الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  487 158 - حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا يونس ، عن حميد بن هلال ، عن أبي صالح ، أن أبا سعيد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ح ) وحدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، قال : حدثنا حميد بن هلال العدوي ، قال : حدثنا أبو صالح السمان ، قال : رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس ، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه ، فدفع أبو سعيد في صدره ، فنظر الشاب ، فلم يجد مساغا إلا بين يديه ، فعاد ليجتاز ، فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى ، فنال من أبي سعيد ، ثم دخل على مروان [ ص: 290 ] فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد ، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان ، فقال : ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد ؟ قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس ، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم ثمانية ، الأول : أبو معمر ، بفتح الميمين ، واسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ، المقعد البصري ، مات بالبصرة سنة أربع وعشرين ومائتين ، وقد تقدم في باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : اللهم علمه الكتاب . الثاني : عبد الوارث بن سعيد ، تقدم أيضا في هذا الباب . الثالث : يونس بن عبيد ، بالتصغير ، ابن دينار ، أبو عبد الله البصري ، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين . الرابع : حميد ، بضم الحاء ، تصغير الحمد ، بن هلال ، بكسر الهاء ، وتخفيف اللام ، العدوي ، بفتح العين ، والدال المهملتين ، التابعي الجليل . الخامس : أبو صالح ، ذكوان السمان ، وقد تكرر ذكره . السادس : آدم بن أبي إياس . السابع : سليمان بن المغيرة ، القيسي البصري . الثامن : أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ، واسمه سعد بن مالك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع من الماضي في سبعة مواضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول ، والرؤية ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي ، وفيه أن رواته كلهم بصريون إلا أبا صالح ، فإنه مدني ، وآدم فإنه عسقلاني ، وفيه أن آدم من أفراد البخاري ، وفيه أن البخاري لم يخرج لسليمان بن المغيرة شيئا موصولا إلا هذا الحديث ، ذكره أبو مسعود وغيره ، وفيه التحويل من إسناد إلى إسناد آخر قبل ذكر الحديث ، وعلامته حرف الحاء المفردة ، وفيه في الإسناد الأول حميد عن أبي صالح أن أبا سعيد ، وفي الثاني : قال أبو صالح : رأيت أبا سعيد ، والثاني أقوى ، وفيه أن في الثاني ذكر قصة ليست في الأول ، وقد ساق البخاري هذا الحديث في كتاب بدء الخلق بالإسناد الذي ساقه هناك من رواية يونس بعينه ، وهاهنا من لفظ سليمان بن المغيرة لا من لفظ يونس .

                                                                                                                                                                                  ( ( ذكر تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره ) ) أخرجه البخاري أيضا عن أبي معمر في صفة إبليس ، وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن شيبان بن فروخ ، وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : ( فأراد شاب من بني أبي معيط ) ووقع في ( كتاب الصلاة ) لأبي نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا عبد الله بن عامر عن زيد بن أسلم ، قال : ( بينما أبو سعيد قائم يصلي في المسجد ، فأقبل الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فأراد أن يمر بين يديه فرده ، فأبى إلا أن يمر فدفعه ولكمه ) فهذا يدل على أن هذا الشاب هو الوليد بن عقبة ، وفي ( المصنف ) لابن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية عن عاصم ، عن ابن سيرين ، قال : كان أبو سعيد قائما يصلي ، فجاء عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يمر بين يديه ، فمنعه ، فأبى إلا أن يجيء فدفعه أبو سعيد فطرحه ، فقيل له : تصنع هذا بعبد الرحمن ؟ فقال : والله لو أبى إلا أن آخذ بشعره لأخذت ، وروى عبد الرزاق حديث الباب عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه ، فقال فيه : إذ جاء شاب ، ولم يسمه ، وعن معمر عن زيد بن أسلم ، فقال فيه : فذهب ذو قرابة لمروان ، ومن طريق أبي العالية عن أبي سعيد ، فقال فيه : فمر رجل بين يديه من بني مروان ، وللنسائي من وجه آخر : فمر ابن لمروان ، وسماه عبد الرزاق من طريق سليمان بن موسى : داود بن مروان ، ولفظه : أراد داود بن مروان أن يمر بين يدي أبي سعيد ، ومروان يومئذ أمير بالمدينة ، فذكر الحديث ، وبه جزم ابن الجوزي ، وهذا ، كما رأيت ، الاختلاف في تسمية المبهم الذي في الصحيح ، والأحسن أن يقال بتعدد الواقعة لأبي سعيد مع غير واحد ؛ لأن في تعيين واحد من هؤلاء مع كون اتحاد الواقعة نظرا لا يخفى . قوله : ( من بني أبي معيط ) بضم الميم ، وفتح العين المهملة ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره طاء مهملة ، وأبو معيط في قريش ، واسمه أبان بن أبي عمر ، وذكوان بن أمية الأكبر هو والد عقبة بن أبي معيط الذي قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرا ، ومعيط تصغير أمعط ، وهو الذي لا شعر عليه ، والأمعط ، والأمرط سواء . قوله : ( أن يجتاز ) بالجيم من الجواز . قوله : ( فلم يجد مساغا ) بفتح الميم ، وبالغين المعجمة ، أي : طريقا يمكنه المرور منها ، يقال : ساغ الشراب في الحلق إذا نزل من غير الضرر وساغ الشيء طاب . قوله : ( من الأولى ) ، أي : من المرة [ ص: 291 ] الأولى ، أو الدفعة الأولى . قوله : ( فنال من أبي سعيد ) بالنون ، أي : أصاب من عرضه بالشتم ، وهو من النيل ، وهو الإصابة . قوله : ( ثم دخل على مروان ) ، وهو مروان بن الحكم ، بفتح الكاف ، الأموي ، أبو عبد الملك ، يقال : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله الواقدي ، ولم يحفظ عنه شيئا ، وتوفي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين ، مات بدمشق لثلاث خلون من رمضان سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقد تقدم ذكره في باب البزاق والمخاط . قوله : ( فقال : ما لك ) ، أي : فقال مروان ، فكلمة ما مبتدأ ولك خبره ، ولابن أخيك عطف عليه بإعادة الخافض ، وأطلق الأخوة باعتبار أن المؤمنين إخوة ، وفيه تأييد لقول من قال : إن المار بين يدي أبي سعيد الذي دفعه غير الوليد ؛ لأن أباه عقبة قتل كافرا ، ( ( فإن قلت ) ) : لم لم يقل : ولأخيك بحذف الابن ، ( قلت ) : نظرا إلى أنه كان شابا أصغر منه . قوله : ( فليدفعه ) ، وفي رواية مسلم : ( فليدفع في نحره ) ، قال القرطبي : أي : بالإشارة ولطيف المنع . قوله : ( فليقاتله ) بكسر اللام الجازمة ، وبسكونها . قوله : ( فإنما هو شيطان ) هذا من باب التشبيه حذف منه أداة التشبيه للمبالغة ، أي : إنما هو كشيطان ، أو يراد به شيطان الإنس ، وإطلاق الشيطان على المارد من الإنس سائغ شائع ، وقد جاء في القرآن قوله تعالى : شياطين الإنس والجن وقال الخطابي : معناه أن الشيطان يحمله على ذلك ويحركه إليه ، وقد يكون أراد بالشيطان المار بين يديه نفسه ، وذلك أن الشيطان هو المارد الخبيث من الجن والإنس ، وقال القرطبي : ويحتمل أن يكون معناه الحامل له على ذلك الشيطان ، يؤيده حديث ابن عمر عند مسلم : ( لا يدع أحدا يمر بين يديه ، فإن أبى فليقاتله ، فإن معه القرين ) ، وعند ابن ماجه : ( قال : معه القرين ) ، وقال المنكدري ، فإنه معه العزى ، وقيل : معناه إنما هو فعل الشيطان لشغل قلب المصلي ، كما يخطر الشيطان بين المرء ونفسه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه من الأحكام ) : وهو على وجوه ، الأول : فيه اتخاذ السترة للمصلي ، وزعم ابن العربي أن الناس اختلفوا في وجوب وضع السترة بين يدي المصلي على ثلاثة أقوال ، الأول : أنه واجب ، فإن لم يجد وضع خطا ، وبه قال أحمد ، كأنه اعتمد حديث ابن عمر الذي صححه الحاكم ( لا تصلي إلا إلى سترة ، ولا تدع أحدا يمر بين يديك ) ، وعن أبي نعيم في كتاب الصلاة ، حدثنا سليمان ، أظنه عن حميد بن هلال ، قال عمر بن الخطاب : لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس ، وعند ابن أبي شيبة عن ابن مسعود ( إنه ليقطع نصف صلاة المرء المرور بين يديه ) . الثاني : أنها مستحبة ، ذهب إليه أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي . الثالث : جواز تركها ، وروي ذلك عن مالك ، ( قلت ) : قال أصحابنا : الأصل في السترة أنها مستحبة ، وقال إبراهيم النخعي : كانوا يستحبون إذا صلوا في الفضاء أن يكون بين أيديهم ما يسترهم ، وقال عطاء : لا بأس بترك السترة ، وصلى القاسم وسالم في الصحراء إلى غير سترة . ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) واعلم أن الكلام في هذا على عشرة أنواع ، الأول : أن السترة واجبة أولا ، وقد مر الآن . والثاني : مقدار موضع يكره المرور فيه ، فقيل : موضع سجوده ، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي وشيخ الإسلام قاضيخان ، وقيل : مقدار صفين ، أو ثلاثة ، وقيل : بثلاثة أذرع ، وقيل : بخمسة أذرع ، وقيل : بأربعين ذراعا ، وقدر الشافعي ، وأحمد بثلاثة أذرع ، ولم يحد مالك في ذلك حدا ، إلا أن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد ويتمكن من دفع من مر بين يديه ، والثالث : أنه يستحب لمن صلى في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة ، وروى أبو داود من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ، فإن لم يجد فلينصب عصا ، فإن لم يكن له عصا فليخط خطا ، ولا يضره ما مر أمامه ) وخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) ، وذكر عبد الحق أن ابن المديني ، وأحمد بن حنبل صححاه ، وقال عياض : هذا الحديث ضعيف ، وإن كان قد أخذ به أحمد ، وقال سفيان بن عيينة : لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ، وكان إسماعيل بن أمية إذا حدث بهذا الحديث يقول : عندكم شيء تشدون به ؟ وأشار الشافعي إلى ضعفه ، وقال النووي : فيه ضعف واضطراب ، وقال البيهقي : ولا بأس به في مثل هذا الحكم .

                                                                                                                                                                                  والرابع : مقدار السترة قد ورد قدر ذراع ، وقد ذكرنا الكلام فيه مستوفى فيما مضى عن قريب ، والخامس : ينبغي أن يكون في غلظ الإصبع ؛ لأن ما دونه لا يبدو للناظر من بعيد ، والسادس : يقرب من السترة ، وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب : سترة الإمام سترة لمن خلفه ، والسابع : أن يجعل السترة على حاجبه الأيمن ، أو على الأيسر ، وأخرج أبو داود من حديث المقداد بن الأسود ، قال : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ، ولا عمود ، ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن ، أو الأيسر ، ولا يصمد له صمدا ) ، يعني لم يقصده قصدا بالمواجهة ، [ ص: 292 ] والصمد هو القصد في اللغة ، والثامن : أن سترة الإمام سترة للقوم ، وقد مر الكلام فيه ، والتاسع : ذكر أصحابنا أن المعتمد الغرز دون الإلقاء والخط ؛ لأن المقصود هو الدرء ، فلا يحصل بالإلقاء ، ولا بالخط ، وفي ( مبسوط ) شيخ الإسلام إنما يغرز إذا كانت الأرض رخوة ، فإذا كانت صلبة لا يمكنه فيضع وضعا ؛ لأن الوضع قد روي كما روي الغرز ، لكن يضع طولا لا عرضا ، وروى أبو عصمة عن محمد : إذا لم يجد سترة ، قال : لا يخط بين يديه ، فإن الخط وتركه سواء ؛ لأنه لا يبدو للناظر من بعيد ، وقال الشافعي بالعراق : إن لم يجد ما يغرز يخط خطا طولا ، وبه أخذ بعض المتأخرين ، وفي ( المحيط ) الخط ليس بشيء ، وفي ( الذخيرة ) للقرافي : الخط باطل ، وهو قول الجمهور ، وجوزه أشهب في ( العتبية ) ، وهو قول سعيد بن جبير ، والأوزاعي ، والشافعي بالعراق ، ثم قال بمصر : لا يخط ، والمانعون أجابوا عن حديث أبي هريرة المذكور أنه ضعيف ، وقال عبد الحق : ضعفه جماعة ، وقال ابن حزم في ( المحلى ) لم يصح في الخط شيء ، ولا يجوز القول به ، والعاشر : أن السترة إذا كانت مغصوبة فهي معتبرة عندنا ، وعن أحمد : تبطل صلاته ، ومثله الصلاة في الثوب المغصوب عنده .

                                                                                                                                                                                  الثاني من الأحكام : أن الدرء ، وهو دفع المار بين يدي المصلي هل هو واجب ، أو ندب ، فقال النووي : هذا الأمر أعني قوله : ( فليدفعه ) أمر ندب متأكد ، ولا أعلم أحدا من الفقهاء أوجبه ، ( قلت ) : قال أهل الظاهر بوجوبه لظاهر الأمر ، فكأن النووي ما اطلع على هذا ، أو ما اعتد بخلافهم ، وقال ابن بطال : اتفقوا على دفع المار إذا صلى إلى سترة ، فأما إذا صلى إلى غير السترة ، فليس له ؛ لأن التصرف ، والمشي مباح لغيره في ذلك الموضع الذي يصلي فيه ، فلم يستحق أن يمنعه ، إلا ما قام الدليل عليه ، وهي السترة التي وردت السنة بمنعها . الثالث : أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده ، وإنما يدافعه ويرده من موضعه ؛ لأن مفسدة المشي أعظم من مروره بين يديه ، وإنما أبيح له قدر ما يناله من موقفه ، وإنما يرده إذا كان بعيدا منه بالإشارة ، والتسبيح ، ولا يجمع بينهما ، وقال إمام الحرمين : لا ينتهي دفع المار إلى منع محقق ، بل يومئ ويشير برفق في صدر من يمر به ، وفي الكافي للروياني : يدفعه ويصر على ذلك ، وإن أدى إلى قتله ، وقيل : يدفعه دفعا شديدا أشد من الدرء ، ولا ينتهي إلى ما يفسد صلاته ، وهذا هو المشهور عند مالك ، وأحمد ، وقال أشهب في ( المجموعة ) إن قرب منه درأه ، ولا ينازعه ، فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته ، وإن تجاوزه لا يرده ؛ لأنه مرور ثان ، وكذا رواه ابن القاسم من أصحاب مالك ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وقال أبو مسعود وسالم : يرده من حيث جاء ، وإذا مر بين يديه ما لا تؤثر فيه الإشارة كالهرة ، قالت المالكية : دفعه برجله ، أو ألصقه إلى السترة . الرابع : هل يقاتله ؟ فيه : فإن أبى فليقاتله ، قال عياض : أجمعوا على أنه لا تلزمه مقاتلته بالسلاح ، ولا بما يؤدي إلى هلاكه ، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء ، وهل تجب ديته أم تكون هدرا ؟ فيه مذهبان للعلماء ، وهما قولان في مذهب مالك ، قال ابن شعبان : عليه الدية في ماله كاملة ، وقيل : هي على عاقلته ، وقيل : هدر ، ذكره ابن التين ، واختلفوا في معنى فليقاتله ، والجمهور على أن معناه الدفع بالقهر لا جواز القتل ، والمقصود المبالغة في كراهة المرور ، وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله حقيقة ، ورد ابن العربي ذلك ، وقال : المراد بالمقاتلة المدافعة ، وقال بعضهم : معنى فليقاتله فليلعنه ، قال الله تعالى : قتل الخراصون أي : لعنوا ، وأنكره بعضهم ، وقال ابن المنذر : يدفع في نحره أول مرة ، ويقاتله في الثانية ، وهي المدافعة ، وقيل : المقاتلة بعد الثالثة ، وقيل : يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصلاة ويؤنبه ، وقيل : يدفعه دفعا أشد من الرد منكرا عليه ، وفي ( التمهيد ) العمل القليل في الصلاة جائز ، نحو قتل البرغوث ، وحك الجسد ، وقتل العقرب بما خف من الضرب ما لم تكن المتابعة ، والطول ، والمشي إلى الفرج إذا كان ذلك قريبا ، ودرء المصلي ، وهذا كله ما لم يكثر ، فإن كثر فسد .

                                                                                                                                                                                  الخامس : فيه أن المار كالشيطان في أنه يشغل قلبه عن مناجاة ربه .

                                                                                                                                                                                  السادس : فيه أنه يجوز أن يقال للرجل إذا فتن في الدين إنه شيطان .

                                                                                                                                                                                  السابع : فيه أن الحكم للمعاني لا للأسماء ؛ لأنه يستحيل أن يصير المار شيطانا بمروره بين يديه .

                                                                                                                                                                                  الثامن : فيه أن دفع الأسوأ إنما هو بالأسهل فالأسهل .

                                                                                                                                                                                  التاسع : فيه أن في المنازعات لا بد من الرفع إلى الحاكم ، ولا ينتقم الخصم بنفسه .

                                                                                                                                                                                  العاشر : فيه أن رواية العدل مقبولة ، وإن كان الراوي له منتفعا به .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية