الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3067 49 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية، قال: حدثنا ابن عم نبيكم، يعني: ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون لقب محمد بن جعفر أبي عبد الله البصري صاحب الكرابيس. قوله: " وقال لي خليفة" هو ابن خياط، هو شيخ البخاري، وأشار بهذا إلى أنه جمع بين روايتي شعبة بن الحجاج، عن قتادة وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أيضا، وساق الحديث على لفظ سعيد بن أبي عروبة، وأبو العالية بالعين المهملة، اسمه رفيع بضم الراء [ ص: 146 ] وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره عين مهملة، الرياحي بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة البصري، وأبو العالية الآخر يروي أيضا عن ابن عباس، واسمه مختلف فيه وشهرته بالبراء بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء، وكان يبري النبل، وهو أيضا بصري.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، عن ابن بشار، عن غندر، عن شعبة نحو الأول. وأخرجه مسلم في الإيمان، عن محمد بن المثنى، وعن محمد بن بشار، كلاهما عن غندر به، وعن عبد بن حميد، عن يونس بن محمد، عن شيبان، عن قتادة أتم من الأول.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه). قوله: " آدم" من الأدمة، وهي في الناس السمرة الشديدة، وقيل: هو من أدمة الأرض، وهي لونها، وبه سمي آدم عليه الصلاة والسلام، والأدمة في الإبل البياض مع سواد المقلتين، يقال: بعير آدم بين الأدمة، وناقة أدماء. قوله: " طوال" بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو، ومعناه: طويل. قوله: " جعد"؛ أي: غير سبط الشعر، وقال ابن الأثير: الجعد في صفات الرجال يكون مدحا وذما، فالمدح معناه: شديد الأسر والخلق، أو يكون جعد الشعر، وهو ضد السبط; لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم.

                                                                                                                                                                                  وأما الذم فهو القصير المتردد الخلق، وقال الداودي: لا أرى جعدا محفوظا; لأن الطوال لا يوصف بالجعودة، وقال ابن التين: هذا كلام غير صحيح; لأن الطول لا ينافيه بل يكون الطويل جعدا وسبطا. قوله: " شنوءة" بفتح الشين المعجمة وضم النون وسكون الواو وفتح الهمزة، قيل: هو من قحطان. وقال الكرماني: شنوءة اسم قبيلة، بطن من الأزد طوال القامات، وقال ابن هشام: شنوءة هو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد، وإنما قيل: أزد شنوءة؛ لشنآن كان بينهم وهو البغض، والنسبة إليه: شنوي، وجه تشبيه موسى عليه الصلاة والسلام برجال شنوءة في الطول والسمرة. قوله: " مربوعا"؛ أي: لا قصيرا ولا طويلا. قوله: " مربوع الخلق" بفتح الخاء؛ أي: معتدل الخلقة، مائلا إلى الحمرة. قوله: " سبط الرأس" بكسر الباء الموحدة وسكونها، ومعناه: مسترسل الشعر، وقال النووي: فتحها وكسرها لغتان مشهورتان، ويجوز إسكانها مع كسر السين ومع فتحها على التخفيف كما في الكتف، وقال: وأما الجعد في صفة موسى عليه السلام؛ فالأولى أن يحمل على جعودة الجسم، وهي اكتنازه واجتماعه لا جعودة الشعر; لأنه جاء في رواية أبي هريرة أنه رجل الشعر.

                                                                                                                                                                                  قوله: " والدجال" بالنصب؛ أي: ورأيت الدجال. قوله: " في آيات"؛ أي: في آيات أخرى "أراهن الله إياه"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: " فلا تكن في مرية" بكسر الميم، وهو الشك، قال النووي: هذا استشهاد من بعض الرواة على أنه - صلى الله عليه وسلم - لقي موسى عليه الصلاة والسلام. وقال الكرماني: الظاهر أنه كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والضمير راجع إلى الدجال والخطاب لكل واحد من المسلمين.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية