الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  321 32 - حدثنا إبراهيم بن المنذر ، قال : حدثنا معن ، قال : حدثني ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، وعن عمرة ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأمرها أن تغتسل فقال : هذا عرق ، فكانت تغتسل لكل صلاة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم سبعة :

                                                                                                                                                                                  الأول : إبراهيم بن المنذر بضم الميم وسكون النون وكسر الذال المعجمة ، الحزامي بكسر الحاء المهملة ، وبالزاي المخففة سبق في أول كتاب العلم ، ونسبته إلى حزام أحد الأجداد المنتسب إليه .

                                                                                                                                                                                  الثاني : معن بن عيسى القزاز ، بتشديد الزاي الأولى ، مر في باب ما يقع من النجاسات في السمن .

                                                                                                                                                                                  الثالث : محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، بكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ، ومر في باب حفظ العلم .

                                                                                                                                                                                  الرابع : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري .

                                                                                                                                                                                  الخامس : عروة بن الزبير .

                                                                                                                                                                                  السادس عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية الثقة الحجة العالمة ، ماتت سنة ثمان وتسعين . السابع عائشة الصديقة رضي الله عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وبصيغة الإفراد في موضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في أربعة مواضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن رواته كلهم مدنيون ، وفي رواية ابن شهاب ، عن عروة ، وعن عمرة بواو العطف كلاهما ، عن عائشة ، كذا هو في رواية الأكثرين ، وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر ، عن عروة ، عن عمرة ، عن عائشة بحذف الواو ، والمحفوظ إثبات الواو ، وأن ابن شهاب رواه عن شيخين عروة وعمرة ، كلاهما عن عائشة ، وكذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طرق ، عن ابن أبي ذئب ، وكذا أخرجه من طريق عمرو بن الحارث وأبو داود من طريق الأوزاعي ، كلاهما عن الزهري ، وعن عروة وعمرة وأخرجه مسلم أيضا من طريق [ ص: 311 ] الليث ، عن الزهري ، عن عروة وحده ، وكذا من طريق إبراهيم بن سعد وأبو داود من طريق يونس كلاهما عن الزهري ، عن عمرة وحدها قال الدارقطني : هو صحيح من رواية الزهري ، عن عروة ، عن عمرة جميعا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر من أخرجه غيره ) :

                                                                                                                                                                                  قال صاحب ( التلويح ) : هذا حديث أخرجه الستة في كتبهم ، قلت : أخرجه مسلم في الطهارة ، عن قتيبة ، ومحمد بن رمح وأبو داود فيه ، عن يزيد بن خالد بن موهب ، ثلاثتهم عن ليث به .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي والنسائي جميعا فيه ، عن قتيبة به . وقال الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عروة وعمرة ، عن عائشة .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود أيضا ، عن عطاء ، عن محمد بن إسحاق المسيبي ، عن أبيه ، عن ابن أبي ذئب به ، هكذا وقع في رواية اللؤلئي ، عن أبي داود . وقال أبو الحسن بن العبد وأبو بكر بن داسه وغير واحد ، عن أبي داود بإسناده ، عن عروة وعن عمرة ، عن عائشة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما فيه مما يتعلق به من الفوائد ) :

                                                                                                                                                                                  قولها : ( أن أم حبيبة ) هي بنت جحش أخت زينب أم المؤمنين ، وهي مشهورة بكنيتها . وقال الواقدي والحربي : اسمها حبيبة ، وكنيتها أم حبيب بغير هاء ، ورجحه الدارقطني ، والمشهور في الروايات الصحيحة أم حبيبة بإثبات الهاء ، وكانت زوج عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه ، كما ثبت عند مسلم من رواية عمرو بن الحارث ، ووقع في الموطأ ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة : أن زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف كانت تستحاض . الحديث . فقيل : هو وهم . وقيل : بل صواب ، وإن اسمها زينب ، وكنيتها أم حبيبة ، وأما كون اسم أختها أم المؤمنين زينب ، فإنه لم يكن اسمها الأصلي ، وإنما كان اسمها برة ، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم ، فلعله سماها باسم أختها ; لكون أختها غلبت عليها الكنية ، فأمن اللبس ، ولها أخت أخرى اسمها حمنة بفتح الحاء المهملة وسكون الميم ، وفي آخره نون ، وهي إحدى المستحاضات ، وفي كتاب ابن الأثير روى ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة أن أم حبيبة أو حبيب ، وعند ابن عبد البر أكثرهم يسقطون الهاء ، يقولون : أم حبيب ، وأهل السير يقولون : المستحاضة حمنة ، والصحيح عند أهل الحديث أنهما كانتا مستحاضتان جميعا . وقيل : إن زينب أيضا استحيضت ولا يصح .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( سبع سنين ) هو جمع للسنة على سبيل الشذوذ من وجهين :

                                                                                                                                                                                  الأول : أن شرط جمع السلامة أن يكون مفرده مذكرا عاقلا ، وليست كذلك ، والآخر كسر أوله والقياس فتحه .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( فأمرها أن تغتسل ) أي : بأن تغتسل ، وأن مصدرية ، والتقدير : فأمرها بالاغتسال ، وفي رواية مسلم والإسماعيلي : فأمرها أن تغتسل وتصلي ، ثم إن هذا الأمر بالاغتسال مطلق يحتمل الأمر بالاغتسال لكل صلاة ، ويحتمل الاغتسال في الجملة ، وعن أبي داود رواية تدل على الاغتسال لكل صلاة ، وهي حدثنا هناد بن السري ، عن عبدة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرها بالغسل لكل صلاة . وقال البيهقي : رواية ابن إسحاق ، عن الزهري غلط لمخالفتها سائر الروايات عن الزهري ، ولكن يمكن أن يقال : إن كان هذا مخالفة الترك فلا تناقض ، وإن كان هذا مخالفة التعارض ، فليس كذلك ; إذ الأكثر فيه السكوت عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لها بالغسل عند كل صلاة ، وفي بعضها أنها فعلته هي . قلت : قد تابع ابن إسحاق سليمان بن كثير ، قال أبو داود : ورواه أبو الوليد الطيالسي ، ولم أسمعه منه عن سليمان بن كثير ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : استحيضت زينب بنت جحش ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اغتسلي لكل صلاة . وقال أبو داود : رواه عبد الصمد ، عن سليمان بن كثير قال : توضئي لكل صلاة ، ثم قال أبو داود : وهذا وهم من عبد الصمد ، والقول فيه قول أبي الوليد ، يعني قوله : ( توضئي لكل صلاة ) وهم من عبد الصمد .

                                                                                                                                                                                  قلت : ذكر هذا في حديث حماد ، أخرجه النسائي وابن ماجه . وقال مسلم في صحيحه وفي حديث حماد بن زيد حرف تركناه ، وهي : توضئي لكل صلاة . وقال النووي : وأسقطها مسلم لأنها مما انفرد به حماد .

                                                                                                                                                                                  قلنا : لم ينفرد به حماد عن هشام ، بل رواه عنه أبو عوانة ، أخرجه الطحاوي في كتاب ( الرد على الكرابيسي ) من طريقه بسند جيد ، ورواه عنه أيضا حماد بن سلمة ، أخرجه الدارمي من طريقه ، ورواه عنه أيضا أبو حنيفة .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الطحاوي من طريق أبي نعيم وعبد الله بن يزيد المقري ، عن أبي حنيفة ، عن هشام .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي وصححه من طريق وكيع وعبدة وأبي معاوية ، عن هشام . وقال في آخره : وقال أبو معاوية في حديثه : توضئي لكل صلاة ، وقد جاء الأمر أيضا بالوضوء فيما أخرجه البيهقي في باب المستحاضة إذا كانت مميزة من حديث محمد بن عمر ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن فاطمة بنت أبي حبيش إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 312 ] على أن حماد بن زيد لو انفرد بذلك لكان كافيا لثقته وحفظه ، لا سيما في هشام ، وليس هذا بمخالفة بل زيادة ثقة ، وهي مقبولة ، لا سيما من مثله ، وفي التلويح وقوله : ( فكانت تغتسل لكل صلاة ) . قيل : هو من قول الراوي ، ومعناه : تغتسل من الدم الذي كان يصيب الفرج ; إذ المشهور من مذهب عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت لا ترى الغسل لكل صلاة ، يدل على صحة هذا قوله صلى الله عليه وسلم : هذا عرق ; لأن دم العرق لا يوجب غسلا .

                                                                                                                                                                                  وقيل : إن هذا الحديث منسوخ بحديث فاطمة ; لأن عائشة أفتت بحديث فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وخالفت حديث أم حبيبة ، ولهذا إن أبا محمد الإشبيلي قال : حديث فاطمة أصح حديث يروى في الاستحاضة . وقال الشافعي : إنما أمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي ، وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعا ، وكذا قال الليث بن سعد في روايته عند مسلم لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة ، ولكنه شيء فعلته هي ، وإلى هذا ذهب الجمهور ، قالوا : لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة ، لكن يجب عليها الوضوء إلا المتحيرة . وقال الخطابي : هذا الخبر مختصر ليس فيه ذكر حال هذه المرأة ، ولا بيان أمرها وكيفية شأنها ، وليس كل مستحاضة يجب عليها الاغتسال لكل صلاة ، وإنما هي فيمن تبتلى وهي لا تميز دمها ، أو كانت لها أيام فنسيتها وموضعها ووقتها وعددها ، فإذا كانت كذلك فإنها لا تدع شيئا من الصلاة ، وكان عليها أن تغتسل عند كل صلاة ; لأنه يمكن أن يكون ذلك الوقت قد صادف زمان انقطاع دمها ، فالغسل عليها عند ذلك واجب .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية