الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والجماعة وهم ثلاثة ) أي شرط صحتها أن يصلي مع الإمام ثلاثة فأكثر لإجماع العلماء على أنه لا بد فيها من الجماعة كما في البدائع ، وإنما اختلفوا في مقدارها فما ذكره المصنف قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف [ ص: 162 ] اثنان سوى الإمام ; لأنهما مع الإمام ثلاثة ، وهي جمع مطلق ; ولهذا يتقدمهما الإمام ويصطفان خلفه ، ولهما أن الجمع المطلق شرط انعقاد الجمعة في حق كل واحد منهم وشرط جواز صلاة كل واحد منهم ينبغي أن يكون سواه فيحصل هذا الشرط ثم يصلي ، ولا يحصل هذا الشرط إلا إذا كان سوى الإمام ثلاثة إذ لو كان مع الإمام اثنان لم يوجد في حق كل واحد منهم الشرط بخلاف سائر الصلوات ; لأن الجماعة فيها ليست بشرط كذا في البدائع أطلق الثلاثة فشمل العبيد والمسافرين والمرضى والأميين والخرس لصلاحيتهم للإمامة في الجمعة إما لكل واحد أو لمن هو مثل حالهم في الأمي والأخرس فصلحا أن يقتديا بمن فوقهما كذا في المحيط ، ولا يرد عليه النساء والصبيان فإن الجمعة لا تصح بهم وحدهم لعدم صلاحيتهم للإمامة فيها بحال ; لأن النساء خرجن بالتاء في ثلاثة أي ثلاثة رجال ، وكذا الصبي ; لأنه ليس برجل كامل والمطلق ينصرف إلى الكامل وشمل ثلاثة غير الثلاثة الذين حضروا الخطبة لما في التجنيس وغيره إذا خطب بحضرة جماعة ثم نفروا وجاء آخرون لم يشهدوا الخطبة فصلى بهم الجمعة أجزأهم

                                                                                        ( قوله : فإن نفروا قبل سجوده بطلت ) بيان لكون الجماعة شرط انعقاد الأداء لا شرط انعقاد التحريمة عند أبي حنيفة وعندهما شرط انعقاد التحريمة وفائدته أنهم لو نفروا بعد التحريمة قبل تقييد الركعة بالسجدة فسدت الجمعة ويستقبل الظهر عنده وعندهما يتم الجمعة ; لأنها شرط انعقاد التحريمة في حق المقتدي فكذا في حق الإمام والجامع أن تحريمة الجمعة إذا صحت صح بناء الجمعة عليها ; ولهذا لو أدركه إنسان في التشهد صلى الجمعة عنده ، وهو قول أبي يوسف إلا أن محمدا تركه هنا لما سيأتي ولأبي حنيفة أن الجماعة في حق الإمام لو جعلت شرط انعقاد التحريمة لأدى إلى الحرج ; لأن تحريمته حينئذ لا تنعقد بدون مشاركة الجماعة إياه فيها وذا لا يحصل إلا أن تقع تكبيراتهم مقارنة لتكبيرة الإمام ، وأنه مما يتعذر مراعاته وبالإجماع ليس بشرط فإنهم لو كانوا حضروا وكبر الإمام ثم كبروا صح تكبيره وصار شارعا في الصلاة وصحت مشاركتهم إياه فلم يجعل شرط انعقاد التحريمة لعدم الإمكان فجعلت شرط انعقاد الأداء ، وهو بتقييد الركعة بالسجدة ; لأن الأداء فعل والحاجة إلى كون الفعل أداء للصلاة وفعل الصلاة هو القيام والقراءة والركوع والسجود ; ولهذا لو حلف لا يصلي فما لم يقيد الركعة بسجدة لا يحنث فإذا لم يقيدها لم يوجد الأداء فلم ينعقد فشرط دوام مشاركة الجماعة الإمام إلى الفراغ عن الأداء ، ولا معتبر ببقاء النسوان والصبيان ، ولا بما دون الثلاث من الرجال ; لأن الجمعة لا تنعقد بهم

                                                                                        فلو قال : فإن نفر واحد منهم لكان أولى قيد بقوله قبل سجوده أي الإمام ; لأنهم لو نفروا بعد سجوده فإنها لا تبطل عندنا خلافا لزفر بناء على أنها عنده شرط بقائها منعقدة إلى آخر الصلاة كالطهارة وستر العورة وعندنا ليست بشرط للبقاء لما عرف في البدائع ومن فروع المسألة ما لو أحرم الإمام ، ولم يحرموا حتى قرأ وركع فأحرموا بعدما ركع ، فإن أدركوه في الركوع صحت الجمعة لوجود المشاركة في الركعة الأولى وإلا فلا لعدمها بخلاف المسبوق فإنه تبع للإمام فيكتفي بالانعقاد في حق الأصل لكونه بانيا على صلاته ، ولا يخفى أن مراد المصنف أنهم نفروا قبل سجوده ، ولم يعودوا قبل سجوده وإلا فلو نفروا قبله وعادوا إليه قبله فلا فساد كما في الخلاصة وفيها وإذا كبر الإمام ومعه قوم متوضئون فلم يكبروا معه حتى أحدثوا ثم جاء آخرون وذهب الأولون جاز استحسانا ، ولو كانوا محدثين فكبر ثم جاء آخرون استقبل التكبير ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وإلا فلو نفروا قبله إلخ ) قال في النهر هذا يفيد أنهم لو عادوا إليه بعدما رفع رأسه من الركوع أنها تصح ، وليس هذا في الخلاصة بل المذكور فيها أنهم لو جاءوا قبل أن يرفع رأسه من الركوع جاز ، ولا بد منه ; لأنهم لو لم يفتتحوا معه ، وإنما أدركوه في الركوع جاز وإلا لا كما في الشرح وغيره فكذا هذا .




                                                                                        الخدمات العلمية