الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3184 35 - وحدثني عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن أيوب السختياني ، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ، يزيد أحدهما على الآخر ، عن سعيد بن جبير قال ابن : عباس أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل ، فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ، فقالت له ذلك مرارا ، وجعل لا يلتفت [ ص: 254 ] إليها ، فقالت له : آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا ، ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه ، فقال : رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم حتى بلغ يشكرون ، 30 وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ، أو قال : يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعه ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة ، فقامت عليها ، ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات .

                                                                                                                                                                                  قال ابن عباس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فذلك سعي الناس بينهما ، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا ، فقالت : صه تريد نفسها ، ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه ، أو قال : بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه ، وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف .

                                                                                                                                                                                  قال ابن عباس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ، أو قال : لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا ، قال : فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة ، فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول ، فتأخذ عن يمينه وشماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة منجرهم ، أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء ، فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرا عائفا ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء ، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جريا ، أو جريين ، فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا قال : وأم إسماعيل عند الماء ، فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ فقالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء ، قالوا : نعم .

                                                                                                                                                                                  قال ابن عباس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس ، فنزلوا ، وأرسلوا إلى أهليهم ، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم ، وشب الغلام ، وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، وماتت أم إسماعيل ، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه ، فقالت : خرج يبتغي لنا ، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم ، فقالت : نحن بشر ، نحن في ضيق وشدة ، فشكت إليه قال : فإذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ، وقولي له يغير عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا ، فقال : هل جاءكم من أحد ؟ قالت : نعم ، جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألنا عنك فأخبرته [ ص: 255 ] وسألني : كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا في جهد وشدة قال : فهل أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم ، أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول : غير عتبة بابك ، قال : ذاك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك ، الحقي بأهلك ، فطلقها وتزوج منهم أخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد فلم يجده ، فدخل على امرأته ، فسألها عنه فقالت : خرج يبتغي لنا قال : كيف أنتم ، وسألها عن عيشهم وهيئتهم ؟ فقالت : نحن بخير وسعة ، وأثنت على الله ، فقال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحم ، قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماء ، قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء .

                                                                                                                                                                                  قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ولم يكن لهم يومئذ حب ، ولو كان لهم دعا لهم فيه ، قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال : فإذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ، ومريه يثبت عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل قال : هل أتاكم من أحد ؟ قالت : نعم ، أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك فأخبرته ، فسألني كيف عيشنا فأخبرته : أنا بخير قال : فأوصاك بشيء ؟ قالت : نعم ، هو يقرأ عليك السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال : ذاك أبي ، وأنت العتبة ، أمرني أن أمسكك ، ثم لبث عنهم ما شاء الله ، ثم جاء بعد ذلك ، وإسماعيل يبري له نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم ، فلما رآه قام إليه ، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد ، والولد بالوالد ، ثم قال : يا إسماعيل ، إن الله أمرني بأمر قال : فاصنع ما أمرك ربك قال : وتعينني ؟ قال : وأعينك قال : فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا ، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال : فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة ، وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر ، فوضعه له ، فقام عليه وهو يبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، وهما يقولان : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت ، وهما يقولان : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم


                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا من تتمة الحديث الأول ; لأن الحديث الأول جزء يسير منه ، وهذا يوضح القصة كما ينبغي ، وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي ، وعبد الرزاق بن همام ، ومعمر بن راشد .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " المنطق " بكسر الميم ما يشد به الوسط : أي اتخذت أم إسماعيل منطقا ، وكان أول الاتخاذ من جهتها ، ومعناه أنها تزيت بزي الخدم إشعارا بأنها خادمها ، يعني خادم سارة ; لتستميل خاطرها ، وتجبر قلبها ، وفي رواية ابن جريج النطق بضم النون والطاء ، وهو جمع منطق ، وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم ، فحملت منه بإسماعيل ، فلما ولدته غارت منها ، فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء ، فاتخذت هاجر منطقا ، فشدت به وسطها ، وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة ، وهو معنى قوله : " لتعفي أثرها " : أي لأن تعفي يقال : عفا على ما كان منه إذا أصلح بعد الفساد ، ويقال : إن إبراهيم شفع فيها ، وقال لسارة : حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها ، فكانت أول من فعل ذلك ، ووقع في رواية ابن علية عند الإسماعيلي أول ما أحدث العرب جر الذيول عن أم إسماعيل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم جاء بها إبراهيم " قيل : كان على البراق ، وقيل : كان تطوى له الأرض ، قوله : " وهي ترضعه " الواو فيه للحال : أي هاجر ترضع إسماعيل ، قوله : " عند البيت " : أي عند موضع البيع ; لأنه لم يكن في ذلك الوقت بيت ولا بناء ، قوله : " فوضعهما " [ ص: 256 ] عند البيت ، هكذا في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره حتى وضعهما ، قوله : " عند دوحة " بفتح الدال والحاء المهملتين ، وهي الشجرة العظيمة ، قوله : " فوق زمزم " ، هكذا هو في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره فوق الزمزم ، قوله : " في أعلى المسجد " : أي في أعلى مكان المسجد ; لأنه لم يكن حينئذ بني المسجد ، قوله : " جرابا " بكسر الجيم وهو الذي يتخذ من الجلد ، يوضع فيه الزوادة ، قوله : " وسقاء بالنصب " عطف على جرابا وهو بكسر السين ، وهو قربة صغيرة ، وفي رواية تأتي " شنة " بفتح الشين المعجمة ، وتشديد النون ، وهي القربة العتيقة اليابسة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم قفى " بفتح القاف وتشديد الفاء من التقفية ، وهي الإعراض والتولي ، وقال الهروي : معنى قفى ولى ، يعني ولى راجعا إلى الشام ، وفي رواية ابن إسحاق : " فانصرف إبراهيم عليه السلام إلى أهله بالشام ، وترك إسماعيل وأمه عند البيت" ، قوله : " منطلقا " نصب على الحال ، قوله : " فتبعته أم إسماعيل " ، وفي رواية ابن إسحاق : " فاتبعته " ، وفي رواية ابن جريج : " فأدركته بكذا" ، قوله : " إذن لا يضيعنا " ، وفي رواية عطاء : " لن يضيعنا " ، وفي رواية ابن جريج : " حسبي " ، وفي رواية إبراهيم بن نافع ، عن كثير فقالت : " رضيت بالله" .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عند الثنية " بفتح الثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف، وهو في الجبل كالعقبة ، وقيل : هو الطريق العالي فيه ، وقيل : أعلى المسيل في رأسه ، قوله : " رب " يعني يا رب ، ويروى " ربي " بالياء هكذا رواية الكشميهني " رب " ، وفي رواية غيره " ربنا " ، كما في القرآن وهو قوله تعالى : ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون قوله : بواد غير ذي زرع هو مكة ، قوله : المحرم وصف البيت بالمحرم ; لأن الله تعالى حرم التعرض له ، والتهاون به ، ولأنه حرم على الطوفان : أي منع منه قوله : ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم يتعلق بقوله : أسكنت أي ما أسكنتهم بهذا الوادي الخلاء البلقع إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ، قوله : فاجعل أفئدة من الناس أي من أفئدة الناس ، وهي جمع فؤاد وهي القلوب ، وقد يعبر عن القلب بالفؤاد ، وقيل : جمع وفود من الناس ، ولو قال : أفئدة للناس لحجت اليهود والنصارى والمجوس قاله سعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                  قوله : تهوي إليهم أي تقصدهم وتسكن إليهم ، قوله : وارزقهم من الثمرات أي التي تكون في بلاد الريف حتى يحبهم الناس فقبل الله دعاءه ، وأنبت لهم بالطائف سائر الأشجار لعلهم يشكرون النعمة ، قوله : " حتى إذا نفد ما في السقاء " : أي حتى إذا فرغ الماء الذي في السقاء ، قوله : " وعطش ابنها " : أي إسماعيل بكسر الطاء في الموضعين قيل : كان عمره في ذلك الوقت سنتين ، وقيل : كان لبنها انقطع ، قوله : " يتلوى " : أي يتمرغ وينقلب ظهر البطن ، ويمينا وشمالا ، واللوي وجع في البطن ، قوله : " أو قال يتلبط " بالباء الموحدة قبل الطاء المهملة : أي يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض ، وقال الداودي : هو أن يحرك لسانه وشفتيه كأنه يموت ، قال الخليل : لبط فلان بفلان الأرض إذا صرعه صرعا عنيفا ، وقال ابن دريد : اللبط باليد ، والخبط بالرجل .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية عطاء بن السائب : " فلما ظمأ إسماعيل جعل يضرب الأرض بعقبيه " ، وفي رواية معمر والكشميهني : " يتلمظ " بالميم والظاء المعجمة ، قوله : " ثم استقبلت الوادي " ، وفي رواية عطاء بن السائب والوادي يومئذ عميق ، قوله : " تنظر " جملة وقعت حالا ، قوله : " فهبطت " بفتح الباء ، قوله : " ثم سعت سعي الإنسان المجهود " : أي الذي أصابه الجهد وهو الأمر المشق ، قوله : " سبع مرات " ، وفي حديث أبي جهم ، وكان ذلك أول من سعى بين الصفا والمروة ، قوله : " فقالت صه " بفتح الصاد المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة ، والمعنى لما سمعت الصوت قالت لنفسها صه : أي اسكتي ، وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج فقالت : " أغثني إن كان عندك خير" ، قوله : " ثم تسمعت " : أي تكلفت في السماع ، واجتهدت فيه ، وهو من باب التفعل ، ومعناه التكلف ، قوله : " قد أسمعت " بفتح التاء من الإسماع ، قوله : " غواث " بفتح الغين المعجمة في رواية الأكثرين وتخفيف الواو ، وفي آخره ثاء مثلثة ، قيل : وليس في الأصوات فعال بفتح أوله غيره ، وحكى ابن الأنباري ضم ، أوله وحكى ابن قرقول كسر أوله أيضا ، وفي رواية أبي ذر الضم والفتح للأصيلي ، وضبطه الدمياطي بالضم ، وضبطه ابن التين بالفتح ، وعلى كل حال هو مشتق من الغوث ، وجزاء الشرط محذوف تقديره إن كان عندك غواث أغثني .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فإذا هي بالملك " كلمة إذا للمفاجأة ، وفي رواية إبراهيم بن نافع ، وابن جريج ، فإذا جبريل ، وفي حديث علي عند الطبري بإسناد حسن فناداها جبريل ، فقال : من أنت ؟ قالت : أنا هاجر أم ولد إبراهيم ، قال : فإلى من وكلكما قالت : إلى الله [ ص: 257 ] قال وكلكما إلى كاف، قوله : " فبحث بعقبه " البحث طلب الشيء في التراب ، وكأنه حفر بطرف رجله . قوله : " أو قال بجناحه " شك من الراوي ، قال الكرماني : ومعنى قال بجناحه أشار به ، وفي رواية إبراهيم بن نافع : فقال بعقبه هكذا ، وغمز عقبه على الأرض ، وفي رواية ابن جريج : فركض جبريل برجله ، وفي حديث علي : ففحص الأرض بإصبعه فنبعت زمزم ، قوله : " حتى ظهر الماء " وفي رواية ابن جريج : ففاض الماء ، وفي رواية ابن قانع : فانبثق أي تفجر ، قوله : " وجعلت تحوضه " أي تجعله كالحوض لئلا يذهب الماء ، وفي رواية ابن قانع : فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر ، وفي رواية الكشميهني من رواية ابن نافع : تحفن بالنون بدل الراء - والأول أصوب - وفي رواية عطاء بن السائب : فجعلت تفحص الأرض بيدها ، قوله : " وتقول بيدها " هكذا هو حكاية فعلها ، وهذا من إطلاق القول على الفعل ، قوله : " عينا معينا " قد مر تفسيره عن قريب ، وفي رواية ابن قانع : كان الماء ظاهرا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا تخافوا الضيعة " أي الهلاك ، ويروى : لا تخافي ، وفي حديث أبي جهم : لا تخافي أن ينفد الماء ، ويروى : لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ ، وأنها عين تشرب بها ضيفان الله ، وزاد في حديث أبي جهم : فقالت : بشرك الله بخير ، وفيه أن الملك يتكلم مع غير الأنبياء عليهم السلام ، قوله : " يبني هذا الغلام " كذا هو بغير ذكر المفعول ، وفي رواية الإسماعيلي " يبنيه " بإظهار المفعول ، قوله : " كالرابية " وهو المكان المرتفع ، قوله : " رفقة " بضم الراء وسكون الفاء وفتح القاف وهي الجماعة المختلطون سواء كانوا في سفرهم أو لا ، قوله : " من جرهم " بضم الجيم والهاء حي من اليمن وهو ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام ، وكان جرهم وأخوه قطورا أول من تكلم بالعربية عند تبلبل الألسن ، وكان رئيس جرهم مضاض بن عمرو ، ورئيس قطورا السميدع ، ويطلق على الجميع جرهم ، وقيل : إن أصلهم من العمالقة ، وفي رواية عطاء بن السائب : وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أو أهل بيت من جرهم " شك من الراوي . قوله : " مقبلين " حال من الإقبال وهو التوجه إلى الشيء . قوله : " من طريق كداء " بفتح الكاف وبالمد ، وكذا هو في جميع الروايات ، واعترض بعضهم بأن كداء بالفتح والمد محل في أعلى مكة ، وأما الذي في أسفلها بضم الكاف والقصر ، والصواب هنا هذا ، يعني بالضم والقصر ، ورد بأنه لا مانع من أن يدخلوها من الجهة العليا وينزلوا من الجهة السفلى ، قوله : " عائفا " بالعين المهملة وبالفاء ، وهو الذي يتردد على الماء ، ويحوم حوله ولا يمضي عنه قاله الخليل ، والعائف الرجل الذي يعرف مواضع الماء من الأرض ، قوله : " لعهدنا " اللام فيه مفتوحة للتأكيد ، قوله : " بهذا الوادي " ظرف مستقر لا لغو . قوله : " وما فيه ماء " الواو فيه للحال ، قوله : " فأرسلوا جريا " بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف وهو الرسول ، ويطلق على الوكيل والأجير ، وسمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله أو لأنه يجري مسرعا في حوائجه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أو جريين " شك من الراوي هل أرسلوا واحدا أو اثنين ، وفي رواية إبراهيم بن نافع " فأرسلوا رسولا " قوله : " فإذا هم بالماء " كلمة إذا للمفاجأة ، فإن قلت : المذكور جري بالإفراد أو جريين بالتثنية فما وجه الجمع ؟ قلت : يحتمل كون ناس آخرين مع الجري من الخدم والأتباع . قوله : " فأقبلوا " أي جرهم أقبلوا إلى جهة الماء ، قوله : " وأم إسماعيل عند الماء " جملة حالية أي كائنة عند الماء مستقرة . قوله : " فقالوا " أي جرهم قالوا بعد حضورهم عند أم إسماعيل . قوله : " فقالت نعم " أي قالت أم إسماعيل نعم أذنت لكم بالنزول . قوله : " فألفى ذلك " بالفاء أي وجد ، قال الكرماني : أي وجد ذلك الجرهمي أم إسماعيل محبة للمؤانسة بالناس ، وقال بعضهم : فألفى ذلك أي وجد ، وأم إسماعيل بالنصب على المفعولية ، ولم يبين فاعل وجد من هو كأنه خفي عليه ، وكذلك خفي على الكرماني حتى جعل فاعل ألفى الجرهمي ، والفاعل لقوله فألفى هو قوله ذلك ، وأم إسماعيل مفعوله ، وذلك إشارة إلى استئذان جرهم ، والمعنى فأتى استئذان جرهم بالنزول أم إسماعيل ، والحال أنها تحب الأنس لأنها كانت وحدها ، وإسماعيل صغير والوحشة متمكنة ، ونظير ما ذكرنا من هذا نظير ما في قول عائشة رضي الله تعالى عنها ما ألفاه السحر عندي إلا نائما ، وفسره ابن الأثير وغيره ، أي ما أتى عليه السحر إلا وهو نائم ، يعني بعد صلاة الليل والفعل فيه للسحر ، قوله : " الأنس " بضم الهمزة ، ويجوز بالكسر أيضا ; لأن الأنس بالكسر جنسها . قوله : " وشب الغلام " أي إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، وفي حديث أبي جهم ونشأ [ ص: 258 ] إسماعيل بين ولدانهم ، أي ولدان جرهم ، قوله : " وتعلم العربية منهم " أي من جرهم ، وقال بعضهم : ، وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية وقع ذلك عند الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ " أول من نطق بالعربية إسماعيل " قلت : ليس فيه تضعيف ذلك لأن المعنى أول من تكلم بالعربية من أولاد إبراهيم إسماعيل عليهما السلام ; لأن إبراهيم وأهله كلهم لم يكونوا يتكلمون بالعربية ، فالأولية أمر نسبي ، فبالنسبة إليهم هو أول من تكلم بالعربية لا بالنسبة إلى جرهم ، قوله : "وأنفسهم" قال الكرماني : أنفسهم بلفظ الماضي ، أي رغبهم فيه وفي مصاهرته ، يقال أنفسني فلان في كذا ، أي رغبني فيه ، وأعجبهم أي أعجبهم في نفاسته ، وقال بعضهم : أنفسهم بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة ، أي كثرت رغبتهم فيه انتهى . قلت : قوله أفعل التفضيل غلط ، وما هو إلا فعل ماض من الإنفاس ، والفاعل فيه إسماعيل ، وهو عطف على تعلم ، وقال ابن الأثير في النهاية: وحديث إسماعيل عليه الصلاة والسلام أنه تعلم العربية وأنفسهم أي رغبهم وأعجبهم وصار عندهم نفيسا ، يقال : أنفسني في كذا : أي رغبني فيه ، قوله : " زوجوه امرأة منهم " قال السهيلي : اسمها جداء بنت سعد ، وعن ابن إسحاق أن اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة ، وفي حديث أبي جهم أنها بنت صدي ولم يسمها ، وقال عمر بن شبة : اسمها حية بنت أسعد بن عملق ، وعن ابن إسحاق أن إسماعيل خطبها إلى أبيها فزوجها منه ، قوله : " وماتت أم إسماعيل " يعني في خلال ذلك ، وفي رواية عطاء بن السائب : فقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر عليها السلام وكان عمرها تسعين سنة فدفنها إسماعيل عليه الصلاة والسلام في الحجر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يطالع تركته " بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك ، والتركة بكسر الراء وسكونها بمعنى المتروكة ، والمراد بها أهله ، والمطالعة النظر في الأمور ، وقال ابن التين : هذا يشعر بأن الذبيح إسحاق ; لأن المأمور بذبحه كان عندما بلغ السعي ، وقد قال في هذا الحديث : إن إبراهيم تركه رضيعا وعاد إليه وهو متزوج ، فلو كان هو المأمور بذبحه لذكر في الحديث أنه عاد إليه في خلال ذلك بين زمان الرضاع والتزويج ، وأجاب الكرماني بأنه ليس فيه نفي مجيئه مرة أخرى قبل موتها وتزوجه ، قلت : بل ليس فيه نفي المجيء أصلا ، بل فيه المجيء مرات ، فإنه جاء فيخبر أبي جهم : كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام .

                                                                                                                                                                                  قوله : " خرج يبتغي لنا " أي يطلب لنا الرزق ، وفي رواية ابن جريج : وكان عيش إسماعيل الصيد يخرج فيتصيد ، وفي حديث أبي جهم : ولكن إسماعيل يرعى ماشية ، ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم سألها عن عيشهم " وزاد في رواية عطاء بن السائب : ، وقال هل عندك من ضيافة . قوله : " فقالت نحن في ضيق وشدة " وفي حديث أبي جهم : فقال لها هل من منزل ؟ فقالت : لاها الله إذا . قال : فكيف عيشكم؟ قال : فذكرت جهدا فقالت : أما الطعام فلا طعام ، وأما الشاء فلا نحلب إلا المصر أي الشخب ، وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ ، الشخب بفتح الشين وسكون الخاء المعجمتين وبباء موحدة السيلان . قوله : " يغير عتبة بابه " العتبة بفتح العين المهملة من فوق والباء الموحدة وهي أسكفة الباب ، وهي هاهنا كناية عن المرأة . قوله : " جاءنا شيخ كذا وكذا " وفي رواية عطاء بن السائب : كالمستخف بشأنه . قوله : " فسألنا عنك " بفتح اللام . قوله : " ذاك أبي " أي ذاك الذي هو أبي إبراهيم . قوله : " وتزوج منهم أخرى " أي تزوج من جرهم امرأة أخرى ذكر الواقدي أن اسمها سامة بنت مهلهل ، وقيل : اسمها عاتكة ، وقيل : بشامة بفتح الباء الموحدة ، وبشين معجمة خفيفة بنت مهلهل بن سعد بن عوف ، وقيل اسمها نجدة بنت الحارث بن مضاض ، وحكى ابن سعد عن ابن إسحاق أن اسمها رعلة بنت يشجب بن يعرب بن يوذان بن جرهم ، وذكر الدارقطني أن اسمها سيدة بنت مضاض ، وقال الجواني : اسمها هالة بنت الحارث بن مضاض ، ويقال : سلمى ، ويقال : الحنفاء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " نحن بخير وسعة " وفي حديث أبي جهم نحن في خير عيش بحمد الله ونحن في لبن كثير ولحم كثير وماء طيب ، قوله : " اللهم بارك لهم في اللحم والماء " وفي رواية إبراهيم بن نافع : اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم . قوله : " فهما لا يخلوان عليهما " أي فاللحم والماء لا يعتمد عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه ، والغرض أن المداومة على اللحم والماء لا يوافق الأمزجة ، وينحرف المزاج عنهما إلا في مكة فإنهما يوافقانه ، وهذا من جملة بركاتها وأثر دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وفي رواية الكشميهني : لا يخلوان بصيغة التثنية ، يقال : خلوت بالشيء واختليت إذا لم تخلط به غيره ، ويقال أخلى الرجل [ ص: 259 ] اللبن إذا غيره ، وفي حديث أبي جهم : ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه . قوله : " هل أتاكم من أحد " وفي رواية عطاء بن السائب : فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل جاءك أحد ؟ قالت : نعم ، شيخ أحسن الناس وجها وأطيب ريحا ، قوله : " أن تثبت عتبة بابك " وفي حديث أبي جهم فإنها فلاح المنزل . قوله : " أن أمسكك " زاد في حديث أبي جهم : ولقد كنت علي كريمة ولقد ازددت علي كرامة ، فولدت لإسماعيل عشرة ذكور . قلت : ولدت اثني عشر رجلا وهم نابت وقيدار وإذميل وميشى ومسمع وذوما وماش وآزر وفطور ونافش وظميا وقيدما ، وكانت له ابنة تسمى نسمة . قوله : " يبري " بفتح الياء وسكون الباء الموحدة ، والنبل بفتح النون وسكون الباء الموحدة السهم قبل أن يركب فيه نصله وريشه ، وهو السهم العربي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " دوحة " وهي التي نزل إسماعيل وأمه تحتها أول قدومهما ووقع في رواية إبراهيم بن نافع من رواء زمزم . قوله : " كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد " يعني من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد ، قوله : " إن الله أمرني بأمر " قيل : كان عمر إبراهيم في ذلك الوقت مائة سنة ، وعمر إسماعيل ثلاثين سنة . قوله : " وتعينني " قال وأعينك ، وفي رواية الكشميهني فأعينك بالفاء ، وفي رواية إبراهيم بن نافع : إن الله قد أمرني أن تعينني عليه . قال : إذن افعل بالنصب . قوله : أكمة بفتحتين وهي الرابية ، قوله : " على ما حولها " يتعلق بقوله ابني ، قوله : " رفعا القواعد " جمع قاعدة ، وفي رواية أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد عن ابن عباس : القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك ، وفي رواية مجاهد عند ابن أبي حاتم أن القواعد كانت في الأرض السابعة ، وفي حديث أبي جهم : فبلغ إبراهيم من الأساس أس آدم عليه الصلاة والسلام ، وجعل طوله في السماء تسعة أذرع ، وعرضه في الأرض يعني دوره ثلاثين ذراعا ، كان ذلك بذراعهم زاد أبو جهم : وأدخل الحجر في البيت ، وكان قبل ذلك زربا لغنم إسماعيل ، وإنما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا ، وجعل له بابا ، وحفر له بئرا عند بابه خزانة للبيت يلقي فيها ما يهدى للبيت ، وفي حديثه أيضا : إن الله أوحى إلى إبراهيم أن اتبع السكينة ، فحلقت على موضع البيت كأنها سحابة ، فحفراه يريد أن أساس آدم الأول ، وقال ابن جرير : حدثنا هناد بن السري ، حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن خالد بن عرعرة أن رجلا قام إلى علي رضي الله تعالى عنه فقال : ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض ؟ فقال : لا ، ولكنه أول بيت وضع للبركة مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا ، وإن شئت أنبأتك كيف بني ، إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا في الأرض ، قال : فضاق إبراهيم بذلك ذرعا ، فأرسل الله السكينة ، وهي ريح خجوج ولها رأسان ، فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت إلى مكة ، فتطوت على موضع البيت كطي الجحفة ، وأمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يبني حيث تستقر السكينة ، فبنى إبراهيم وبقي حجر ، فقال إبراهيم لإسماعيل : ائتني حجرا كما أمرك الله ، قال : فانطلق الغلام يلتمس له حجرا ، فأتاه به ، فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه ، فقال : يا أبت من أتاك بهذا الحجر ؟ قال : أتاني به من لا يتكل على بنائك ، جاء به جبريل عليه الصلاة والسلام من السماء ، فأتماه ، وفي رواية السدي : لما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن قال إبراهيم لإسماعيل : يا بني اطلب لي حجرا حسنا أضعه هاهنا ، قال : يا أبت إني كسلان ، قال علي ذلك ، فانطلق يطلب له حجرا ، وجاء جبريل بالحجر الأسود من الهند ، وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثغامة ، وكان آدم عليه الصلاة والسلام هبط به من الجنة ، فاسود من خطايا الناس ، فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن ، فقال : يا أبت من جاءك بهذا ؟ قال : جاء به من هو أنشط منك ، فبينا هما يدعوان الكلمات التي ابتلى إبراهيم ربه فقال : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم

                                                                                                                                                                                  وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع ، حدثنا عبد الوهاب بن معاوية عن عبد الرحمن بن خالد عن عليان بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل بنيا قواعد البيت من خمسة أجبل ، فقال : ما لكما ولأرضي ؟ فقالا : نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة ، قال : فهاتا البينة على ما تدعيان ، فقامت خمسة أكبش ، فقلن : نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة ، فقال : قد رضيت وسلمت ، ثم مضى.

                                                                                                                                                                                  وذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم بالبيت قلت : ريح خجوج أي شديدة المرور في غير استواء ، قوله : " فتطوت " وفي رواية فتطوقت ، قوله : " مثل الثغامة " بفتح الثاء المثلثة والغين المعجمة ، وهي طير أبيض كبير ، قوله : "من خمسة [ ص: 260 ] أجبل" وعند ابن أبي حاتم : بناه من خمسة أجبل حراء وثبير ولبنان وجبل الطور وجبل الخمر ، قال ابن أبي حاتم : جبل الخمر يعني بفتح الخاء المعجمة هو جبل بيت المقدس ، وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن آدم بناه من خمسة أجبل حراء وطور زيتا وطور سينا والجودي ولبنان وكان ربضه من حراء ، ومن طريق محمد بن طلحة اليتهمي قال : سمعت أنه أسس البيت من ستة أجبل : من أبي قبيس ومن الطور ومن قدس ومن ورقان ومن رضوى ومن أحد ، قلت : حراء بكسر الحاء المهملة والمد وهو جبل من جبال مكة معروف ، وثبير بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة جبل من جبال مكة ، ولبنان بضم اللام وسكون الباء الموحدة جبل بالشام من أعظم الجبال وأصله ممتد من الحجاز إلى الروم ، وجبل الطور على مسيرة سبعة أيام من مصر ، وهو الجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عليه ، وطور زيتا جبل بالقدس ، والجودي جبل مطل على جزيرة ابن عمر على دجلة فوق الموصل ، وطور سينا اختلف فيه فقيل : هو جبل بقرب أيلة وقيل هو جبل بالشام ، وقدس بفتح القاف اثنان : قدس الأبيض وقدس الأسود ، وهما جبلان عند ورقان ، وورقان على وزن قطران جبل أسود بين العرج والرويثة على يمين المار من المدينة إلى مكة ، والعرج بفتح العين المهملة وسكون الراء ، وفي آخره جيم قرية جامعة من أعمال الفرع على أيام من المدينة النبوية ، والرويثة بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ، وهي قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا ، ورضوى من جبل تهامة بينه وبين المدينة سبع مراحل ، وهو من الينبع على يوم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " جاء بهذا الحجر " أراد به الحجر المشهور بمقام إبراهيم عليه السلام ، وفي رواية إبراهيم بن نافع : حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة ، فقام على حجر المقام ، وزاد في حديث عثمان : ونزل عليه الركن والمقام ، فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني عليه ويرفعه له إسماعيل عليه السلام ، فلما بلغ الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه ، وأخذ المقام فجعله لاصقا بالبيت . قوله : " حتى يدورا " من الدوران ، ويروى : حتى يدورا من التدوير .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية