الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في رجل اشترى بطيخا أو قثاء أو فاكهة على أنه بالخيار قلت : أرأيت لو أن رجلا اشترى بطيخا أو قثاء أو فاكهة رطبة تفاحا أو خوخا أو رمانا على أنه بالخيار في ذلك يوما أو يومين أيكون له هذا الخيار الذي شرط في ذلك ؟ قال : لم أسمع من مالك في هذا شيئا وأرى أن ينظر في هذا إلى ما يصنع الناس فإن كانوا يستشيرون في ذلك ويرون هذه الأشياء غيرهم ويحتاجون فيه إلى رأي غيرهم رأيت لهم من الخيار قدر حاجتهم إلى ذلك على ما وصفت لك من الخيار في غيرها من الأشياء مما لا يقع فيه تغيير ولا فساد ، قال : وتفسير ذلك أن لا يغيب المشتري على شيء من ذلك لأنه لا يعرف بعينه إذا غيب عليه .

                                                                                                                                                                                      قال أشهب : ومن الكراهية فيه إذا غيب عليه أنه يصير مرة بيعا إن اختار إجازته ويصير مرة سلفا إن رده ولم يختر إجازة البيع لأنه مما لا يعرف بعينه فيرد مثله ، وقد كان انتفع به وكذلك كل ما لا يعرف بعينه من القطن والكتان والحناء والعصفر والقمح والزيت والعسل والسمن لأنه إنما باعه هذا وما أشبهه على أنه عليه بالثمن الذي باعه به إن شاء ، وإن شاء كان عنده سلفا فيصير سلفا جر منفعة ، وليس هذا مثل العروض ولا الحيوان .

                                                                                                                                                                                      ألا ترى أنك لو بعت من رجل عبدين أو ثوبين بثمن إلى أجل فلما جاء الأجل أخذت منه [ ص: 208 ] أحد عبديك أو أحد ثوبيك ، وثمن الآخر لم يكن بذلك بأس ولم يكن فيه بيع وسلف لأنه رد إليك أحد عبديك بعينه أو أحد ثوبيك فلم يكن سلفا انتفع به ورد مثله ، ولو أنه اشترط عليك في ابتياعه منك الثوبين أو العبدين يوم ابتاعهما منك أنه يرد عليك أحدهما على حاله التي يكون عليها يوم الرد من إخلاق الثوب ويقص العبد بنصف الثمن ، ويعطيك نصف الثمن لم يكن بذلك بأس لأنك إنما بعت أحدهما وأخرت الآخر إلى ذلك الأجل بالثمن الذي يبقى في يد المبتاع منك ، وذلك لا بأس به لأن كل ما يعرف بعينه وينتفع به منه بغير إتلافه تجوز إجارته ، وأنك لو بعت من رجل فاكهة أو شيئا مما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه من القمح والزيت والعسل والقطن والعصفر والكتان وما أشبهه بثمن إلى أجل ثم أردت أن تأخذ قبل محل الأجل أو بعده بعض الثمن وبعض ما بعته به مما وصفت لك لم يصلح ذلك لأنه بيع وسلف ، لأنك لا تعرف ما يرد إليك بعينه أنه لك وأنه لو اشترط عليك في ابتياعه ذلك منك أنه إذا حل الأجل أعطاك نصف الثمن ورد عليك نصف ما اشترى منك لم يصلح ذلك وكان بيعا سلفا لأنه مما لا تجوز فيه الإجارة ولا تجوز إجارة الأطعمة ولا الأدم ولا كل ما ينتفع به إلا بإتلافه إما بأكله وإما بعلفه وإما بشربه ، وكل ما لا يعرف بعينه فذلك فيه لا يصلح ، وإن كانت فيه منفعة لغير أكله وشربه لأنه يعود بيعا وسلفا أعطاك ثمن ما بعته ورد عليك مكان ما أسلفته غيره فهذا وجه هذا وكل ما أشبهه .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية