الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3896 158 - حدثنا زكرياء بن يحيى ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : أصيب سعد يوم الخندق ; رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة ، رماه في الأكحل ، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد ليعوده من قريب ، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخندق وضع السلاح واغتسل ، فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار فقال : قد وضعت السلاح ! والله ما وضعته ، اخرج إليهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فأين ؟ فأشار إلى بني قريظة ، فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلوا على حكمه ، فرد الحكم إلى سعد ، قال : فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم . قال هشام : فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال : اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك - صلى الله عليه وسلم - وأخرجوه ، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم ، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك ، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها ! فانفجرت من لبته فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غفار - إلا الدم يسيل إليهم ، فقالوا : يا أهل الخيمة ، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما ، فمات منها رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وزكريا بن يحيى بن صالح البلخي الحافظ الفقيه وهو من أفراده ، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام .

                                                                                                                                                                                  والحديث مر في الصلاة في باب الخيمة في المسجد للمرضى ; فإنه أخرجه هناك بأخصر منه بعين هذا الإسناد عن زكريا بن يحيى - إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  قوله " أصيب سعد " ، وهو سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأوسي الأشهلي .

                                                                                                                                                                                  قوله " حبان " بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ، ابن العرقة - بفتح العين المهملة وكسر الراء وبالقاف ، والعرقة أمه وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم ، وأبوه قيس من بني معيص بن عامر بن لؤي ، وفي بعض النسخ " وهو حبان بن قيس [ ص: 192 ] من بني معيص - بفتح الميم وكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف - ويقال حبان بن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف " .

                                                                                                                                                                                  قوله " في الأكحل " بفتح الهمزة وسكون الكاف وباللام ، وهو عرق في وسط الذراع ، قال الخليل : هو عرق الحياة ، يقال إن في كل عضو منه شعبة ، فهو في اليد أكحل وفي الظهر أثير وفي الفخذ النسا ، إذا قطع لم يرقأ الدم .

                                                                                                                                                                                  قوله " فلما رجع " ، قال القرطبي : الفاء فيه زائدة ، وفي الحديث الذي في الجهاد " ولما رجع " بالواو .

                                                                                                                                                                                  قوله " وضع السلاح " جواب " لما " .

                                                                                                                                                                                  قوله " وهو ينفض " ، الواو فيه للحال ، وروى الطبراني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة قالت : سلم علينا رجل ونحن في البيت ، فقام رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فزعا ، فقمت في أثره فإذا بدحية الكلبي ، فقال : هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة ! وذلك لما رجع من الخندق . قالت : فكأني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح الغبار عن وجه جبريل عليه السلام . وروى أحمد من حديث علقمة بن وقاص عن عائشة " فجاءه جبريل وإن على ثناياه لنقع الغبار " ، وفي مرسل يزيد بن الأصم عند ابن سعد " فقال له جبريل : عفا الله عنك ، وضعت السلاح ولم تضعه ملائكة الله ! " .

                                                                                                                                                                                  قوله " اخرج " بضم الهمزة ، أمر من الخروج .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأتاهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " ; أي فحاصرهم ، وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي الأسود عن عروة " وبعث عليا رضي الله تعالى عنه على المقدمة ورفع إليه اللواء ، وخرج رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - على أثره " ، وكذا في رواية موسى بن عقبة ، وزاد : وحاصرهم بضع عشرة ليلة . وعند ابن سعد : خمس عشرة ليلة . وفي حديث علقمة بن وقاص : خمسا وعشرين .

                                                                                                                                                                                  قوله " فرد الحكم إلى سعد " ; أي فرد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ ، ووجه الرد إليه سؤال الأوس ذلك منه صلى الله تعالى عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله " فإني أحكم فيهم " ; أي في بني قريظة ، وهذا هكذا رواية النسفي ، وفي رواية غيره " أحكم فيه " ; أي في هذا الأمر .

                                                                                                                                                                                  قوله " أن تقتل المقاتلة " ، ذكر ابن إسحاق أنهم جعلوا في دار بنت الحارث ، وفي رواية أبي الأسود عن عروة " في دار أسامة بن زيد " ، ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في بيتين ، ووقع في حديث جابر عند ابن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين ، وقال ابن إسحاق : فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم ، فجرى الدم في الخندق ، وقسم نساءهم وأبناءهم على المسلمين .

                                                                                                                                                                                  واختلف في عدتهم ; فعند ابن إسحاق " كانوا ستمائة " ، وعند ابن عائذ من مرسل قتادة " كانوا سبعمائة " ، وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل ، فيحتمل في طريق الجمع أن يقال إن الباقين كانوا أتباعا ، وقد حكى ابن إسحاق : وقيل إنهم كانوا تسعمائة .

                                                                                                                                                                                  قوله " والذرية " بضم الذال ، وفي التوضيح قال عبد الملك بنصب الذرية ، وقال ابن الأثير : الذرية اسم جمع نسل الإنسان من ذكر وأنثى ، وأصله الهمزة لكنهم حذفوها فلم يستعملوها إلا غير مهموزة ، وتجمع على ذريات وذراري مشددا ، وقيل أصلها من الذر بمعنى التفريق لأن الله ذرهم في الأرض . انتهى ، واختلف في وزنها هل هو فعلية أو فعلولة ؟

                                                                                                                                                                                  قوله " قال هشام : فأخبرني أبي " ; أي عروة ، وهو موصول بالإسناد المذكور أولا .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأبقني له " ; أي للحرب ، وفي رواية الكشميهني " لهم " .

                                                                                                                                                                                  قوله " فافجرها " بوصل الهمزة والجيم ، ثلاثي من فجر يفجر ، متعد ، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى الجراحة ، قيل : كيف استدعى الموت وهو غير جائز ؟ وأجيب بأن غرضه كان أن يموت على الشهادة ، فكأنه قال إن كان بعد هذا قتال معهم فذاك وإلا فلا تحرمني من ثواب هذه الشهادة .

                                                                                                                                                                                  قوله " من لبته " بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة ، موضع القلادة من الصدر ، وهي رواية مسلم والإسماعيلي ، وفي رواية الكشميهني " من ليلته " ، وفي مسند حميد بن هلال عن ابن سعيد أنه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر حتى مات .

                                                                                                                                                                                  قوله " فلم يرعهم " ، من الروع وهو الخوف ، قال الكرماني : مرجع الضمير " بنو غفار " ، والسياق يدل عليه ، وقيل الضمير يرجع إلى أهل المسجد .

                                                                                                                                                                                  قوله " وفي المسجد خيمة من بني غفار " ، الواو فيه للحال ، قيل : الخيمة لبني غفار لا من بني غفار ، وأجيب بأن المضاف فيه محذوف ; أي خيمة من خيام بني غفار ، فإن قلت : ذكر ابن إسحاق أن الخيمة كانت لرفيدة الأسلمية ! قلت : يحتمل أن يكون لها زوج من بني غفار ، وغفار بن مليلة بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وغفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء ، وقال ابن دريد : من غفر إذا ستر .

                                                                                                                                                                                  قوله " فإذا سعد " ، كلمة " إذا " للمفاجأة .

                                                                                                                                                                                  قوله " يغذو " بغين وذال معجمتين ; أي يسيل ، يقال غذا العرق إذا سال دما .

                                                                                                                                                                                  قوله " فمات منها " ; أي من تلك الجراحة .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 193 ] وفي السير : ولما مات أتى جبريل عليه السلام معتجرا بعمامة من إستبرق ، فقال: يا محمد من هذا الذي فتحت له أبواب السماء ، واهتز له العرش ؟ فقام صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إليه ، فوجده قد مات ، ولما حملوا نعشه وجدوا له خفة ، فقال : إن له حملة غيركم ، وقال ابن عائذ : لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا ما وطئوا الأرض إلا يومهم هذا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية