الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وله أن يرجع عن الرهن ما لم يقبضه المرتهن ) لما ذكرنا أنه متبرع ولا لزوم على المتبرع ما لم يسلم بالكتابة وفيه خلاف مالك واختلفوا في القبض . قال الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده : الرهن قبل القبض جائز غير لازم وإنما يصير لازما في حق الرهن بالقبض ا هـ .

                                                                                        وإنما يصير لازما في حق المرتهن بالدفع وقبض الراهن الدراهم فلو قال ولهما أن يرجعا ما لم يتقابضا لكان أولى ; لأنه في حكم الراهن والمرتهن ولا يقال قوله وله أن يرجع المفيد أن عقد الرهن تبرع في حق الراهن ينافيه ما نقل في المحيط وغيره رهن عنده دابتين على مائة فدفع له دابة وقبض منه خمسين وطلب المرتهن الدابة الأخرى وامتنع من قرض الخمسين الباقية يجبر الراهن على قرض الخمسين ; لأن الرهن لازم من جانب الراهن فما شرط عليه يجبر على دفعه غير لازم فلا يجبر على دفعه ا هـ .

                                                                                        لأنا نقول هو تبرع في حق الراهن قبل دفع شيء من الرهن فلا منافاة ولم يتعرض المؤلف رحمه الله تعالى للراهن بالفعل وسنذكر ذلك تتميما للفائدة .

                                                                                        قال في الذخيرة من كان له دين على رجل فتقاضاه فلم يقضه فرفع العمامة عن رأس المديون رهنا بدينه وأعطاه منديلا صغيرا يكفيه على رأسه ، وقال أحضر ديني لأردها عليك فذهب الرجل وجاء بدينه بعد أيام ، وقد هلكت العمامة قال هلكت بالدين ، وفي السراجية إذا أخذ عمامة المديون بغير رضاه لتكون رهنا لم تكن رهنا بل غصبا ، روى ابن سماعة عن أبي يوسف رجل اشترى من رجل جارية بألف درهم وأبى البائع أن يدفعها إليه حتى يقبض الثمن ، وقال المشتري لا أدفع لك الثمن حتى أقبضها فاتفقا على وضع الثمن على يد عدل حتى يقبض الثمن يدفعها إليه فوضع رهنا بالثمن فهلك هلك من مال البائع ، وفي الفتاوى الكبرى رهن عبدا بكر حنطة فمات العبد فظهر أن الكر ليس على الراهن فعلى المرتهن قبض كر دون العبد وفي التتمة رجل عليه ثمن عين اشتراها دنانير فدفع للبائع صرة فيها دنانير ، فقال خذ هذه الصرة حتى أنفذ لك الثمن ، ثم هلكت تهلك من مال البائع قال قلت تهلك هلاك الرهن أم هلاك الثمن ؟ قال هلاك الثمن ، فإن ظهر أن دينه أجود لا يرجع بالجودة في قول الإمام محمد حيث كانا في الوزن سواء ، قال رحمه الله ( وهو مضمون بأقل من قيمته ومن الدين فلو هلك وقيمته مثل الدين صار مستوفيا دينه ، وإن كان أكثر من دينه فالفضل أمانة وبقدر الدين صار مستوفيا دينه ، وإن كان أقل صار مستوفيا بقدر دينه ويرجع المرتهن بالفضل ) ، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه الرهن كله أمانة فلا يسقط شيء من الدين بهلاكه ولنا قوله عليه الصلاة والسلام للمرتهن الذي هلك عنده الفرس ذهب حقه وقوله عليه الصلاة والسلام { إذا هلك الرهن هلك الدين } أو ما معناه وأجمع الصحابة والتابعون على ذلك وبيان الدليلين من الجانبين في المطولات ، وفي الكافي بيانه إذا رهن ثوبا قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن يسقط دينه ، وإن كان قيمة الثوب خمسة يرجع المرتهن على الراهن بخمسة أخرى ، وإن كانت قيمته خمسة عشر فالفضل أمانة عندنا ، وفي الينابيع الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين وفائدة هذا تظهر في مسائل منها إذا رهن عبدا بألف درهم وقيمته ألفان فأبق فرده رجل من مسيرة ثلاثة أيام ، فإن الجعل على الراهن وعلى المرتهن نصفان ; لأن العبد نصفه مضمون بالدين ونصفه أمانة فيكون الجعل بينهما بالحصص ومنها مداواة الأمراض والجروح ; لأنه ينقسم ذلك على المضمون وعلى الأمانة بالحصص وما أصاب المضمون فعلى المرتهن وما أصاب الأمانة فعلى الراهن ، ولو قال وهو مضمون بالأقل من قيمة المضمون ومن الدين لكان أولى ليشمل ما إذا كان قيمة المرهون أكثر من الدين في الأصل والباطل من الرهن ما لا يكون منعقدا أصلا كالباطل من البيع والفاسد ما يكون منعقدا لكن بوصف الفساد والمقابل به يكون مالا مضمونا ، وفي كل موضع لم يكن الرهن مالا ، ولم يكن [ ص: 266 ] المقابل به مضمونا لا ينعقد الرهن أصلا وهو الباطل وتعتبر قيمة الرهن يوم القبض ، ولم يذكر المؤلف أحكام غلبة الماء على الأرض المرهونة .

                                                                                        قال في المحيط أرض مرهونة غلب عليها الماء فهي بمنزلة العبد إذا أبق لأنها ربما ينزل عنها الماء فتكون الأرض منتفعا بها فلا يسقط الدين لاحتمال العود كالآبق ، ولو رهن عبدا حلال الدم أو سرق عند الراهن فقطع عند المرتهن فذاك من ضمان الراهن ، ولم يذهب من الدين شيء وبقي مرتهنا بجميع الدين عند الإمام وعندهما السرقة عيب ويقوم سارقا وحلال الدم وغير سارق وغير حلال الدم فيسقط من الدين بمقدار قيمته حلال الدم والقطع ويكون رهنا بحصة قيمته كذلك ، ولو وجب عليه حد القذف أو الزنا عند المرتهن أو دخله عيب فيسقط من الدين بقدره . رهن ثوبا يساوي خمسة دراهم ومثال ذهب يساوي عشرة بخمسة دراهم فهلك الذهب ولبس الثوب حتى انخرق ضمن قيمة الثوب يحسب ما له من ذلك درهم وثلثان ; لأنه ذهب بإذهاب الذهب ثلثا الدين وذلك ثلاثة دراهم وثلث درهم ; لأن بإزاء الذهب ثلثي الدين وبإزاء الثوب ثلثه ، فإذا ذهب الذهب واستهلك الثوب يذهب بإذهاب الثوب ثلث الدين ويضمن مثقال الذهب فيكون رهنا عنده بثلاثة دراهم وثلث ، وذكر المؤلف رحمه الله تعالى حكم هلاك العين المرهونة في يد المرتهن ولم يذكر حكم نقصانها قال في الخلاصة إذا نقصت العين المرهونة في يد المرتهن إن كان النقصان في عينها سقط من الدين بقدره ا هـ .

                                                                                        ولم يتعرض لما إذا كان بالدين رهنا من جهتين مختلفتين قال قاضي خان رجل عليه دين لآخر وبه كفيل فأخذ الطالب من الكفيل رهنا ومن الأصيل رهنا وأحدهما بعد الآخر وبكل واحد وفاء بالدين فهلك أحد الرهنين عند المرتهن قال زفر رحمه الله تعالى أيهما هلك يهلك بكل الدين ، وقال الإمام أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا هلك الرهن الثاني ، فإن كان الراهن علم بالرهن الأول ، فإن الثاني يهلك بنصف الدين ، وإن لم يعلم بذلك يهلك بجميع الدين ، وذكر في كتاب الرهن أن الثاني يهلك بنصف الدين ، ولم يذكر العلم والجهل وهو الصحيح ; لأن كل واحد منهما يطالب بجميع الدين فيجعل الرهن الثاني زيادة في الرهن الأول ، فإن كانت قيمتهما سواء قسم الدين عليهما فالثاني إذا هلك يهلك بنصف الدين وقد قالوا لو شرط أنه إذا ضاع يكون مجانا فالشرط باطل ويهلك بالدين ولم يتعرض لما إذا هلك في يد المرتهن بعد أن أبرأه الراهن أو وهبه الدين أو أحاله به قال في الخلاصة لو أبرأه عن الدين أو أخاله به أو وهبه له والعبد في يد المرتهن فهلك في يده من غير أن يمنعه عنه لا يضمن استحسانا وهو قول أصحابنا الثلاثة بخلاف ما لو أبرأه الراهن فيما بقي من الدين ، ثم هلك الرهن في يد المرتهن وجب عليه رد ما قبض ، ولو تصادقا على أن لا دين يبقى مضمونا ، ولو أحال المرتهن الراهن بالرهن على إنسان عنده الرهن ، ثم مات العبد المرهون قبل أن يرده فيه وتبطل الحوالة ، وفي المبسوط مسائله على فصول : أحدها في هلاك الرهن قبل الإبراء . والثاني في هلاكه بعد الاستيفاء . والثالث في هلاكه بعد فسخ الرهن وإقالته . والرابع في هلاكه بعد استعماله .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية