الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5399 [ ص: 260 ] 46 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "ولا الطاعون" ونعيم بضم النون وفتح العين المهملة ابن عبد الله القرشي المدني مولى عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - والمجمر بضم الميم وسكون الجيم وبالراء على صيغة اسم الفاعل من الإجمار من أجمرت الثوب إذا بخرته بالبخور والطيب، والذي يتولى ذلك مجمر ومجمر بالتشديد أيضا، نعيم هذا، وكان يجمر مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمي المجمر.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الحج في (باب: لا يدخل الدجال المدينة) أخرجه عن إسماعيل، عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال" وأخرجه هنا مختصرا، وذكر هناك الدجال وهنا المسيح، والمسيح هو الدجال، وقد مر الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: الطاعون شهادة، وكيف منعت من المدينة؟ وما وجه ذكر المسيح مقارنا بالطاعون؟

                                                                                                                                                                                  قلت: قد تكلموا في الجواب بكلام كثير، والحاصل أن المراد بالطاعون هو وخز الجن، وكفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخول المدينة، ومن اتفق دخوله إليها لا يتمكن من طعن أحد منهم.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: طعن الجن لا يختص بكفارهم، بل قد يقع من مؤمنيهم.

                                                                                                                                                                                  قلت: دخول كفار الإنس المدينة ممنوع ولا يسكنها إلا المسلمون وإن كان فيهم من ليس بخالص الإسلام، فيحصل الأمن من وصول الجن إلى طعنهم، فلذلك لا يحصل فيها الطاعون أصلا. وقد روى أحمد من رواية أبي عسيب قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أتاني جبرائيل - عليه السلام - بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، والحكمة في ذلك أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لما دخل المدينة كان في قلة من أصحابه عددا ومددا، وكانت المدينة وبئة، ثم خير النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في أمرين يحصل بكل منهما الأجر الجزيل، فاختار الحمى حينئذ؛ لقلة الموت بها غالبا، بخلاف الطاعون، ثم لما احتاج إلى جهاد الكفار وأذن له في القتال كانت قضية استمرار الحمى بالمدينة أن تضعف أجساد الذين يحتاجون إلى التقوية لأجل الجهاد، فدعا بنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة، فعادت المدينة أصح بلاد الله بعد أن كانت بخلاف ذلك، وأبو عسيب بفتح العين وكسر السين المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة، وقال أبو عمر: أبو عسيب مولى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - له صحبة ورواية، أسند عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - حديثين أحدهما في الحمى والطاعون، قيل: اسم أبي عسيب أحمر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية