الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 545 ] 29 - باب

                                الصلاة على النفساء وسنتها

                                خرج فيه :

                                325 332 - من حديث شعبة ، عن حسين المعلم ، عن ابن بريدة ، عن سمرة بن جندب - أن امرأة ماتت في بطن ، فصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام وسطها .

                                التالي السابق


                                لم يخرج البخاري في أحكام النفساء سوى هذا الحديث ، كأنه لم يصح عنده في أحكام النفاس حديث على شرطه . وليس في هذا الحديث سوى الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها .

                                وقد اعترض الإسماعيلي على البخاري في ذلك ، وقال : ليس في الحديث إلا أنها ماتت في بطن ، والمراد أنها ماتت مبطونة ; فلا مدخل للحديث في النفاس بالكلية .

                                وهذا الذي قاله غير صحيح ; فإنه قد خرجه البخاري في ( الجنائز ) ، ولفظه ( صلى على امرأة ماتت في نفاسها ، فقام وسطها ) . وخرجه مسلم كذلك أيضا .

                                ويؤخذ من هذا الحديث أن [دم] النفاس وإن كان يمنع النفساء من الصلاة ، فلا يمنع من الصلاة عليها إذا ماتت فيه . وكذلك دم الحيض ، فإنه يصلى على الحائض والنفساء إذا ماتتا في دمهما ، كما يصلى على الجنب إذا مات . وكل منهم يغسل ويصلى عليه ، إلا أن يكون شهيدا في معركة .

                                [ ص: 546 ] فإن استشهد في معركة وكان عليه غسل جنابة أو حيض أو نفاس ، فهل يغسل أم لا ؟ فيه روايتان عن أحمد ، أشهرهما أنه يغسل .

                                وعلى هذا فلو استشهدت من هي حائض أو نفساء في دمها قبل انقطاعه ففي غسلها وجهان ، بناهما الأصحاب على أن الموجب لغسل الحيض والنفاس هل هو خروج الدم ؟ أو انقطاعه ؟

                                ولو خرج البخاري هاهنا حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس لما نفست بمحمد بن أبي بكر بالشجرة أن تغتسل وتهل - لكان حسنا ; فإنه يدل على أن حكم النفاس حكم الحيض في الإهلال بالحج .

                                وقد خرجه مسلم من حديث جابر وعائشة ، إلا أن حديث جابر ليس هو على شرط البخاري .

                                ودم النفاس حكمه حكم دم الحيض فيما يحرمه ويسقطه ، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء ، منهم ابن جرير وغيره .

                                واختلف العلماء في أقل النفاس وأكثره :

                                أما أقله فأكثرهم على أنه لا حد له ، وأنها لو ولدت ورأت قطرة من دم كانت نفاسا . وهو قول عطاء ، والشعبي ، والثوري ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد في ظاهر مذهبه ، وإسحاق ، وأبي ثور ، ومحمد بن الحسن وغيرهم . وهو الصحيح عن أبي حنيفة وأبي يوسف .

                                وعن أبي حنيفة رواية : أقله خمسة وعشرون يوما . وعن أبي يوسف : أقله أحد عشر يوما .

                                وعن الثوري رواية : أقله ثلاثة أيام كالحيض عنده ، وحكي عن أحمد رواية كذلك أن أقله ثلاثة أيام ، وحكي عنه رواية أن أقله يوم .

                                وعن المزني : أقله أربعة أيام . وعن الحسن : أقله عشرون يوما .

                                [ ص: 547 ] وأما أكثره فأكثر العلماء على أن أكثره أربعون يوما ، وحكاه بعضهم إجماعا من الصحابة .

                                قال إسحاق : هو السنة المجمع عليها . قال : ولا يصح في مذهب من جعله إلى شهرين سنة ، إلا عن بعض التابعين . قال الطحاوي : لم يقل بالستين أحد من الصحابة ، إنما قاله بعض من بعدهم . وكذا ذكر ابن عبد البر ، وغير واحد .

                                وممن روي عنه توقيته بالأربعين من الصحابة عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وأنس ، وعثمان بن أبي العاص ، وعائذ بن عمرو ، وأم سلمة .

                                وممن ذهب إلى هذا الثوري ، وابن المبارك ، والليث ، والأوزاعي في رواية ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، والمزني ، وحكاه الإمام أحمد عن أهل الحديث ، وحكاه الترمذي عن الشافعي ، وهو غريب عنه .

                                وحكى الترمذي عن الحسن أن أكثره خمسون يوما . وعن عطاء والشعبي : أكثره ستون يوما .

                                وقد اختلف فيه عن عطاء والحسن ، وروي عنهما : أكثره أربعون يوما .

                                وممن قال بالستين الشعبي ، والعنبري ، ومالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وحكي رواية عن أحمد .

                                وحكى الليث عن بعض العلماء أن أكثره سبعون يوما .

                                وقيل : لا حد لأكثره ، وإنما يرجع إلى عادات النساء ، وحكي عن الأوزاعي ، وهو رواية عن مالك . ونقل ابن القاسم أن مالكا رجع إلى ذلك .

                                وحكي عن ربيعة : أكثره ثلاثة أشهر .

                                وقيل : أكثره من الغلام ثلاثون يوما ومن الجارية أربعون يوما ، قاله [ ص: 548 ] مكحول ، وسعيد بن عبد العزيز ، وحكاه الأوزاعي عن أهل دمشق .

                                وقيل : أكثره من الغلام خمسة وثلاثون يوما ومن الجارية أربعون ، رواه الخشني عن الأوزاعي .

                                وحكي عن الضحاك : أكثره أربع عشرة ليلة .

                                وفي الباب أحاديث مرفوعة فيها ضعف ، ومن أجودها ما خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث مسة الأزدية ، عن أم سلمة ، قالت : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما .

                                وخرجه أبو داود بلفظ آخر ، وهو ( كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة ، لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس ) .

                                وصححه الحاكم ، وفي متنه نكارة ; فإن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لم يلد منهن أحد بعد فرض الصلاة ; فإن خديجة - عليها السلام - ماتت قبل أن تفرض الصلاة .

                                ومتى انقطع الدم قبل بلوغ أكثره فهي طاهرة ، تصوم وتصلي .

                                وهل يكره وطؤها ؟ أم لا ؟ فيه قولان :

                                أحدهما أنه يكره ، وهو مروي عن طائفة من الصحابة ، وأن النفساء لا توطأ إلا بعد الأربعين وإن انقطع دمها قبل ذلك ، منهم : علي ، وابن عباس ، وعثمان بن أبي العاص ، وعائذ بن عمرو ، وأم سلمة . وهو ظاهر مذهب أحمد ، وروي أيضا عن مالك ، وسعيد بن عبد العزيز .

                                وحكي عن أحمد تحريمه .

                                [ ص: 549 ] وقال آخرون : لا يكره ذلك ، وهو قول الأوزاعي والشافعي ، وحكي رواية عن أحمد .

                                وعن أبي حنيفة : لا يكره إلا أن ينقطع دمها لدون عادتها ، فلا توطأ حتى تذهب أيام عادتها .

                                وقال إسحاق : يكره احتياطا إلا أن ينقطع لعادة كانت لها فلا يكره ; لأن احتمال عوده حينئذ بعيد جدا ، فهي كحائض انقطع دمها لعادتها لدون أكثر الحيض .



                                الخدمات العلمية