الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3450 150 - حدثني إسحاق، حدثنا النضر، أخبرنا شعبة، عن أبي جمرة، سمعت زهدم بن مضرب قال: سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قوله: قرنين أو ثلاثا ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق هو ابن راهويه، وبذلك جزم ابن السكن وأبو نعيم في المستخرج. وقال الكرماني: إسحاق إما ابن إبراهيم وإما ابن منصور، والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغر الشمل بالمعجمة مر في الوضوء، وأبو جمرة بفتح الجيم وبالراء نضر بن عمران صاحب ابن عباس، وزهدم بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة، وفي آخره ميم بن مضرب بلفظ اسم الفاعل من التضريب بالضاد المعجمة الجرمي بفتح الجيم.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الشهادات في باب: لا يشهد على جور، ومضى الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  قوله: " خير أمتي قرني " أي: أهل قرني وهم الصحابة، والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، واختلف في القرن من عشرة إلى مائة وعشرين، والأكثرون على أنه ثلاثون سنة. قوله: " ثم الذين يلونهم " أي: القرن الذي بعدهم وهم التابعون. قوله: " فلا أدري " شك عمران بعد قرنه هل ذكر قرنين أو ذكر ثلاثة، وجاء أكثر طرق هذا الحديث بغير شك.

                                                                                                                                                                                  وروى مسلم من حديث عائشة قال رجل: يا رسول الله: أي الناس خير؟ قال: القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث. وروى الطيالسي من حديث عمر يرفعه: " خير أمتي القرن الذي أنا فيه والثاني، ثم [ ص: 171 ] الثالث. ووقع في حديث جعدة بن هبيرة، ورواه ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع، ولفظه: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الآخرون أردى . ورجاله ثقات إلا أن جعدة بن هبيرة مختلف في صحبته، (فإن قلت): روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين بإسناد حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدركن المسيح أقواما إنهم لمثلكم أو خير ثلاثا، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها .

                                                                                                                                                                                  وروى ابن عبد البر من حديث عمر رضي الله تعالى عنه رفعه: أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني . قلت: لا يقاوم المسند الصحيح والثاني ضعيف. قوله: " ثم إن من بعدكم قوما " بنصب قوما عند الأكثرين، ويروى: قوم بالرفع؛ قال بعضهم: يحتمل أن يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف في المنصوب، ويحتمل أن يكون إن تقريرية بمعنى نعم، وفيه بعد وتكلف انتهى. قلت: الاحتمال الأول أبعد من الثاني، والوجه فيه أن يكون ارتفاع قوم على تقدير صحة الرواية بفعل محذوف تقديره: إن بعدكم يجيء قوم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يشهدون ولا يستشهدون " معناه: يظهر فيهم شهادة الزور. قوله: " ويخونون ولا يؤتمنون " قيل: يطلبون الأمانة ثم يخونون فيها. وقيل: ليسوا ممن يوثق بهم. قوله: " وينذرون " بضم الذال وكسرها. قوله: " ويظهر فيهم السمن " بكسر السين وفتح الميم قيل: معناه: يكثرون بما ليس فيهم من الشرف، وقيل: يجمعون الأموال من أي وجه كان، وقيل: يغفلون عن أمر الدين ويقللون الاهتمام به؛ لأن الغالب على السمين أن لا يهتم بالرياضة، والظاهر أنه حقيقة في معناه وقالوا: المذموم منه ما يتكسبه، وأما الخلقي فلا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية