الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  303 14 - حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم ، فربما وضعت الطست تحتها من الدم، وزعم عكرمة أن عائشة رأت ماء العصفر ، فقالت : كأن هذا شيء كانت فلانة تجده .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 279 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 279 ] مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله وهم خمسة ) :

                                                                                                                                                                                  الأول : إسحاق بن شاهين بكسر الهاء أبو بشر بكسر الباء ، وسكون الشين المعجمة الواسطي جاوز المائة .

                                                                                                                                                                                  الثاني : خالد بن عبد الله الطحان أبو الهيثم المتصدق بوزن نفسه الفضة ثلاث مرات .

                                                                                                                                                                                  الثالث : خالد بن مهران ، الذي يقال له الحذاء بالحاء المهملة والذال المعجمة المشددة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : عكرمة مولى ابن عباس .

                                                                                                                                                                                  الخامس : عائشة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين .

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن رواته ما بين واسطي وبصري ومدني ، وهو عكرمة ، والحذاء هو البصري ، ومدار هذا الحديث عليه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) :

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا ، عن مسدد في هذا الباب .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه في الصوم ، عن قتيبة ، عن يزيد بن زريع .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود في الصوم ، عن محمد بن عيسى ، وقتيبة

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي في الاعتكاف ، عن قتيبة وأبي الأشعث العجلي ومحمد بن عبد الله بن ربيع .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه ابن ماجه في الصوم ، عن الحسن بن محمد بن الصباح ، عن عفان بن مسلم ، خمستهم عن يزيد بن زريع .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لغاته ومعانيه وإعرابه )

                                                                                                                                                                                  قولها : ( بعض نسائه ) برفع بعض لأنه فاعل اعتكف .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( وهي مستحاضة ) جملة اسمية وقعت حالا ، ووجه التأنيث مع أن لفظة هي ترجع إلى لفظ بعض اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه ، أو التأنيث باعتبار ما صدق عليه لفظ البعض ، وهو المراد ، وإنما لحق تاء التأنيث في المستحاضة وإن كانت المستحاضة من خصائص النساء للإشعار بأن الاستحاضة حاصلة لها بالفعل .

                                                                                                                                                                                  قولها: ( ترى الدم ) جملة من الفعل والفاعل والمفعول صفة لازمة للمستحاضة ، وهو دليل على أن المراد أنها كانت في حال الاستحاضة لا أن من شأنها الاستحاضة ، يعني أنها مستحاضة بالفعل لا بالقوة ، ويجوز أن تكون التاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية ، وإنما لم يجز أن يقال : المستحيضة على بناء المعلوم ; لأن المتبع هو الاستعمال وهو لم يستعمل إلا مجهولا كما في نحو جن من الجنون . وقال الجوهري : استحيضت المرأة استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة . فإن قلت : قال ابن الجوزي : ما عرفنا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من كانت مستحاضة ، قال : والظاهر أن عائشة رضي الله تعالى عنها أشارت بقولها : ( من نسائه ) ، أي : من النساء المتعلقات به ، وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، كأن ابن الجوزي قد ذهل عن الروايتين في هذا الباب ، إحداهما امرأة من أزواجه والأخرى كان بعض أمهات المؤمنين اعتكفت وهي مستحاضة ، على ما يأتيان عن قريب ، وأيضا فقد يبعد أن يعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلما مرأة من غير زوجاته ، وإن كان لها به تعلق ، وذكر ابن عبد البر أن بنات جحش الثلاثة كن مستحاضات زينب أم المؤمنين وحمنة زوج طلحة وأم حبيبة زوج عبد الرحمن بن عوف ، وهي المشهورة منهن بذلك وسيأتي حديثها .

                                                                                                                                                                                  وذكروا في هذه المبهمة ، وهو قولها : ( بعض نسائه ) - ثلاثة أقوال ، فقيل : هي سودة بنت زمعة . وقيل : رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان . وقيل : زينب بنت جحش الأسدية أول من مات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعده ، وأما على ما زعم ابن الجوزي من أن المستحاضة ليست من أزواجه صلى الله عليه وسلم ، فقد روي : فكانت زينب بنت أم سلمة استحيضت وهي لها تعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم ; لأنها ربيبته ، ولكن هذا الحديث رواه أبو داود من حكاية زينب على غيرها ، وهو الأشبه ; فإن زينب كانت صغيرة في زمنه صلى الله عليه وسلم ; لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة وزينب ترضع ، قولها : ( الطست ) أصله الطس بالتضعيف ، فأبدلت إحدى السينين تاء للاستثقال ، فإذا جمعت أو صغرت رددت إلى أصلها ، فقلت : طساس وطسيس ، وفي اللغة البلدية بالشين المعجمة ، ويجمع على طشوت قولها : ( من الدم ) كلمة من ابتدائية ، أي : لأجل الدم قاله الكرماني قلت : "من" هنا للتعليل . قولها : ( وزعم ) فعل ماض وفاعله عكرمة ، وهو بمعنى قال ، قال الكرماني : أو لعله ما ثبت صريح القول من عكرمة بذلك ، بل علم من قرائن الأحوال منه ، فلهذا لم يسند القول إليه صريحا ، وهذا إما تعليق من البخاري ، وإما من تتمة قول خالد الحذاء ، فيكون مسندا ، أو هو عطف من جهة المعنى على عكرمة ، أي : قال خالد : قال عكرمة وزعم عكرمة . انتهى . وقال بعضهم : وزعم معطوف على معنى العنعنة ، أي : حدثني عكرمة بكذا ، وزعم كذا ، وأبعد من زعم أنه معلق انتهى . قلت : هذا القائل يريد بذلك الرد على الكرماني فلا وجه لرده ; لأن وجه الكلام هو الذي قاله وتردد هذا الاحتمال لا يدفع بقوله ، وزعم معطوف على معنى العنعنة ، والعطف من أحكام الظواهر في الأصل .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( ماء العصفر ) بضم العين المهملة وبالفاء وسكون الصاد المهملة ، وهو زهر القرطم .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( كأن ) بتشديد النون قبلها همزة .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( فلانة ) الظاهر أنها هي المرأة التي ذكرت قبل ، وفلانة غير منصرف كناية عن اسمها . قال الزمخشري : فلان وفلانة كناية عن أسماء الإناث ، وإذا [ ص: 280 ] كنوا عن أعلام البهائم أدخلوا اللام ، فقالوا : الفلان والفلانة .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( تجده ) ، أي : في زمن استحاضتها .

                                                                                                                                                                                  ومما يستنبط منه : جواز اعتكاف المستحاضة وجواز صلاتها ; لأن حالها حال الطاهرات ، وأنها تضع الطست لئلا يصيب ثوبها أو المسجد وأن دم الاستحاضة رقيق ليس كدم الحيض ، ويلحق بالمستحاضة ما في معناها كمن به سلس البول والمذي والودي ، ومن به جرح يسيل في جواز الاعتكاف .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية