الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 528 ] 72 - باب

                                كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان

                                446 458 - حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن رجلا أسود - أو امرأة سوداء - كان يقم المسجد، فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: مات. فقال: " أفلا كنتم آذنتموني به؟ دلوني على قبره " - أو "على قبرها" - فأتى قبرها فصلى عليها "

                                التالي السابق


                                فيه دليل على أن قم المسجد حسن مندوب إليه فإن هذا الذي كان يقم المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن حاله يخفى عليه.

                                والقم: هو إخراج القمامة، وهي الزبالة.

                                وقد روي من وجوه أخر أنها كانت امرأة، من غير شك:

                                فروى إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي، عن سليمان بن بلال ، عن العلاء ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، قال: كانت سوداء تلتقط الخرق والعيدان من المسجد، فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: ماتت من الليل، ودفنت، وكرهنا أن نوقظك، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبرها، وصلى عليها، وقال: "إذا مات أحد من المسلمين فلا تدعوا أن تؤذنوني به".

                                وروى ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن المغيرة ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، قال: كانت سوداء تقم المسجد، فتوفيت ليلا، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بموتها، فقال: "ألا آذنتموني بها؟" فخرج بأصحابه، فوقف على [ ص: 529 ] قبرها، فكبر عليها والناس خلفه، فدعا لها، ثم انصرف.

                                خرجه ابن ماجه .

                                وقد روي أن هذه المرأة يقال لها: أم محجن :

                                فروى محمد بن حميد الرازي : ثنا مهران بن أبي عمر ، عن أبي سنان ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبر حديث عهد بدفن، ومعه أبو بكر وعمر ، فقال: " قبر من هذا؟ " قال أبو بكر : هذه - يا رسول الله - أم محجن ، كانت مولعة بأن تلتقط الأذى من المسجد. قال: "ألا آذنتموني؟" قالوا: كنت نائما، فكرهنا أن نجهدك. قال: "فلا تفعلوا; فإن صلاتكم على موتاكم تنور لهم في قبورهم" قال: فصف بأصحابه; فصلى عليها .

                                وفي هذا الإسناد ضعف.

                                وروى أبو الشيخ الأصبهاني في "كتاب ثواب الأعمال" بإسناد له، عن عبيد بن مرزوق ، قال: كانت بالمدينة امرأة يقال لها: أم محجن ، تقم المسجد، فماتت، فلم يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم فمر على قبرها، فقال: "ما هذا القبر؟" قالوا: أم محجن . فقال: "التي كانت تقم المسجد؟" قالوا: نعم. فصف الناس، وصلى عليها، ثم قال: "أي العمل وجدت أفضل؟" قالوا: يا رسول الله، أتسمع؟ قال: "ما أنتم بأسمع منها" فذكر أنها أجابته: قم المسجد .

                                [ ص: 530 ] وهذا مرسل غريب.

                                وقد ذكرنا فيما تقدم حديث الأمر باتخاذ المساجد في الدور ، وأن تنظف وتطيب.

                                وروى ابن جريج ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " عرضت علي أجور أمتي، حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ".

                                خرجه أبو داود والترمذي .

                                والمطلب لم يسمع من أنس -: قاله ابن المديني وغير واحد. وابن جريج قال الدارقطني : لم يسمع من المطلب . قال: ويقال: إنه كان يدلسه عن ابن أبي سبرة وغيره من الضعفاء.

                                وكنس المساجد وإزالة الأذى عنها فعل شريف، لا يأنف منه من يعلم آداب الشريعة، وخصوصا المساجد الفاضلة، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فحكها بيده ، وقد سبق هذا الحديث.

                                وروى وكيع : ثنا كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، أن عمر أتى مسجد قباء على فرس له، فصلى فيه ركعتين، ثم قال: يا أوفى ، ائتني بجريدة، فأتاه بجريدة، فاحتجز عمر بثوبه، ثم كسحه.

                                وقال أبو نعيم الفضل : ثنا أبو عاصم الثقفي ، قال: كنت أمشي أنا والشعبي في المسجد، فجعل يطأطئ رأسه، فقلت: ماذا تأخذ؟ قال: المشاطة والصوف.



                                الخدمات العلمية