الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  39 (وقول النبي صلى الله عليه وسلم أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  ف " قول " مجرور لأنه معطوف على الذي أضيف إليه الباب، فالمضاف إليه مجرور والمعطوف عليه كذلك، والتقدير باب قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما استعمل هذا في الترجمة لوجهين أحدهما لكونها متقاصرة عن شرطه أخرجه ههنا معلقا ولم يسنده في هذا الكتاب، وإنما أخرجه موصولا في كتاب الأدب المفرد والآخر لدلالة معناه على معنى الترجمة، وأخرجه أحمد بن حنبل وغيره موصولا من طريق محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وإسناده حسن، وأخرجه الطبراني من حديث عثمان بن أبي عاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة بنحوه، ومن حديث عفير بن معدان عن سليم بن عامر عنه، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده، وطرق هذا عن سبعة من الصحابة رضي الله عنهم.

                                                                                                                                                                                  قوله " أحب الدين " كلام إضافي مبتدأ بمعنى المحبوبة لا بمعنى المحب وخبره قوله " الحنيفية "، والمراد الملة الحنيفية، فإن قيل: التطابق بين المبتدأ والخبر شرط، والمبتدأ ههنا مذكر والخبر مؤنث. قلت: كأن الحنيفية غلب عليها الاسمية حتى صارت علما، أو أن أفعل التفضيل المضاف لقصد الزيادة على من أضيف إليه يجوز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له. فإن قلت: فيلزم أن تكون الملة دينا وأن تكون سائر الأديان أيضا محبوبا إلى الله تعالى، وهما باطلان إذ المفهوم من الملة غير المفهوم من الدين وسائر الأديان منسوخة. قلت: قال الكرماني: اللازم الأول قد يلتزم، وأما الثاني فموقوف على تفسير المحبة أو المراد بالدين الطاعة أي أحب الطاعات هي السمحة. قلت: لا يخلو الألف واللام في الدين أن يكون للجنس أو للعهد، فإن كان للجنس فالمعنى أحب الأديان إلى الله الحنيفية، والمراد بالأديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ، وإن كان للعهد فالمعنى أحب الدين المعهود وهو دين الإسلام، ولكن التقدير أحب خصال الدين، وخصال الدين كلها محبوبة ولكن ما كان منها سمحا سهلا فهو أحب إلى الله تعالى، ويدل عليه ما رواه أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث أعرابي لم يسمه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( خير دينكم أيسره )، والمراد بالملة الحنيفية الملة الإبراهيمية عليه الصلاة والسلام مقتبسا من قوله تعالى: ملة إبراهيم حنيفا والحنيف عند العرب من كان على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم سموا من اختتن وحج البيت حنيفا، والحنيف المائل عن الباطل إلى الحق، وسمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام حنيفا لأنه مال عن عبادة الأوثان; قوله " السمحة " بالرفع صفة الحنيفية ومعناها السهلة، والمسامحة هي المساهلة، والملة السمحة التي لا حرج فيها ولا تضييق فيها على الناس وهي ملة الإسلام.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية