الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3990 249 - حدثني محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا بريد بن عبد الله ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى رضي الله عنه قال : بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم ، إما قال : في بضع ، وإما قال : في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي ، فركبنا سفينة ، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافقنا جعفر بن أبي طالب ، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا ، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر ، وكان أناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة : سبقناكم بالهجرة . ودخلت أسماء بنت عميس - وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة ، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجرن ، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه ؟ قالت : أسماء بنت عميس ، قال عمر : الحبشية هذه البحرية هذه ؟ قالت أسماء : نعم ، قال : سبقناكم [ ص: 252 ] بالهجرة ; فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم ، فغضبت وقالت : كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم ، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن كنا نؤذى ونخاف ، وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا ، قال : فما قلت له ؟ قالت : قلت له كذا وكذا ، قال : ليس بأحق بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ، قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو بردة : قالت أسماء : فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني .

                                                                                                                                                                                  قال أبو بردة : عن أبي موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل ، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل ، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ، ومنهم حكيم إذا لقي الخيل أو قال العدو ، قال لهم : إن أصحابي يأمرونكم أن تنتظروهم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " حين افتتح خيبر " ، ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني ، وهو شيخ مسلم ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ، وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف - ابن عبد الله بن أبي بردة ، واسمه عامر بن أبي موسى الأشعري ، سمع جده أبا موسى عبد الله بن قيس الأشعري ، والحديث مضى مقطعا في الخمس وفي هجرة الحبشة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " مخرج النبي صلى الله عليه وسلم " بفتح الميم إما مصدر ميمي بمعنى خروجه ، أو اسم زمان بمعنى وقت خروجه ، والواو في : " ونحن باليمن " للحال ، قوله : أبو بردة " بضم الباء الموحدة وسكون الراء ، واسمه عامر بن قيس ، وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء - ابن قيس الأشعري ، وقال أبو عمر : وكان لأبي موسى ثلاثة إخوة وأبو بردة عامر وأبو رهم ومجدي بنو قيس بن سليم ، وقيل : اسم أبي رهم مجدي ، ومجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر الدال المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ، وجزم ابن حبان في الصحابة بأن اسمه محمد ، وذكر ابن قانع أن اسمه مجيلة بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وباللام ثم الهاء ، قوله : " أما قال في بضع " ، بكسر الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة ، وقال ابن الأثير : وقد تفتح الباء ، وهو ما بين الثلاث إلى التسع ، وقيل : ما بين الواحد إلى العشرة ; لأنه قطعة من العدد .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : في بضع يتعلق بماذا ، وما محله من الإعراب ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : يتعلق بقوله : " فخرجنا " ، ومحله النصب على الحال .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من قومي " ، وفي رواية المستملي : " من قومه " ، قوله : " سفينتنا " بالرفع ; لأنه فاعل ألقتنا ، قوله : " إلى النجاشي " بفتح النون وتشديد الياء وتخفيفها ، وهو اسم من ملك الحبشة . قوله : " فوافقنا جعفر بن أبي طالب " يعني صادفناه بأرض الحبشة . قوله : " حتى قدمنا جميعا " ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب ومن معه ، فجهزهم وأكرمهم ، وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر ، وسمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر وهم ستة عشر رجلا فيهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة ، قوله : " أسماء بنت عميس " مصغر العمس بالمهملتين - ابن سعد بن الحارث بن تيم بن كعب - الخثعمية ، وأمها هند بنت عوف ، وهي أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخت لبابة أم الفضل زوجة العباس ، وزوج أسماء جعفر بن أبي طالب ، ولما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وولدت له محمد بن أبي بكر ، ثم مات عنها ، فتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فولدت له يحيى بن علي بن أبي طالب ، قوله : " وكان أناس " سمى منهم عمر رضي الله تعالى عنه ، قوله : " وهي ممن قدم معنا " هو كلام أبي موسى ، قوله : [ ص: 253 ] " على حفصة " زاد أبو يعلى : " زوج النبي صلى الله عليه وسلم " ، قوله : " زائرة " نصب على الحال ، قوله : " ألحبشية هذه " بهمزة الاستفهام نسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم ، قوله : " ألبحرية " بهمزة الاستفهام أيضا ، وفي رواية أبي ذر : " ألبحيرية " بالتصغير نسبها إلى البحر لركوبها البحر ، قوله : " في دار " بلا تنوين ; لأنه مضاف إلى البعداء ، قوله : " أو في أرض " شك من الراوي ، والبعداء بضم الباء وفتح العين جمع بعيد ، أي البعداء عن الدين ، قوله : " البغضاء " بضم الباء الموحدة وبالمعجمتين المفتوحتين جمع بغيض ، يعني البغضاء للدين . وفي رواية أبي يعلى : " البعداء أو البغضاء " - بالشك ، وفي رواية النسفي : البعد بضمتين ، وفي رواية القابسي البعد البعداء البغضاء جمع بينهما ، والظاهر أنه فسر الأولى بالثانية ، وفي رواية ابن سعد : " وكنا البعداء والطرداء " ، قوله : " وذلك في الله ورسوله " أي لأجل الله وطلب رضاه ، ولأجل رسوله ، قوله : " وايم الله " همزته همزة وصل ، وقيل : " همزة قطع " بفتح الهمزة ، وقيل : بكسرها ، يقال : ايم الله وايمن الله ، ومن الله ، وقيل : أيمن جمع يمين ، ولما كثر في كلامهم ، حذفوا النون كما قالوا في : لم يكن ، لم يك ، قوله : " نؤذى ونخاف " كلاهما على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أهل السفينة " بنصب أهل على الاختصاص ، أو على حذف حرف النداء ، قوله: " هجرتان " إحداهما إلى النجاشي ، والأخرى إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، قوله : " يأتوني " ، وفي رواية الكشميهني : " يأتون " ، قوله : " أرسالا " بفتح الهمزة ، أي أفواجا يتبع بعضهم بعضا ، والواحد : رسل بفتحتين .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال أبو بردة : عن أبي موسى " هو الراوي عنه ، لا أخو أبي موسى ; لأنه له أخ يسمى أبا بردة أيضا ، وقد ذكرناه ، قوله : " رفقة الأشعريين " الرفقة بضم الراء وكسرها الجماعة ترافقهم في سفرك ، والأشعريين نسبة إلى أشعر أبو قبيلة من اليمن ، وتقول العرب : جاءك الأشعرون - بحذف ياء النسبة ، قوله : " حين يدخلون بالليل " ، قال الدمياطي : صوابه : يرحلون - بالحاء المهملة ، وكذا حكاه عياض عن بعض رواة مسلم أنه اختاره ، وقال النووي : الأول أصح ، والمراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلى المساجد . قوله : " منهم حكيم " قال عياض : قال أبو علي الصدفي : هو صفة لرجل منهم ، وقال أبو علي الجياني : هو اسم علم على رجل من الأشعريين ، قوله : " أو قال العدو " شك من الراوي ، قوله : " أن تنتظروهم " ، كذا هو في الأصول من الانتظار ، وذكره ابن التين بلفظ : تنظروهم ، مثل : انظرونا نقتبس من نوركم ومعنى كلامه : أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ، ولا يبالون ما يصيبهم من ذلك ، ويقال : معناه أن هذا الحكيم لفرط شجاعته كان لا يفر من العدو ، بل يواجههم ويقول لهم : إذا أرادوا الانصراف مثلا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم ليبعثهم على القتال ، هذا بالنظر إلى قوله : أو قال العدو - بالنصب ، أي : أو قال الحكيم : إذا لقي العدو ، وأما بالنظر إلى قوله : " إذا لقي الخيل " ، فيحتمل أن يريد خيل المسلمين ، ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة ، فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدو جميعا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية