ .

                                                                                        والحفظة جمع حافظ ككتبة جمع كاتب وسموا به لحفظهم ما يصدر من الإنسان من قول وعمل أو لحفظهم إياه من الجن وأسباب المعاطب والثاني يشمل جميع من معه من الملائكة والأول يخص الكرام الكاتبين ، وفي المجتبى واختلف في نية الحفظة فقيل ينوي الملكين الكاتبين ، وقيل الحفظة الخمسة ، وفي الحديث { إن مع كل مؤمن خمسة منهم واحد عن يمينه وواحد عن يساره يكتبان أعماله وواحد أمامه يلقنه الخيرات وواحد وراءه يدفع عنه المكاره وواحد عن ناصيته يكتب من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم } ، وفي بعضها { مع كل مؤمن ستون ملكا } ، وفي بعضها { مائة وستون } ورجح الأول في غاية البيان لموافقته كتاب الله تعالى ، وفي الهداية ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا ; لأن الأخبار عن عددهم قد اختلفت فأشبه الإيمان بالأنبياء عليهم السلام ا هـ .

                                                                                        مع أنه ورد في الحديث عدد الأنبياء أو الرسل فقال بعدما سئل عن الأنبياء : إنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر جمعا غفيرا كذا في الكشاف في سورة الحج لكن لما كان ظنيا ; لأنه خبر واحد لم يعارض قوله تعالى { ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك }

                                                                                        واختلف في الملكين الكاتبين هل يتبدلان بالليل والنهار فقيل يتبدلان للحديث الصحيح { يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار } بناء على أنهم الحفظة ، وهو قول الجمهور كما نقله القاضي عياض لكن ذكر القرطبي في شرح مسلم أن الأظهر أنهم غيرهم ، وقيل لا يتغيران عليه ما دام حيا واختلف في محل جلوسهما ، فقيل : في الفم ، وإن اللسان قلمهما والريق مدادهما للحديث { نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجلس الملكين الحافظين } إلى آخره ، وقيل تحت الشعر على الحنك ، وقيل اليمين واليسار ، ثم قالوا : إن كاتب السيئات يفارقه عند الغائط والجماع زاد القرطبي ، وفي الصلاة ; لأنه لا يفعل سيئة فيها ، ثم اختلفوا فيما يكتبانه ، فقيل : ما فيه أجر أو وزر وعزاه في الاختيار إلى محمد ، وقيل : يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه ، ثم اختلفوا متى يمحى المباح ، فقيل : آخر النهار ، وقيل : يوم الخميس ، والأكثرون على أنها تمحى يوم القيامة كذا في الاختيار وذكر بعض المفسرين أنه الصحيح عند المحققين والمختار أن كيفية الكتابة والمكتوب فيه مما لا يعلمها إلا الله تعالى ، وقد أوسع الكلام في هذه العلامة ابن أمير حاج في شرح منية المصلي وذكر أن الصبي المميز لا ينوي الكتبة إذ ليسوا معه ، وإنما ينوي الحافظين له من الشياطين ولذا لم يقل المصنف والكتبة ، ليعم كل مصل ولم يذكر المصنف ما يفعله بعد السلام

                                                                                        وقد قالوا : إن كان إماما وكانت صلاة يتنفل بعدها فإنه يقوم ويتحول [ ص: 355 ] عن مكانه إما يمنة أو يسرة أو خلفه والجلوس مستقبلا بدعة ، وإن كان لا يتنفل بعدها يقعد مكانه ، وإن شاء انحرف يمينا أو شمالا ، وإن شاء استقبلهم بوجهه إلا أن يكون بحذائه مصل سواء كان في الصف الأول أو في الأخير والاستقبال إلى المصلي مكروه هذا ما صححه في البدائع واختار في الخانية والمحيط استحباب أن ينحرف عن يمين القبلة وأن يصلي فيها ، ويمين القبلة ما بحذاء يسار المستقبل ويشهد له ما في صحيح مسلم من حديث البراء { كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه } .

                                                                                        [ ص: 351 - 352 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 351 - 352 ] ( قوله أن تكون الثانية أخفض من الأولى ) قال في المنية ومن المشايخ من قال يخفض الثانية قال الحلبي وكان مراده أنه يخفيها ولا يجهر بها أصلا لما قلنا من عدم الاحتياج إلى الجهر أي لأن المقصود بالجهر الإعلام ، وقد حصل بالأولى ، وهذا بخلاف القول الأول لأن ظاهره أنه يجهر بها دون الجهر بالأولى والأصح القول الأول لأن الأولى وإن دلت على تعقيب الثانية إياها إلا أن المقتدين ينتظرون الإمام فيها ولا يعلمون أنه يأتي بها أو يسجد قبلها لسهو حصل له ( قوله ولا شيء عليه ، ولو سلم عن يمينه ) كذا في النسخ ، وفي بعضها زيادة وهي ، ولو سلم تلقاء وجهه فإنه يسلم عن يساره ، ولو سلم إلخ ( قوله أو يخرج من المسجد ) قال في النهر : والصحيح أنه إن استدبر القبلة لا يأتي به كذا في القنية ( قوله لا يكون داخلا ) أي لو اقتدى به إنسان بعد قوله : السلام قبل أن يقول عليكم لا يصير داخلا في صلاته لأنه اقتداء بغير مصل ( قوله فما في الخلاصة من أن الصحيح إلخ ) قال في النهر يمكن تخريج ما في الخلاصة على الراجح ولفظه : وينوي من كان معه في المسجد هو الصحيح فعلى هذا لا ينوي النساء في زماننا . ا هـ .

                                                                                        إذ المعنى من معه في الصلاة كائنا في المسجد بدليل ما بعده وهذا أولى من الجزم بضعفه ( قوله وخرج بذكر القوم النساء ) بناء على أن القوم مختص بالرجال لغة ، وهو ظاهر قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } الآية وقول الشاعر

                                                                                        أقوم آل حصن أم نساء

                                                                                        .

                                                                                        [ ص: 353 ] ( قوله وفي غاية البيان أن هذا شيء إلخ ) عبارته وعن صدر الإسلام هذا شيء تركه جميع الناس لأنه قلما ينوي أحد شيئا وهذا حق لأن النية في السلام صارت كالشريعة المنسوخة ولهذا لو سألت ألوف ألوف من الناس إيش نويت بسلامك ؟ لا يكاد يجيب أحد منهم بما فيه طائل إلا الفقهاء ، وفيهم نظر انتهت ( قوله يعم الإمام والمأموم ) قال في النهر هذا سهو إذ قوله حينئذ والإمام تكرار محض ( قوله فدل ما ذكر هنا إلخ ) أي في الجامع الصغير الذي هو بعد الأصل تصنيفا ( قوله ويدل عليه إلخ ) أقول : لكن الفرق بين هذا وبين ما مر عن المحيط أن الأول قسم البشر إلى قسمين : خواص وهم الأنبياء ، وعوام وهم من سواهم من المؤمنين ، وكذا الملائكة ، والثاني قسمهم إلى ثلاثة أقسام : خواص وهم الأنبياء ، وأوساط وهم الصحابة والتابعون والشهداء والصالحون ، وعوام وهم من سواهم من المؤمنين ، وجعل الملائكة قسمين ، ثم إن الأول جعل عوام البشر الذين من جملتهم الأوساط على الثاني أفضل ممن عدا خواص الملائكة ، والثاني جعل أوساط البشر أفضل من بقية الملائكة ، وكذا عوام البشر أفضل من بقية الملائكة عند الإمام فقد اتفقت العبارتان على أن خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وأن أوساط البشر أفضل من بقية الملائكة وهذا بالإجماع كما صرحت به عبارة الروضة . بقي الكلام فيمن عدا الأوساط من البشر فعند الإمام هم كالأوساط أفضل من بقية الملائكة وظاهر كلام الروضة اختياره فيحمل عليه كلام المحيط بأن يراد بالعوام ما يشمل الأوساط ومن دونهم لقول قاضي خان عما في المحيط أنه المذهب المرضي ليتوارد الاختياران على شيء واحد . إذا علمت ذلك ظهر لك أن ما في الدر المختار عن مجمع الأنهر من أن خواص البشر وأوساطه أفضل من خواص الملك وأوساطه عند أكثر المشايخ غير مخالف لما مر كما زعمه بعضهم إلا أن قوله عند أكثر المشايخ مشعر بالخلاف وكلام الروضة يفيد الإجماع والظاهر أنه لم يذكر من عدا أوساط البشر لما فيه من الخلاف بين الإمام وصاحبيه ، وقد علمت ما هو المعول عليه .

                                                                                        [ ص: 354 ] ( قوله والثاني ) أي التعليل الثاني لتسميتهم حفظة ( قوله ثم قالوا إن كاتب السيئات يفارقه إلخ ) قال ابن أمير حاج قد قيل : إن الملائكة يتجنبون الإنسان عند غائطه ، وعند جماعه قلت : ويحتاج الجزم بهذا إلى وجود سمعي ثابت يفيده ، ولو ثبت ما ذكره الفقيه أبو الليث أنه روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان إذا أراد الدخول في الخلاء يبسط رداءه ويقول أيها الملكان الحافظان علي اجلسا هاهنا فإني قد عاهدت الله تعالى أن لا أتكلم في الخلاء لكان فيه رد لهذا لكن ذكر شيخنا الحافظ أنه ضعيف ا هـ كلامه .

                                                                                        وممن صرح بأن المفارق في هذه الحالة الملكان معا اللقاني في شرحه الكبير على الجوهرة وزاد أنهما يكتبان ما حصل منه بعد فراغه بعلامة يجعلها الله تعالى لهما ولكنه لم يستند في ذلك إلى دليل فليراجع ما دليل المفارقة ومن أين أخذ صاحب البحر تخصيصها بكاتب السيئات كذا في حواشي الدر المختار للمداري .

                                                                                        ( قوله زاد القرطبي في الصلاة إلخ ) يؤيده قوله صلى الله تعالى عليه وسلم { إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا وليبصق عن يساره } كذا ذكره القرطبي قال ابن أمير حاج والحديث بهذا اللفظ في صحيح البخاري ، وفي دلالته على المطلوب نظر بل الأشبه أن المراد بالملك الذي عن يمينه قرينه من الملائكة المشار إليه في صحيح مسلم بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم { ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي } الحديث ويؤيده ما روى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة { إذا قام أحدكم في مصلاه فإنما يقوم بين يدي الله تعالى مستقبل ربه وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره والبزاق عن يساره إنما يقع على الشيطان } ولم يزد النووي في شرح مسلم على أنه إنما نهى عن البزاق عن اليمين تشريفا لها . ا هـ .

                                                                                        وأما أنه ليس في الصلاة ما يكتبه ملك السيئات ففيه نظر أيضا لأنه قد يقع منه فيها ما يكون سيئة على أنه إن كانت العلة لملازمة الملك له تلبسه بما هو مظنة لوجود ما يكتبه ولمفارقته تلبسه بما هو مظنة لعدم ذلك ينبغي أيضا أن يكون ملك السيئات مفارقا له في حال تلاوة القرآن والذكر ونحوه ، وأن يكون الملكان مفارقين له في حالة النوم ونحوه ، وهو بعيد ، فليتأمل ا هـ . كلامه . كذا في حواشي الدر المختار للمداري




                                                                                        الخدمات العلمية