الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2354 4 - حدثنا محمد بن العلاء ، قال : حدثنا حماد بن أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة ، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية ; فهم مني وأنا منهم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ، ثم اقتسموه بينهم " ، ولا يخفى على المتأمل ذلك ، وهذا الإسناد بعينه مضى في باب فضل من علم .

                                                                                                                                                                                  وبريد ، بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة يروي عن جده أبي بردة ، واسمه الحارث ، وقيل : عامر ، وقيل : اسمه كنيته ، يروي عن أبيه ( أبي موسى الأشعري ) ، واسمه عبد الله بن قيس .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الفضائل ، عن أبي موسى الأشعري ، وأبي كريب . وأخرجه النسائي في السير ، عن موسى بن هارون .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إن الأشعريين " ، جمع أشعري بتشديد الياء ، نسبة إلى الأشعر قبيلة من اليمن ، ويروى أن الأشعرين بدون ياء النسبة ، وتقول العرب : جاءك الأشعرون بحذف الياء . قوله : " إذا أرملوا " ، أي : إذا فني زادهم من الإرمال ، بكسر الهمزة ، وهو فناء الزاد ، وإعواز الطعام ، وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة ، كما في قوله تعالى : ذا متربة قوله : " فهم مني " ، أي : متصلون بي ، وكلمة من هذه تسمى اتصالية نحو لا أنا من الدد ، ولا الدد مني . وقال النووي : معناه المبالغة في اتحاد طريقهما ، واتفاقهما في طاعة الله تعالى . وقيل : المراد فعلوا فعلي في المواساة .

                                                                                                                                                                                  وفيه منقبة عظيمة للأشعريين من إيثارهم ، ومواساتهم بشهادة سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأعظم ما شرفوا به كونه أضافهم إليه . وفيه استحباب خلط الزاد في السفر والحضر أيضا ، وليس المراد بالقسمة هنا القسمة المعروفة عند الفقهاء ، وإنما المراد هنا إباحة بعضهم بعضا بموجوده ، وفيه فضيلة الإيثار والمواساة . وقال بعضهم : وفيه جواز هبة المجهول . ( قلت ) : ليس شيء في الحديث يدل على هذا ، وليس فيه إلا مواساة بعضهم بعضا ، والإباحة ، وهذا لا يسمى هبة ; لأن الهبة تمليك المال ، والتمليك غير الإباحة ، وأيضا الهبة لا تكون إلا بالإيجاب والقبول لقيام العقد بهما ، ولا بد فيها من القبض عند جمهور العلماء من التابعين وغيرهم ، ولا يجوز فيما يقسم إلا محوزة مقسومة ، كما عرف في موضعها .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية