الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  كذا في رواية الأكثرين ، وفي رواية أبي ذر : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله إلى قوله : المهتدين ولم يقع في روايته لفظ : وقول الله عز وجل ، وسبب نزول هذه الآية أنه لما أسر العباس رضي الله تعالى عنه يوم بدر أقبل عليه المسلمون فعيروه بالكفر وأغلظ له علي رضي الله تعالى عنه ، فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا دون محاسننا ؟ فقال له علي : ألكم محاسن ؟ قال : نعم ، إنا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال بعضهم في توجيه ذكر البخاري هذه الآية ههنا : وذكره هذه الآية مصير منه إلى ترجيح أحد الاحتمالين من أحد الاحتمالين ، وذلك أن قوله تعالى : " مساجد الله " يحتمل أن يراد بها مواضع السجود ، ويحتمل أن يراد بها الأماكن المتخذة لإقامة الصلاة ، وعلى الثاني : يحتمل أن يراد بعمارتها بنيانها ، ويحتمل أن يراد الإقامة فيها لذكر الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا الذي قاله هذا القائل لا يناسب معنى هذه الآية أصلا ، وإنما يناسب معنى قوله تعالى : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ؛ الآية . . . على أن أحدا من المفسرين لم يذكر هذا الوجه الذي ذكره هذا القائل ، وإنما هذا تصرف منه بالرأي في القرآن فلا يجوز ذلك ، ويجب الإعراض عن هذا .

                                                                                                                                                                                  قال المفسرون : معنى هذه الآية : ما ينبغي للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بنيت على اسمه وحده لا شريك له ، ومن قرأ مسجد الله أراد به المسجد الحرام أشرف المساجد في الأرض التي بني من أول يوم على عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وأسسه خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام ، هذا وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر ، وقال الزمخشري : أما القراءة بالجمع ففيها وجهان ، أحدهما : أن يراد به المسجد الحرام ، وإنما قيل : مساجد الله لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها ، فعامره كعامر جميع المساجد ، ولأن كل بقعة منه مسجد ، والثاني : أن يراد به جنس المساجد ، فإذا لم يصلحوا أن يعمروا جنسها دخل تحت ذلك أن لا يعمروا المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس ومقدمته ، وهو آكد لأن طريقه طريق الكناية كما لو قلت : فلان لا يقرأ كتب الله ، كنت أنفى لقراءة القرآن من تصريحك بذلك ، ثم إن البخاري ذكر هذه الآية من جملة الترجمة ، وحديث الباب لا يطابقها ، ولو ذكر قوله تعالى : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله الآية . ، لكان أجدر وأقرب للمطابقة ، ولكن يمكن أن يوجه ذلك ، وإن كان فيه بعض تعسف ، وهو أن يقال : إنه أشار به إلى أن التعاون في بناء المساجد المعتبر الذي فيه الأجر إنما كان للمؤمنين ، ولم يكن ذلك للكافرين ، وإن كانوا بنوا [ ص: 208 ] مساجد ليتعبدوا فيها بعبادتهم الباطلة ألا ترى أن العباس رضي الله تعالى عنه لما أسر يوم بدر وعير بكفره وأغلظ له علي رضي الله تعالى عنه ادعى أنهم كانوا يعمرون المسجد الحرام ، فبين الله لهم ذلك أنه غير مقبول منهم لكفرهم حيث أنزل على نبيه الكريم : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله كما ذكرناه الآن ثم أنزل في حق المسلمين الذين يتعاونون في بناء المساجد قوله : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله الآية ، والمعنى : إنما العمارة المعتد بها عمارة من آمن بالله فجعل عمارة غيرهم كلا عمارة حيث ذكرها بكلمة الحصر ، وروى عبد بن حميد في مسنده : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا صالح المزي عن ثابت البناني وميمون بن سياه وجعفر بن زيد عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عمار المسجد هم أهل الله " ، ورواه الحافظ أبو بكر البزار أيضا ، ولا شك أن أهل الله هم المؤمنون .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية