الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  294 5 - حدثنا المكيبن إبراهيم قال : حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة أن زينب ابنة أم سلمة حدثته ، أن أم سلمة حدثتها قالت : بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي ، قال : أنفست؟ قلت : نعم ، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه المطابقة قد ذكرناه مستقصى .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم ستة : الأول مكيبن إبراهيم بن بشير التميمي أبو السكن البلخي رضي الله عنه، الثاني هشام الدستوائي رضي الله عنه، الثالث يحيى بن كثير بالثاء المثلثة رضي الله عنه، الرابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه ، الخامس زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها ، السادس أم سلمة أم المؤمنين واسمها هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة المفرد في موضعين ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه أبو سلمة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما ، وليست كنيتان باعتبار شخص واحد بل سلمة الأول هو ولد ابن عبد الرحمن رضي الله تعالى عنه ، وسلمة الثاني ولد ابن عبد الأسد رضي الله تعالى عنه ، والغرض أن أبا سلمة رضي الله تعالى عنه ليس أبا ربيب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفيه أن يحيى روى عن أبي سلمة رضي الله عنه بالعنعنة ، وفي رواية مسلم روى عنه بالتحديث قال : حدثني أبو سلمة . أخرجها من طريق معاذ بن هشام عن أبيه ، وفيه رواية التابعي عن صحابية ، وفيه أن رواته ما بين بلخي وبصري ويماني ومدني.

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) :

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في الصوم عن مسدد رضي الله عنه، وفي الطهارة أيضا عن سعد بن حفص عنه ، وأخرجه مسلم في الطهارة عن أبي موسى محمد بن المثنى ، وأخرجه النسائي رضي الله عنه فيه عن عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم ، وعن إسماعيل بن مسعود رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لغاته وإعرابه ) :

                                                                                                                                                                                  قوله : ( بينا ) ، أصله بين، أشبعت فتحة النون بالألف ، وبينا وبينما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ومضافان إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى ، والأفصح في جوابها أن لا يكون فيه إذ وإذا ، وهاهنا جاء الجواب بإذ ، وهو قوله : ( إذ حضت ) ، وهو العامل فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( مضطجعة ) أصله مضتجعة ; لأنه من باب الافتعال فقلبت التاء طاء ، ويجوز فيه الرفع والنصب ; أما الرفع فعلى الخبرية ، وأما النصب فعلى الحال .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( في خميصة ) ، بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم ، وهي كساء مربع له علمان ، وقيل : الخمائص ثياب من خز ثخان سود وحمر ، ولها أعلام ثخان أيضا قاله ابن سيده ، وفي الصحاح : كساء أسود مربع وإن لم يكن معلما فليس بخميصة ، وفي الغريبين ، قال الأصمعي : الخمائص ثياب خز أو صوف معلمة ، وهي سود كانت من لباس الناس . وقال ابن سيده : والخميلة والخملة القطيفة . وقال السكري : الخميل القطيفة ذات الخمل ، والخمل هدب القطيفة ونحوها مما ينسج ويفضل له فضول ، وفي الصحاح : هي الطنفسة ، وزعم النووي رحمه الله أن أهل اللغة قالوا [ ص: 264 ] هو كل ثوب له خمل من أي لون كان . وقيل : هو الأسود من الثياب .

                                                                                                                                                                                  قولها : فانسللت أي ذهبت في خفية لاحتمال وصول شيء من الدم إليه صلى الله عليه وسلم ، أو لأنها تقذرت نفسها ولم ترتضها لمضاجعته صلى الله عليه وسلم ، وخافت أن ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، فانسلت لئلا تشغله حركتها عما هو فيه من الوحي أو غيره .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أنفست ؟ ) بفتح النون وكسر الفاء .قال النووي رحمه الله : هذا هو الصحيح في اللغة بمعنى حضت ، فأما في الولادة فنفست بضم النون وكسر الفاء ، وقيل : بضم النون وفتحها ، وفي الحيض بالفتح لا غير ، وفي الواعي نفست بضم النون حاضت ، وفي نوادر اللحياني ومن خط أبي موسى الحافظ : نفست المرأة تنفس بالكسر في الماضي والمستقبل إذا حاضت ، وفي أدب الكتاب عن ثعلب : النفساء الوالدة والحامل والحائض . وقال ابن سيده : والجمع من كل ذلك نفساوات ونفاس ونفاس ونفس ونفس ونفس ونفس ونفاس .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( ثياب حيضتي ) بكسر الحاء وهي حالة الحيض ، هذا هو الصحيح المشهور . وقال الكرماني : وقيل : يحتمل فتح الحاء هنا أيضا ; فإن الحيضة بالفتح هي الحيض . قلت : لا يقال هنا بالاحتمال ; فإن كلا منهما لغة ثبتت عن العرب ، وهي أن الحيضة بالكسر الاسم من الحيض ، والحال التي تلزمها الحائض من التجنب والتحيض كالجلسة والقعدة من الجلوس والقعود فأما الحيضة بالفتح فالمرة الواحدة من دفع الحيض أو ثوبه وأنت تفرق بينهما بما تقتضيه قرينة الحال من مساق الحديث ، وجاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها : ليتني كنت حيضة ملقاة ، هي بالكسر خرقة الحيض ، وجزم الخطابي هنا برواية الكسر ، ورجحها النووي ورجح القرطبي رواية الفتح لوروده في بعض طرقه بلفظ حيض بغير تاء .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر استنباط الأحكام ) :

                                                                                                                                                                                  منها جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع معها في لحاف واحد . ومنها استحباب اتخاذ المرأة ثيابا للحيض غير ثيابها المعتادة . ومنها أن عرقها طاهر ، فإن قلت : قال الله تعالى : فاعتزلوا النساء في المحيض قلت : معناه : فاعتزلوا وطأهن . ومنها التنبيه على أن حكم الحيض والنفاس واحد في منع وجوب الصلاة وعدم جواز الصوم ودخول المسجد والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : لم لم ينص البخاري على حكم النفاس وحده ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : قال المهلب : لأنه لم يجد حديثا على شرطه في حكم النفاس .

                                                                                                                                                                                  واستنبط من الحديث أن حكمهما واحد . قلت : النصوص فيها كثيرة ، منها حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما . وقال الحاكم : صحيح الإسناد . وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث سهيل عن مسة الأزدية عن أم سلمة ، وحسنه البيهقي والخطابي . وقال الأزدي : حديث مسة أحسنها ، وعند الدارقطني أن أم سلمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم تجلس المرأة إذا ولدت ؟ قال : أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                  وعند ابن ماجه من حديث سلام بن سليم عن حميد عن أنس رضي الله عنه: وقت النبي صلى الله عليه وسلم للنفساء أربعين يوما .

                                                                                                                                                                                  وحديث عثمان عن أبي العاص مثله ، وضعفه ابن عدي . وقال الحاكم : إن سلم هذا الإسناد من أبي بلال ، فإنه مرسل صحيح ، فإن الحسن لم يسمع من عثمان .

                                                                                                                                                                                  وحديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أخرجه الحاكم في المستدرك . وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب الحيض . وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ضعفه ابن عدي . وحديث عائذ بن عمرو ضعفه الدارقطني . وحديث جابر رضي الله تعالى عنه رواه الطبراني في معجمه الأوسط . وحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ضعفه ابن حزم . وحديث العلاء بن كثير عن أبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهما رواه ابن عدي بالإرسال فيما بين مكحول وبينهما ، وأما موقوف ابن عباس فسنده صحيح في مسند الدارمي وخرجه أيضا ابن الجارود في المنتقى ، وفي كتاب الأحكام لأبي علي الطوسي : أجمع أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي ، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا : لا تدع الصلاة بعد الأربعين ، وهو قول أكثر أهل العلم من الفقهاء ، ويروى عن الحسن : تدع الصلاة خمسين يوما . وعن عطاء : ستين يوما .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية