الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب في قول الله تعالى : ولا تنكحوا المشركات وهذا المقدار في رواية الأكثرين ، وفي رواية كريمة إلى قوله : ولو أعجبتكم وإنما ذكر هذه الآية الكريمة توطئة للأحاديث التي ذكرها في هذا الباب ، وفي البابين اللذين بعده وإنما لم ينبه على المقصود من إيرادها للاختلاف القائم فيها ، وقد أخذ ابن عمر بعموم قوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن حتى كره نكاح [ ص: 270 ] أهل الكتاب ، وأشار إليه البخاري بإيراد حديثه في هذا الباب ، وعن ابن عباس : أن الله تعالى استثنى من ذلك نساء أهل الكتاب ، فخصت هذه الآية بالآية التي في المائدة وهي قوله عز وجل : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فنكح الناس نساء أهل الكتاب ، ونكح جماعة من الصحابة نساء نصرانيات ولم يروا بذلك بأسا ، وقال أبو عبيد : وبه جاءت الآثار ، وعن الصحابة والتابعين وأهل العلم بعدهم أن نكاح الكتابيات حلال وبه قال مالك والأوزاعي والثوري والكوفيون والشافعي وعامة العلماء ، وقال غيره : ولا يروى خلاف ذلك إلا عن ابن عمر ، فإنه شذ عن جماعة الصحابة والتابعين ولم يجز نكاح اليهودية والنصرانية ، وخالف ظاهر قوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ولم يلتفت أحد من العلماء إلى قوله ، وقد تزوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهي نصرانية ، تزوجها على نسائه ، وتزوج طلحة بن عبيد الله يهودية ، وتزوج حذيفة يهودية ، وعنده حرتان مسلمتان ، وعنه إباحة نكاح المجوسية ، وتأول قوله تعالى : ولأمة مؤمنة خير من مشركة على أن هذا ليس بلفظ التحريم ، وقيل : بني على أن لهم كتابا .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس ، عن الصلت ، عن شقيق بن سلمة قال : تزوج حذيفة يهودية ، ومن طريق أخرى : وعنده عربيتان ، فكتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه أن خل سبيلها .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : أرسل حذيفة إليه أحرام هي ؟ فكتب إليه عمر لا ، ولكن أخاف أن يتواقع المؤمنات منهن - يعني : الزواني منهن ، وقال أبو عبيد : والمسلمون اليوم على الرخصة في نساء أهل الكتاب ، ويرون أن التحليل ناسخ للتحريم .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : فدل هذا على أن قوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات منسوخ بقوله تعالى : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب وروي أيضا عن ابن عباس أنه قال : إن آية البقرة منسوخة بآية المائدة ، وقيل : المراد بقوله : ولا تنكحوا المشركات يعني من عبدة الأوثان ، وقال ابن كثير في ( تفسيره ) : والمحصنات من المؤمنات قيل : الحرائر دون الإماء ، والظاهر أن المراد بالمحصنات العفائف عن الزنا ، كما قال في آية أخرى : محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ثم اختلف المفسرون أنه : هل يعم كل كتابية عفيفة سواء كانت حرة أو أمة ، فقيل : الحرائر العفيفات ، وقيل : المراد بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات ، وهو مذهب الشافعي ، وقيل : المراد بذلك الذميات دون الحربيات ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية