الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ولو شجه موضحة فذهبت عيناه أو قطع إصبعا فشلت أخرى أو قطع المفصل الأعلى فشل ما بقي أو كل اليد أو كسر نصف سنه فاسود ما بقي فلا قود ) وهذا كله قول أبي حنيفة مطلقا وقالا يجب القصاص في الموضحة والدية في العينين فيما إذا شجه موضحة فذهبت عيناه وكذا إذا قطع إصبعا فشلت أخرى بجنبها يقتص للأولى ويجب الأرش للأخرى وعنده لما لم يجب القصاص في العضوين يجب أرش كل واحد منهما كاملا ، وإن كان عضوا واحدا كقطع الإصبع من المفصل الأعلى فشل ما بقي منها يكتفى بأرش واحد إن لم ينتفع بما بقي ، وإن كان ينتفع به يجب دية المقطوع وتجب حكومة عدل في الباقي بالإجماع وكذا إذا كسر نصف السن واسود ما بقي أو اصفر أو احمر يجب السن كله بالإجماع ولو قال اقطع المفصل الأعلى واترك ما بقي أو قال اكسر القدر المكسور من السن واترك الباقي لم يكن له ذلك ; لأن الفعل في نفسه لم يقع موجبا للقود فصار كما إذا شجه منقلة فقال [ ص: 387 ] أشجه موضحة وأترك الباقي ليس له ذلك والأصل عنده أن الفعل الواحد إذا أوجب مالا في البعض سقط القصاص سواء كانا عضوين أو عضوا واحدا لا يجب لهما وفي الخلاصة أن الفعل في محلين مختلفين فيكون جنايتين ; لأن الفعل يتعدد بتعدد أثره فصار كجنايتين مبتدأتين فالشبهة في أحدهما لا يتعدى إلى الآخر ولأبي حنيفة أن الجزاء بالمثل والجرح الأول سار وليس وسعه الساري فيسقط القصاص ويجب المال والدليل على أنه سار أن فعله أثر في نفس واحدة .

                                                                                        والسراية عبارة عن إيلام يتعاقب عن الجناية على البدن ويتحقق ذلك في موضعين منهما كما يتحقق في الأطراف مع النفس بأن مات من الجناية بخلاف نفسين ، فإن الفعل في النفس الثانية مباشرة على حدة ليس بسراية الأولى ، أو نقول إن ذهاب البصر ونحوه جعل بطريق التسبب ، فإن الفعل باق على اسمه لم يتغير والأصل في سراية الأفعال أن لا يبقى الأول بعد حدوث السراية كالقطع إذا سرى إلى النفس صار قتلا فلم يبق قطعا وهاهنا الشجة أو القطع لم ينعدم بذهاب البصر ونحوه فكان الفعل الأول تسببا إلى فوات البصر ونحوه بمنزلة حفر البئر والتسبب لا يوجب القصاص وعن محمد رحمه الله في المسألة الأولى وهي ما إذا شجه موضحة فذهب بصره أنه يجب القصاص منهما رواية ابن سماعة عنه .

                                                                                        ووجهه أن سراية الفعل انتسب إلى فاعله شرعا حتى يجعل الفاعل مباشرا للسراية فيؤخذ به كما لو سرى إلى النفس فإنه يجب ويعتبر قتلا بطريق المباشرة بخلاف ما لو قطع إصبعا فشلت بجنبها أخرى أو شجه موضحة فذهب عقله أو كلامه لا يجب القصاص في السمع والكلام والشلل لعدم الإمكان وفي البصر يجب لإمكان الاستيفاء ألا ترى أنه لو أذهبه وحده بفعل مقصود منه يجب القصاص في البصر دون الشلل والسمع والكلام فافترقا ولو كسر بعض السن فسقطت ففيها القصاص على رواية ابن سماعة وعلى الرواية المشهورة لا قصاص فيها ولو شجه فأوضحه ثم شجه أخرى فأوضحه فتكاملتا حتى صارتا شيئا واحدا فلا قصاص فيهما كما في المشهور على رواية ابن سماعة عن محمد يجب القصاص والوجه فيهما ما بيناه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية