الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4971 باب الخلع وكيف الطلاق فيه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب في بيان الخلع بضم الخاء المعجمة وسكون اللام مأخوذ من خلع الثوب والنعل ونحوهما ، وذلك لأن المرأة لباس للرجل كما قال الله تعالى : هن لباس لكم وأنتم لباس لهن وإنما جاء مصدره بضم الخاء تفرقة بين الأجرام والمعاني يقال : خلع ثوبه ونعله خلعا بفتح الخاء ، وخلع امرأته خلعا وخلعة بالضم ، وأما حقيقته الشرعية فهو فراق الرجل امرأته على عوض يحصل له ، هكذا قاله شيخنا في ( شرح الترمذي ) وقال : هو الصواب ، وقال كثير من الفقهاء : هو مفارقة الرجل امرأته على مال وليس بجيد ، فإنه لا يشترط كون عوض الخلع مالا فإنه لو خالعها عليه من دين أو خالعها على قصاص لها عليه فإنه صحيح وإن لم يأخذ الزوج منها شيئا ، فلذلك عبرت بالحصول لا بالأخذ .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : قال أصحابنا : الخلع إزالة الزوجية بما يعطيه من المال ، وقال النسفي : الخلع الفصل من النكاح بأخذ المال بلفظ الخلع وشرطه شرط الطلاق وحكمه وقوع الطلاق البائن ، وهو من جهته يمين ومن جهتها معاوضة ، وأجمع العلماء على مشروعية الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني التابعي المشهور ، حكاه ابن عبد البر في ( التمهيد ) ، وقال عقبة بن أبي الصهباء : سألت بكر بن عبد الله المزني عن الرجل يريد أن يخالع امرأته ، فقال : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : فأين قوله تعالى : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت ؟ قال : هي منسوخة .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : وما نسخها ؟ قال : ما في سورة النساء قوله تعالى : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا الآية ، قال ابن عبد البر : قول بكر بن عبد الله هذا خلاف السنة الثابتة في قصة ثابت بن قيس وحبيبة بنت سهل ، وخالف جماعة الفقهاء والعلماء بالحجاز والعراق والشام . انتهى . وخصص ابن سيرين وأبو قلابة جوازه بوقوع الفاحشة ، فكانا يقولان : لا يحل للزوج الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لأن الله تعالى يقول : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال أبو قلابة : فإذا كان ذلك فقد جاز له أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع منه ، قال أبو عمر : ليس هذا بشيء لأن له أن يطلقها أو يلاعنها ، وأما أن يضارها ليأخذ مالها فليس له ذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وكيف الطلاق فيه ؟ " أي : كيف حكم الطلاق في الخلع ؟ هل يقع الطلاق بمجرده أو لا يقع حتى يذكر الطلاق إما باللفظ أو بالنية ؟ وللفقهاء فيه خلاف ، فعند أصحابنا الواقع بلفظ الخلع والواقع بالطلاق على مال بائن ، وعند الشافعي في القديم فسخ وليس بطلاق ، يروى ذلك عن ابن عباس حتى لو خالعها مرارا ينعقد النكاح بينهما بغير تزوج بزوج آخر ، وبه قال أحمد ، وفي قول الشافعي : إنه رجعي ، وفي قول وهو أصح أقواله : إنه طلاق بائن كمذهبنا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : الخلع تطليقة بائنة ، وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم ، وقد نص الشافعي في الإملاء على أنه من صرائح الطلاق .

                                                                                                                                                                                  وفي ( التوضيح ) : اختلف العلماء في البينونة بالخلع على قولين : أحدهما : إنه تطليقة بائنة ، روي عن عثمان وعلي وابن مسعود إلا أن تكون سمت ثلاثا فهي ثلاث ، وهو قول مالك والثوري [ ص: 261 ] والأوزاعي والكوفيين وأحد قولي الشافعي ، والثاني : إنه فسخ وليس بطلاق إلا أن ينويه ، روي ذلك عن ابن عباس وطاوس وعكرمة ، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور ، وهو قول الشافعي الآخر . انتهى . والحديث الذي احتج به أصحابنا وذكروه في كتبهم مروي عن ابن عباس رواه الدارقطني والبيهقي في ( سننهما ) من حديث عباد بن كثير ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة بائنة ، ورواه ابن عدي في ( الكامل ) وأعله بعباد بن كثير الثقفي ، وأسند عن البخاري قال : تركوه ، وعن النسائي : متروك الحديث ، وعن شعبة : احذروا حديثه ، وسكت عنه الدارقطني إلا أنه أخرج عن ابن عباس خلافه من رواية طاوس عنه قال : الخلع فرقة وليس بطلاق ، وروى عبد الرزاق في ( مصنفه ) ، حدثنا ابن جريج ، عن داود بن أبي عاصم ، عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة ، وكذلك رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية