الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : أو اعتصر من شجر أو ثمر ) عطف على قوله تغير أي لا يتوضأ بما اعتصر من شجر كالريباس أو ثمر كالعنب لأن هذا ماء مقيد ، وليس بمطلق ، فلا يجوز الوضوء به ; لأن الحكم منقول إلى التيمم عند فقد الماء المطلق بلا واسطة بينهما ، وفي ذكر العصر إشارة إلى أن ما يخرج من الشجر بلا عصر كماء يسيل من الكرم يجوز به الوضوء وبه صرح صاحب الهداية لكن المصرح به في كثير من الكتب أنه لا يجوز الوضوء به ، واقتصر عليه قاضي خان في الفتاوى وصاحب المحيط وصدر به في الكافي وذكر الجواز بصيغة قبل .

                                                                                        وفي شرح منية المصلي الأوجه عدم الجواز ، فكان هو الأولى لما أنه كمل امتزاجه كما صرح به في الكافي فما وقع في شرح الزيلعي من أنه لم يكمل امتزاجه ففيه نظر وقد علمت أن العلماء اتفقوا على جواز الوضوء بالماء المطلق وعلى عدم جوازه بالماء المقيد ثم الماء إذا اختلط به شيء طاهر لا يخرج عن صفة الإطلاق إلا إذا غلب عليه غيره بقي الكلام هنا في تحقيق الغلبة بماذا تكون فعبارة القدوري ، وهي قوله : وتجوز الطهارة بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه كعبارة الكنز والمختار تفيد أن المتغير لو كان وصفين لا يجوز به الوضوء وعبارة المجمع ، وهي قوله ونجيزه بغالب على طاهر كزعفران تغير به بعض أوصافه تفيد أن المتغير لو كان وصفين يجوز أو كلها لا يجوز

                                                                                        وفي تتمة الفتاوى الماء المتغير أحد أوصافه لا يجوز به الوضوء ، وفي الهداية والغلبة بالأجزاء لا بتغير اللون هو الصحيح وقد حكي خلاف بين أبي يوسف ومحمد ففي المجمع والخانية وغيرهما أن أبا يوسف يعتبر الغلبة بالأجزاء ومحمد باللون ، وفي المحيط عكسه ، والأصح من الخلاف الأول كما صرحوا به ، وذكر القاضي الإسبيجابي أن الغلبة تعتبر أولا من حيث اللون ثم من حيث الطعم ثم من حيث الأجزاء وفي الينابيع لو نقع الحمص والباقلاء وتغير لونه وطعمه وريحه يجوز الوضوء به .

                                                                                        وعن أبي يوسف ماء الصابون إذا كان ثخينا قد غلب على الماء لا يتوضأ به ، وإن كان رقيقا يجوز وكذا ماء الأشنان ذكره في الغاية وفيه إذا كان الطين غالبا عليه لا يجوز الوضوء به ، وإن كان رقيقا يجوز الوضوء به وصرح في التجنيس بأن من التفريع على اعتبار الغلبة بالأجزاء قول الجرجاني إذا طرح الزاج أو العفص في الماء جاز الوضوء به ، وإن كان لا ينقش إذا كتب به ، فإن نقش لا يجوز ، والماء هو المغلوب ، وهكذا جاء الاختلاف ظاهرا في عباراتهم فلا بد من التوفيق ، فنقول إن التقييد المخرج عن الإطلاق بأحد أمرين :

                                                                                        الأول : كمال [ ص: 73 ] الامتزاج ، وهو بالطبخ مع طاهر لا يقصد به المبالغة في التنظيف أو بتشرب النبات سواء خرج بعلاج أو لا .

                                                                                        الثاني غلبة المخالط ، فإن كان جامدا فبانتفاء رقة الماء وجريانه على الأعضاء وعليه يحمل ما عن أبي يوسف وما في الينابيع ويوافقه ما في الفتاوى الظهيرية إذا طرح الزاج في الماء حتى اسود جاز الوضوء به ، وإن كان مائعا موافقا للماء في الأوصاف الثلاثة كالماء الذي يؤخذ بالتقطير من لسان الثور وماء الورد الذي انقطعت رائحته والماء المستعمل على القول المفتى به من طهارته إذا اختلط بالمطلق فالعبرة للأجزاء فإن كان الماء المطلق أكثر جاز الوضوء بالكل ، وإن كان مغلوبا لا يجوز ، وإن استويا لم يذكر في ظاهر الرواية .

                                                                                        وفي البدائع قالوا حكمه حكم الماء المغلوب احتياطا وعليه ، وعلى الأول يحمل قول من قال العبرة بالأجزاء ، وهو قول أبي يوسف الذي اختاره في الهداية ، فإن كان المخالط جامدا فغلبة الأجزاء فيه بثخونته فإن كان مائعا موافقا للماء ، فغلبة الأجزاء فيه بالقدر وذكر الحدادي أن غلبة الأجزاء في الجامد تكون بالثلث ، وفي المائع بالنصف

                                                                                        فإن كان مخالفا للماء في الأوصاف كلها ، فإن غيرها أو أكثرها لا يجوز الوضوء به ، وإلا جاز ، وعليه يحمل قول من قال إن غير أحد أوصافه جاز الوضوء به ، وإن خالفه في وصف واحد أو وصفين فالعبرة لغلبة ما به الخلاف كاللبن يخالفه في الطعم ، فإن كان لون اللبن أو طعمه هو الغالب فيه لم يجز الوضوء به وإلا جاز وكذا ماء البطيخ يخالفه في الطعم فتعتبر الغلبة فيه بالطعم وعليه يحمل قول من قال إذا غير أحد أوصافه لا يجوز وقول من قال العبرة للون

                                                                                        وأما قول من قال العبرة للون ثم الطعم ثم الأجزاء فمراده أن المخالط المائع للماء إن كان لونه مخالفا للون الماء فالغلبة تعتبر من حيث اللون ، وإن كان لونه لون الماء فالعبرة للطعم إن غلب طعمه على الماء لا يجوز ، وإن كان لا يخالفه في اللون والطعم والريح فالعبرة للأجزاء .

                                                                                        وأما ما يفهم من عبارة المجمع فلا يمكن حمله على شيء كما لا يخفى ، والذي يظهر أن مراده من البعض البعض الأقل ، وهو الواحد كما هي عبارة القدوري تصحيحا لكلامه ، ويدل عليه قوله في شرحه فغير بعض أوصافه من طعم أو ريح أو لون ذكره بأو التي هي لأحد الأشياء بعد من التي أوقعها بيانا للبعض ولا يظهر لتغيير عبارة القدوري فائدة وهاهنا تنبيهات مهمة لا بأس بإيرادها الأول أن مقتضى ما قالوه هنا من أن المخالط الجامد لا يقيد الماء إلا إذا سلبه وصف الرقة والسيلان جواز التوضؤ بنبيذ التمر والزبيب ولو غير الأوصاف الثلاثة وقد صرحوا قبيل باب التيمم بأن الصحيح خلافه وأن تلك رواية مرجوع عنها وقد يقال إن ذلك مشروط بما إذا لم يزل عنه اسم الماء وفي مسألة نبيذ التمر زال عنه اسم الماء ، فلا مخالفة كما لا يخفى الثاني أنه يقتضي أيضا أن الزعفران إذا اختلط بالماء يجوز الوضوء به [ ص: 74 ] ما دام رقيقا سيالا ولو غير الأوصاف كلها ; لأنه من قبيل الجامدات والمصرح به في معراج الدراية معزيا إلى القنية أن الزعفران إذا وقع في الماء إن أمكن الصبغ فيه ، فليس بماء مطلق من غير نظر إلى الثخونة ويجاب عنه بما تقدم من أنه زال عنه اسم الماء .

                                                                                        الثالث : أنهم قد صرحوا بأن الماء المستعمل على القول بطهارته إذا اختلط بالماء الطهور لا يخرجه عن الطهورية إلا إذا غلبه أو ساواه إما إذا كان مغلوبا فلا يخرجه عن الطهورية فيجوز الوضوء بالكل ، وهو بإطلاقه يشمل ما إذا استعمل الماء خارجا ثم ألقى الماء المستعمل واختلط بالطهور أو انغمس في الماء الطهور لا فرق بينهما يدل عليه ما في البدائع في الكلام على حديث { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم } لا يقال إنه نهي لما فيه من إخراج الماء من أن يكون مطهرا من غير ضرورة وذلك حرام ; لأنا نقول الماء القليل إنما يخرج عن كونه مطهرا باختلاط غير المطهر به إذا كان غير المطهر غالبا كماء الورد واللبن فأما إذا كان مغلوبا فلا وهاهنا الماء المستعمل ما يلاقي البدن ولا شك أن ذلك أقل من غير المستعمل فكيف يخرج به من أن يكون مطهرا ا هـ .

                                                                                        وقال في موضع آخر فيمن وقع في البئر ، فإن كان على بدنه نجاسة حكمية بأن كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء فعلى قول من لم يجعل هذا الماء مستعملا لا ينزح شيء وكذا على قول من جعله مستعملا وجعل المستعمل طاهرا ; لأن غير المستعمل أكثر فلا يخرج عن كونه طهورا ما لم يكن المستعمل غالبا عليه كما لو صب اللبن في البئر بالإجماع أو بالت شاة فيها عند محمد ا هـ .

                                                                                        وقال : في موضع آخر ، ولو اختلط الماء المستعمل بالماء القليل قال بعضهم لا يجوز التوضؤ به ، وإن قل ، وهذا فاسد أما عند محمد ; فلأنه طاهر لم يغلب على الماء المطلق فلا يغيره عن صفة الطهور كاللبن ، وأما عندهما ; فلأن القليل لا يمكن التحرز عنه ثم الكثير عند محمد ما يغلب على الماء المطلق وعندهما أن يستبين مواضع القطرة في الإناء ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة جنب اغتسل فانتضح من غسله شيء في إنائه لم يفسد عليه الماء أما إذا كان يسيل فيه سيلانا أفسده وكذا حوض الحمام على هذا وعلى قول محمد لا يفسده ما لم يغلب عليه يعني لا يخرجه من الطهورية ا هـ .

                                                                                        بلفظه فإذا عرفت هذا لم تتأخر عن الحكم بصحة الوضوء من الفساقي الموضوعة في المدارس عند عدم غلبة الظن بغلبة الماء المستعمل أو وقوع نجاسة في الصغار منها

                                                                                        فإن قلت قد صرح قاضي خان في فتاويه أنه لو صب ماء الوضوء في البئر عند أبي حنيفة ينزح كل الماء وعند صاحبيه إن كان استنجى بذلك الماء فكذلك ، وإن لم يكن استنجى به على قول محمد لا يكون نجسا لكن ينزح منها عشرون دلوا ليصير الماء طاهرا ا هـ .

                                                                                        فهذا ظاهر في استعمال الماء بوقوع قليل من المستعمل فيه على قول محمد وكذا صرحوا بأن الجنب إذا نزل في البئر بقصد الاغتسال يفسد الماء عند الكل صرح به الأكمل وصاحب معراج الدراية وغيرهما وفي بعض الكتب ينزح عشرون دلوا عند محمد ولولا أن الكل صار مستعملا لما نزح منها ، وفي فتاوى قاضي خان لو أدخل يده أو رجله في الإناء للتبرد يصير الماء مستعملا لانعدام الضرورة وكذا صرحوا بأن الماء يفسد إذا أدخل الكف فيه وممن صرح به صاحب المبتغى بالغين المعجمة ، وهو يقتضي استعمال الكل .

                                                                                        وقال القاضي الإسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي والولوالجي في فتاويه جنب اغتسل في بئر ثم في بئر إلى العشرة على قصد الاغتسال قال أبو يوسف : تنجس الآبار كلها وقال محمد : يخرج من الثالثة طاهرا ثم ينظر إن كان على بدنه عين نجاسة تنجست المياه كلها ، وإن لم يكن عين نجاسة صارت المياه كلها مستعملا إلى آخر الفروع [ ص: 75 ] وهذا صريح في استعمال جميع الماء عند محمد بالاغتسال فيه .

                                                                                        وقال الإمام القاضي أبو زيد الدبوسي في الأسرار : في الكلام على حديث { لا يبولن أحدكم في الماء } إلى آخره قال من قال إن الماء المستعمل طاهر طهور لا يجعل الاغتسال فيه حراما ، وكذلك من قال طاهر غير طهور ; لأن المذهب عنده أن الماء المستعمل إذا وقع في ماء آخر لم يفسده حتى يغلب عليه بمنزلة اللبن يقع فيه وقدر ما يلاقي بدن المستعمل يصير مستعملا ، وذلك القدر من جملة ما يغتسل فيه عادة يكون أقل مما فضل عن ملاقاة بدنه فلا يفسد ويبقى طهورا لذلك ولا يحرم فيه الاغتسال إلا أن يحكم بنجاسة الغسالة فيفسد الكل ، وإن كان أكثر من الغسالة كقطرة خمر تقع في حب إلا أن محمدا يقول لما اغتسل في الماء القليل صار الكل مستعملا حكما ا هـ .

                                                                                        فهذه العبارة كشفت اللبس وأوضحت كل تخمين وحدس ، فإنها أفادت أن مقتضى مذهب محمد أن الماء لا يصير مستعملا باختلاط القليل من الماء المستعمل إلا أن محمدا حكم بأن الكل صار مستعملا حكما لا حقيقة فما في البدائع محمول على أن مقتضى مذهب محمد عدم الاستعمال إلا أنه يقول بخلافه وفي الخلاصة رجل توضأ في طست ثم صب ذلك الماء في بئر ينزح منه الأكثر من عشرين دلوا ومما صب فيه عند محمد وعند أبي حنيفة وأبي يوسف ينزح ماء البئر كله ; لأنه نجس عندهما . ا هـ .

                                                                                        وهذا يفيد صيرورة ماء البئر مستعملا بصب الماء القليل المستعمل عليه فبالأولى إذا توضأ فيها أو اغتسل قلت قد وقع في جواز الوضوء من الفساقي الصغار الموضوعة في المدارس كلام كثير بين الحنفية من الطلبة والأفاضل في عصرنا وقبله وقد ألف الشيخ العلامة قاسم فيها رسالة وسماها رفع الاشتباه عن مسألة المياه واستدل فيها بما ذكرناه عن البدائع ووافقه على ذلك بعض أهل عصره وأفتى به وتعقبه البعض الآخر وألف فيها رسالة وسماها زهر الروض في مسألة الحوض ونبه عليها في شرح منظومة ابن وهبان .

                                                                                        وقال لا تغتر بما ذكره شيخنا العلامة قاسم واستند إلى ما ذكرناه عن الأسرار [ ص: 76 ] وفتاوى قاضي خان والعبد الضعيف إن شاء الله تعالى يكشف لك عن حقيقة الحال بقدر الوسع والإمكان وجهد المقل دموعه فأقول : وبالله التوفيق إن ما ذكره في البدائع صريح في عدم صيرورة الماء القليل مستعملا باختلاط المستعمل الأقل منه به ، وكذا ما ذكره الشارحون كالزيلعي والمحقق الكمال والسراج الهندي في بحث الماء المقيد كما نقلناه صريح في ذلك .

                                                                                        وأما ما ذكره الدبوسي في الأسرار وما ذكره في الخلاصة وغيرها من نزح عشرين دلوا وما ذكره الأكمل وشراح الهداية من كونه يفسد عند الكل وما ذكره القاضي الإسبيجابي والولوالجي عن محمد فكله مبني على رواية ضعيفة عن محمد لا على الصحيح من مذهب محمد وسيظهر لك صدق هذه الدعوى الصادقة بالبينة العادلة قال في المحيط

                                                                                        وإذا وقع الماء المستعمل في البئر يفسد الماء وينزح كله عند أبي يوسف ; لأنه نجس وعند محمد لا يفسد [ ص: 77 ] ويجوز التوضؤ به ما لم يغلب على الماء ، وهو الصحيح ; لأن الماء المستعمل طاهر غير طهور فصار كالماء المقيد إذا اختلط بالماء المطلق ا هـ . بلفظه .

                                                                                        وقال الشيخ العلامة المحقق سراج الدين الهندي في شرح الهداية : إذا وقع الماء المستعمل في البئر لا يفسد عند محمد ويجوز الوضوء به ما لم يغلب على الماء ، وهو الصحيح كالماء المقيد إذا اختلط بالماء المطلق وفي التحفة يجوز الوضوء به ما لم يغلب على الماء على المذهب المختار ، وإذا وقع الماء المستعمل في الماء المطلق القليل قال بعضهم : لا يجوز الوضوء به بخلاف بول الشاة مع أن كلا منهما طاهر عند محمد والفرق له أن الماء المستعمل من جنس ماء البئر فلا يستهلك فيه والبول ليس من جنسه فيعتبر الغالب فيه .

                                                                                        وفي فتاوى قاضي خان لو صب الماء المستعمل في بئر ينزح منها عشرون دلوا ; لأنه طاهر عنده ، وكان دون الفأرة ، وهذا على القول الذي لا يجوز استعمال ماء البئر ا هـ .

                                                                                        كلام العلامة السراج فقد استفيد من هذا فوائد منها أن المشايخ اختلفوا في الماء القليل المستعمل إذا اختلط بالماء المطلق الأكثر منه القليل في نفسه فمنهم من قال يصير الكل مستعملا عند محمد فيحتاج إلى الفرق بينه وبين بول الشاة فأفاد الفرق بقوله ، والفرق له إلى آخره ، وهي الفائدة الثانية ومنهم من قال لا يصير مستعملا ما لم يغلب على المطلق وصححه صاحب المحيط والعلامة كما رأيت ونقل العلامة عن التحفة أنه المختار ومنها حمل ما نقله قاضي خان وغيره من نزح عشرين دلوا على القول الضعيف أما على القول الصحيح فلا ينزح شيء فإذا علمت هذا تعين عليك حمل قول من نقل عدم الجواز على القول الضعيف لا الصحيح كما فعله العلامة .

                                                                                        وأما ما في كثير من الكتب من أن الجنب إذا أدخل يده أو رجله في الماء فسد الماء ، فهذا محمول على الرواية القائلة بنجاسة الماء المستعمل لا على المختارة للفتوى ; لأن ملاقاة النجس للماء القليل تقتضي نجاسته لا ملاقاة الطاهر له وقد كشف عن هذا ختام المحققين العلامة كمال الدين بن الهمام في شرح الهداية حجاب الأستار فقال حوضان صغيران يخرج الماء من أحدهما ، ويدخل في الآخر فتوضأ في خلال ذلك جاز ; لأنه جار ، وكذا إذا قطع الجاري من فوق وقد بقي جري الماء كان جائزا أن يتوضأ بما يجري في النهر .

                                                                                        وذكر في فتاوى قاضي خان في المسألة الأولى قال : والماء الذي اجتمع في الحفيرة الثانية فاسد ، وهذا مطلقا إنما هو بناء على كون المستعمل نجسا وكذا كثير من أشباه هذا ، فأما على المختار من رواية أنه طاهر غير طهور فلا فلتحفظ ليفرع عليها ولا يفتى بمثل هذه الفروع ا هـ كلام المحقق .

                                                                                        ومن هنا يعلم أن فهم المسائل على وجه التحقيق يحتاج إلى معرفة أصلين أحدهما أن إطلاقات الفقهاء في الغالب مقيدة بقيود يعرفها صاحب الفهم المستقيم الممارس للأصول والفروع ، وإنما يسكتون عنها اعتمادا على صحة فهم الطالب .

                                                                                        والثاني : أن هذه المسائل اجتهادية معقولة المعنى لا يعرف الحكم فيها على الوجه التام إلا بمعرفة وجه الحكم الذي بني عليه وتفرع عنه ، وإلا فتشتبه المسائل على الطالب ويحار ذهنه فيها لعدم معرفة الوجه والمبنى ومن أهمل ما ذكرناه حار في الخطأ والغلط ، وإذا عرفت هذا ظهر لك ضعف من يقول في عصرنا إن الماء المستعمل إذا صب على الماء المطلق وكان الماء المطلق غالبا يجوز الوضوء بالكل ، وإذا توضأ في فسقية صار الكل مستعملا إذ لا معنى للفرق بين المسألتين ، وما قد يتوهم في الفرق من أن في الوضوء يشيع الاستعمال في الجميع بخلافه في الصب مدفوع بأن الشيوع والاختلاط في الصورتين سواء بل لقائل أن يقول إلقاء الغسالة من خارج أقوى تأثيرا من غيره لتعين المستعمل فيه بالمعاينة والتشخيص وتشخص الانفصال وبالجملة فلا يعقل فرق بين الصورتين من جهة الحكم

                                                                                        فالحاصل أنه يجوز الوضوء من الفساقي الصغار ما لم يغلب على ظنه أن الماء المستعمل أكثر أو مساو [ ص: 78 ] ولم يغلب على ظنه وقوع نجاسة قال العلامة قاسم : في رسالته ، فإن قلت إدا تكرر الاستعمال قد يجمع ويمنع قلت الظاهر عدم اعتبار هذا المعنى في النجس فكيف بالطاهر قال في المبتغى يعني بالغين المعجمة قوم يتوضئون صفا على شط النهر جاز فكذا في الحوض ; لأن حكم ماء الحوض في حكم ماء جار ا هـ بلفظه قال العبد الضعيف : الظاهر أنه يجمع ويمنع .

                                                                                        وأما ما استشهد به من عبارة المبتغى فلا يمس محل النزاع ; لأن كلامنا في الحوض الصغير الذي لا يكون في حكم الجاري ، وما في المبتغى مصور في الحوض الكبير بدليل قوله ; لأن حكم ماء الحوض في حكم ماء جار ، وقد نقل المحقق العلامة كمال الدين بن الهمام عبارة المبتغى ثم قال : وإنما أراد الحوض الكبير بالضرورة وأيضا ما في المبتغى مفرع على القول بنجاسة الماء المستعمل لا على القول بطهارته بدليل أن الحدادي في شرح القدوري ذكر ما في المبتغى تفريعا على القول بنجاسة الماء المستعمل وكلامنا هنا على القول بطهارته ثم رأيت العلامة ابن أمير حاج في شرحه على منية المصلي قال في قول صاحب المنية .

                                                                                        وعن الفقيه أبي جعفر لو توضأ في أجمة القصب ، فإن كان لا يخلص بعضه إلى بعض جاز قال ما نصه ، وإنما قيد الجواز بالشرط المذكور ; لأنه لو كان يخلص بعضه إلى بعض لا يجوز كما هو المفهوم المخالف لجواب المسألة لكن على القول بنجاسة الماء المستعمل أما على طهارته فلا بل يجوز ما لم يغلب على ظنه أن القدر الذي يغترفه منه لإسقاط فرض من مسح أو غسل ماء مستعمل أو ماء اختلط بماء مستعمل مساو له أو غالب عليه ا هـ .

                                                                                        والأجمة محركة الشجر الكثير الملتف ثم قال أيضا واتصال الزرع بالزرع لا يمنع اتصال الماء بالماء

                                                                                        وإن كان مما يخلص فيجوز على الرواية المختارة في طهارة المستعمل بالشرط الذي سلف ولا يجوز على القول بنجاسته ا هـ .

                                                                                        ثم ذكر أيضا مسائل على هذا المنوال ، وهو صريح فيما قدمناه من جواز الوضوء بالماء الذي اختلط به ماء مستعمل قليل ويدل عليه أيضا ما ذكره الشيخ سراج الدين قارئ الهداية في فتاويه التي جمعها تلميذه ختام المحققين الكمال بن الهمام بما لفظه سئل عن فسقية صغيرة يتوضأ فيه الناس وينزل فيها الماء المستعمل وفي كل يوم ينزل فيها ماء جديد هل يجوز الوضوء فيها أجاب إذا لم يقع فيها غير الماء المذكور لا يضر ا هـ يعني : إذا وقعت فيها نجاسة تنجست لصغرها ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف واعتصر من شجر أو ثمر ) أسقط من عبارة المتن قوله بعد هذا أو غلب عليه غيره أجزأ فكان الواجب ذكر ذلك لكنه قد وجد في بعض النسخ ( قوله : فلا بد من التوفيق فنقول إلى آخر كلامه ) أقول : حاصل ما ذكره هنا وأطال به هو ما ذكره الشيخ علاء الدين الحصكفي في شرحه على التنوير بعبارة وجيزة ولله دره حيث قال الغلبة إما بكمال الامتزاج بتشرب نبات أو بطبخ بما لا يقصد به التنظيف وإما بغلبة المخالط فلو جامدا فبثخانة ما لم يزل الاسم كنبيذ تمر ولو مائعا فلو مباينا لأوصافه فبتغير أكثرها أو موافقا كلبن فبأحدها أو مماثلا كمستعمل فبالأجزاء ، فإن المطلق أكثر من النصف جاز التطهير بالكل ، وإلا لا ، وهذا يعم ليلقى وليلاقي ففي الفساقي يجوز التوضؤ ما لم يعلم بتساوي المستعمل على ما حققه في البحر والنهر والمنح قلت لكن الشرنبلالي في شرحه للوهبانية فرق بينهما فراجعه متأملا ا هـ .

                                                                                        وكأنه يشير إلى ضعف ما في الشرنبلالية من الفرق وستطلع إن شاء الله تعالى على حقيقة الحال بعون الملك المتعال هذا

                                                                                        وفي فتح القدير والوجه أن يخرج [ ص: 73 ] من الأقسام ما خالط جامدا فسلب رقته وجريانه لأن هذا ليس بماء مقيد والكلام فيه بل ليس بماء أصلا كما يشير إليه قول المصنف فيما يأتي قريبا في المختلط بالأشنان إلا أن يغلب فيصير كالسويق لزوال اسم الماء عنه ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وعليه يحمل ما عن أبي يوسف وما في الينابيع ) الذي قدمه عن أبي يوسف لا يخالف هذا ظاهرا حتى يحمل عليه بخلاف ما في الينابيع تأمل ( قوله وعليه وعلى الأول ) أي على أن العبرة للأجزاء أي القدر والوزن إن كان لا يخالف في الأوصاف وعلى أن العبرة بانتفاء الرقة إن كان جامدا فقوله فإن كان المخالط جامدا وقوله : وإن كان مائعا تفريع عليه وتفصيل لما علم إجمالا .

                                                                                        ( قوله : كاللبن يخالفه في اللون والطعم إلخ ) قال الرملي : أقول : المشاهد في اللبن مخالفته للماء في الرائحة أيضا وكذلك المشاهد في البطيخ مخالفته للماء في الرائحة فجعل الأول مما يخالفه في وصفين فقط والثاني في وصف فقط فيه نظر وأيضا في البطيخ ما لونه أحمر وفيه ما لونه أصفر فتأمل ( قوله : والذي يظهر أن مراده من البعض البعض الأقل إلخ ) أقول : قول المجمع ونجيزه بغالب على طاهر لا يخلو إما أن يحمل على الأعم من الجامد والمائع أو على الجامد فقط ولا سبيل إلى حمله على المائع فقط لقوله كزعفران .

                                                                                        فإن حمل على الأعم لا يصح حمل البعض على الواحد ; لأن غلبة المخالط الجامد تعتبر بانتفاء الرقة لا بالأوصاف فضلا عن وصف واحد وأيضا بالنظر إلى المخالط المائع لا تثبت الغلبة فيه بوصف واحد مطلقا ، فإنه إذا كان مخالفا للماء في كل الأوصاف يعتبر ظهورها كلها أو أكثرها ، وإن حمل على الجامد فقط فقد علمت مما قررناه ما يرد عليه من أنه يعتبر فيه انتفاء الرقة والسيلان ، وإن تغيرت الأوصاف كلها ما لم يزل عنه اسم الماء كما يأتي التقييد به فلا فرق بين الزعفران وبين ماء الباقلاء والجاز الذي في الينابيع والظهيرية فكما اعتبر فيه انتفاء الرقة فليعتبر في الزعفران نعم في عبارة المجمع تأمل من حيث إفهامها أنه لو تغير الأوصاف كلها لا يجوز الوضوء به ، فإنه ليس على إطلاقه فيقيد بانتفاء الرقة أو يقال إذا تغيرت الأوصاف كلها بنحو الزعفران يزول اسم الماء عنه غالبا فقد ظهر لك إمكان حملها على ما قرره وإن حملها على أن المراد بالبعض الواحد كما هو ظاهر عبارة شرحه يقوي الأشكال فيجب تأويل ما في شرحه على أنه ليس المراد تغيير واحد فقط أو على أن أو بمعنى الواو فينتظم الكلام والله تعالى ولي الإلهام [ ص: 74 ]

                                                                                        ( قوله : يدل عليه ما في البدائع إلخ ) ظاهره أن الضمير راجع إلى عدم الفرق بينهما هكذا كنت توهمت وكتبت بعض مقولات على عبارة الشارح بناء عليه ثم ظهر أن مراده الاستدلال على أن الماء المستعمل لا يفسد الطهور ما لم يغلبه أو يساوه لا على عدم الفرق كما قد يتوهم ( قوله : فإن قلت قد صرح قاضي خان إلخ ) جواب الشرط سيأتي بعد صفحة ومنشأ السؤال ما استدل عليه أولا أن الماء المستعمل لا يفسد الطهور ما لم يغلبه أو يساوه ( قوله : ثم ينظر إن كان على بدنه عين نجاسة تنجست المياه كلها إلخ ) إن كان المراد بالمياه مياه الآبار العشرة لم يظهر لنا وجهه فتأمل وراجع وكذا تنجس الآبار كلها عند أبي يوسف مشكل ثم ظهر أن ذلك مفرع على رواية عن أبي يوسف أن من نزل في البئر ، وهو جنب كان الماء نجسا والرجل نجس كما سيذكره الشارح في مسألة البئر جحط واستدل على ذلك بأن الإسبيجابي ذكر هذه الرواية عنه ثم ذكر هذه الفروع بعدها فالظاهر أنها مفرعة عليها لا على القول المشهور عنه أن الرجل بحاله والماء بحاله ا هـ .

                                                                                        والله تعالى أعلم والظاهر أن المراد بالمياه المتنجسة أو المستعملة عند محمد مياه الآبار الثلاثة فقط بدليل تكملة عبارة الإسبيجابي كما سيذكره الشارح هناك حيث قال بعدما ذكره هنا ثم بعد الثالثة إن وجدت منه النية يصير مستعملا

                                                                                        وإن لم توجد منه النية لا يصير مستعملا عنده . ا هـ . فتأمل .

                                                                                        ثم رأيت المسألة مسطورة في السراج الوهاج بأوضح مما ذكره [ ص: 75 ] الشارح مع النص على ما استظهرناه وذلك حيث قال ولو أن الجنب اغتسل في البئر ثم في بئر إلى العشرة أو أكثر تنجس المياه كلها عند أبي يوسف سواء كان على بدنه نجاسة عينية أو لا والرجل على حاله جنب وقال محمد : يخرج من البئر الثالثة طاهرا والمياه الثلاثة ينظر فيها إن كان على بدنه عين النجاسة صار الماء نجسا ، وإن لم يكن صار الماء مستعملا والمستعمل عنده طاهر ، وأما الرابع وما وراءه إن وجدت منه النية صار مستعملا ، وإلا فلا يعني إذا لم توجد النية فالمياه طاهرة ا هـ .

                                                                                        وظاهر قوله اغتسل أن الغسل في الثلاث الأول كان بنية ووجه استعمالها سقوط الفرض بها مع القربة وسنية التثليث ، وأما استعمال ما بعدها فيتوقف على النية أيضا لحصول القربة بتجديد الغسل لاختلاف المجلس وظاهره أنه مستحب كالوضوء فليتأمل ولا يتنجس الرابع وما بعده لو كانت عليه نجاسة لطهارته بخروجه من الثالثة

                                                                                        ( قوله : فهذه العبارة كشفت اللبس إلخ ) قال أخوه المحقق فيما نقل عنه في هوامش هذا الكتاب على ما في بعض النسخ نعم كشفت اللبس من حيث آخرها إلا أن محمدا يقول لما اغتسل بالماء القليل صار الكل مستعملا حكما فلنا صورتان صورة وقوع ماء مستعمل في ماء غير مستعمل فيعتبر غلبة الماء الذي ليس بمستعمل والصورة الثانية ماء واحد توضأ به شخص أو أدخل يده لحاجة صار مستعملا كله حكما كما رأيت ا هـ .

                                                                                        ( قوله : فما في البدائع محمول على أن مقتضى مذهب محمد عدم الاستعمال ) أي حقيقة يعني أن صاحب البدائع نسب إلى محمد عدم الاستعمال بناء على ما اقتضاه مذهبه من أن المستعمل لا يفسد الماء ما لم يغلبه أو يساوه لكن محمدا ما قال بذلك الذي اقتضاه مذهبه بل قال في هذه الصورة أنه صار مستعملا حكما كما صرحت به عبارة الدبوسي .

                                                                                        ( قوله : ومما صب فيه ) أي وينزح ما ذكر أيضا من بئر أخرى صب فيها دلو مثلا من هذه البئر كذا قيل والأظهر أن المراد أنه ينظر في العشرين دلوا وفي المصبوب فأيهما أكثر ينزح بدليل ما سيأتي في أحكام الآبار لو وقعت الفأرة في جب فأريق الماء في البئر قال محمد ينزح الأكثر من المصبوبة ومن عشرين دلوا ، وهو الأصح ; لأن الفأرة لو وقعت فيها ينزح عشرون فكذا إذا صب فيها ما وقع فيه إلا إذا زاد المصبوب على ذلك فتنزح الزيادة مع العشرين ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ونبه عليها في شرح منظومة ابن وهبان إلخ ) ، وهو العلامة ابن الشحنة ، فإنه قال فيه عند الكلام على مسألة المحدث والجنب إذا وقع في بئر ما نصه والذي تحرر عندي أنه يختلف الحكم فيها باختلاف أصول أئمتنا فيه والتحقيق النزح للجميع عند الإمام على القول بنجاسة الماء المستعمل وقيل أربعون عنده وتحقيق مذهب محمد أنه يسلبه الطهورية ، وهو الصحيح عن الإمام والثاني وعليه الفتوى ينزح منه عشرون ليصير طهورا ، وهذا على القول بعدم اعتبار الضرورة

                                                                                        أما لو اعتبرت الضرورة ودفع الحرج فلا يصير الماء مستعملا في كل موضع تتحقق الضرورة في الانغماس في الماء أو إدخال العضو فيه واعتبار الضرورة في مثل ذلك مذكور في الصغرى وغيرها ولا تغتر بما ذكره شيخنا العلامة زين الدين قاسم تغمده الله [ ص: 76 ] تعالى برحمته في رسالته المسماة برفع الاشتباه فإنه خالف فيها صريح المنقول عن أئمتنا واستند إلى كلام وقع في البدائع على سبيل البحث يوهم عدم صيرورة الماء القليل مستعملا بالانغماس فيه ; لأن المستعمل منه ما لاقى بدن المحدث ، وهو قليل لاقى طهورا أكثر منه فلا يسلبه وصف الطهورية وتبعه على ذلك بعض من ينتحل مذهب الحنفية ممن لا رسوخ له في فقههم وكتب فيه كتابة مشتملة على خلط وخبط ومخالفة النصوص المنقولة عن محمد رحمه الله وقد بينت ذلك في مقدمة كتبتها حققت فيها المذهب في هذه المسألة .

                                                                                        والحاصل أن أبا زيد الدبوسي في كتاب الأسرار أورد ما ذكره في البدائع على سبيل الإلزام من أبي يوسف لمحمد رحمهما الله

                                                                                        وذكر جواب محمد عنه فكشف اللبس وأوضح كل تخمين وحدس ، فإنه قال بعد ذكر مذاهب علمائنا في الماء المستعمل والاستدلال لمحمد وعامة مشايخنا ينصرون قول محمد وروايته عن أبي حنيفة ثم قال يحتج للقول الآخر بما روي فذكر حديث { لا يبولن أحدكم } ثم قال ومن قال إن الماء المستعمل طاهر طهور لا يجعل الاغتسال فيه حراما إلى آخر ما قدمه الشارح هنا عن الدبوسي .

                                                                                        وفي البدائع أيضا التصريح بأن الطاهر إذا انغمس في البئر للاغتسال صار مستعملا عند أصحابنا الثلاثة وصرح في فتاوى قاضي خان بأن إدخال اليد في الإناء للغسل يفسد الماء عند أئمتنا الثلاثة وتكفل بإيضاح هذا وتحريره رسالتي المسماة بزهر الروض في مسألة الحوض وما كتبته بعد ذلك حين رؤية ما أفتى به بعض أصحابنا فانظره ا هـ .

                                                                                        وقال العلامة الشيخ حسن الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية وما ذكر من أن الاستعمال بالجزء الذي يلاقي جسده دون باقي الماء فيصر ذلك الجزء مستهلكا في كثير فهو مردود لسريان الاستعمال في الجميع حكما ، وليس كالغالب بصب القليل من الماء فيه ا هـ .

                                                                                        يعني : أنه لما انغمس أو أدخل يده مثلا صار مستعملا لجميع ذلك الماء الذي انغمس فيه أو أدخل يده فيه حكما ; لأن المستعمل حقيقة هو ما لاقى جسده وذلك بخلاف ما إذا صب المستعمل فيه ، فإن المستعمل حقيقة وحكما هو ذلك الملقى فلا وجه للحكم على الملقى فيه بالاستعمال ما لم يساوه أو يغلب عليه إذ لم يدخل فيه جسده حتى يحكم عليه بالاستعمال حكما يدل عليه ما في الأسرار للدبوسي وقولهم في مسألة البئر جحط لو انغمس بقصد الاغتسال للصلاة صار الماء مستعملا اتفاقا

                                                                                        وأما ما ادعاه الشارح من أن ما في الأسرار رواية ضعيفة عن محمد مستدلا بما نقله عن المحيط والسراج الهندي فهو مبني على دعوى عدم الفرق بين ما لاقاه المستعمل أو ألقي فيه ، وإلا فلا دلالة فيه على ذلك ; لأن ما ذكره في المحيط والهندي في الملقى ولا كلام فيه ، وإنما الكلام في الملاقى فيحتاج إلى إثبات عدم الفرق وليس في شيء مما ذكره من النقول ما يثبته .

                                                                                        ( قوله : فأقول وبالله التوفيق ) أقول : إن كان الخلاف الذي جرى بين أهل العصر في جواز التوضؤ من الفساقي وعدمه مطلقا سواء كان بانغماس بجسد أو يد أو بغيره فلا كلام في أن ما ذكره من النقول يدل على مدعاه من الجواز فعبارة البدائع تدل على الجواز في الانغماس وغيرها في غيره ، وأما إذا كان الخلاف في أنه بالانغماس يصير الماء مستعملا بخلاف ما إذا كان بغيره كما هو ظاهر عبارة الشرنبلالي التي ذكرناها آنفا وأيدناها بما ذكره عن الدبوسي ، وهو ظاهر ما يأتي في قوله ، وإذا عرفت هذا إلخ ، فإنه يدل على أن الخلاف في الملقى والملاقى فما ذكره من النقول لا يدل على عدم الاستعمال بالملاقى سوى ما قدمه عن البدائع ، فإنه يدل عليه ولكن قد علمت ما فيه مما نقلناه عن ابن الشحنة .

                                                                                        وأما غير عبارة البدائع فهو في الملقى وقد علمت أنه لا نزاع فيه ; ولذا قال أخو الشارح فيما نقل عنه في هوامش هذا الكتاب عند قوله الآتي قال في المحيط : إلخ ما نصه لا يخفاك أن العبارة في وقوع الماء لا المغتسل ، وكذا فيما بعده ا هـ .

                                                                                        وكذا ما نقلنا عنه سابقا وكأنه استدل بذلك بناء على ما سيذكره من عدم الفرق بينهما ، وإذا ثبت ذلك يصح الاستدلال ، ولكن الكلام في ذلك ، فإن الخصم لا يسلم عدم الفرق فتأمل في هذا المقام ، فإنه من مزال الأقدام والله تعالى ولي الإلهام هكذا من قول المحشي قوله ونبه عليها في شرح منظومة إلخ إلى قوله الآتي إذ لا معنى للفرق بين المسألتين هو على حسب ما وجد بخطه رحمه الله في حاشية نسخته حيث كان هو الأولى مما سلكه المجرد لخطه في المبيضة فلذا نبهنا عليه ا هـ مصححة [ ص: 77 ]

                                                                                        ( قوله : فأما على المختار من رواية أنه طاهر غير طهور فلا ) قال أخوه فيما نقل عنه أي فلا يقال فاسد بل يقال هو طاهر غير طهور ، وإنها لغفلة عن فهم كلام العلماء ا هـ أقول اسم الإشارة في قول الشارح وقد كشف عن هذا لكون ما ذكر في كثير من الكتب محمولا على رواية نجاسة الماء المستعمل ولا شك في كشف عبارة الفتح عن ذلك ( قوله : إذ لا معنى للفرق بين المسألتين ) قال بعض مشايخنا يدل عليه أنه أيضا رواية النجاسة فإن النجس ينجس غيره سواء كان ملقى أو ملاقيا فكذا على رواية الطهارة ، وإذا كان كذلك فليكن التعويل عليه سيما وقد اختاره كثيرون وعامة من تأخر عن الشارح تابعه على ذلك حتى صاحب النهر مع ما فيه من رفع الحرج العظيم على المسلمين .




                                                                                        الخدمات العلمية