الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6300 52 - حدثني محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : أرسلني أصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان ، فقال : والله لا أحملكم على شيء ، ووافقته وهو غضبان ، فلما أتيته قال : انطلق إلى أصحابك ، فقل : إن الله أو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزء الأول للترجمة وهو اليمين فيما لا يملك .

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث بعين هذا الإسناد مر في أول باب غزوة تبوك فإنه أخرجه هناك أيضا ، عن محمد بن العلاء ، عن أبي أسامة ، عن بريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الله بن أبي بردة اسمه عامر ، وقيل : الحارث عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري .

                                                                                                                                                                                  وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة ، وأبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى وهنا اختصره ، وحاصل الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف أن لا يحملهم ولم يكن مالكا لما سألوه في ذلك الوقت ، ثم أرسل بلالا وراء أبي موسى وأعطاه ستة أبعرة ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم حذر عن يمينه ، فدل هذا على انعقاد يمينه .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال : ومثال هذا أن يحلف رجل على أن لا يهب أو لا يتصدق أو لا يعتق ، وهو في هذه الحالة لا يملك شيئا من ذلك ، ثم حصل له مال بعد ذلك فوهب أو تصدق أو أعتق ، فعند جماعة الفقهاء تلزمه الكفارة كما فعل الشارع بالأشعريين أنه حلل عن يمينه وأتى بالذي هو خير ، ولو حلف أن لا يهب أو لا يتصدق ما دام معدما وجعل [ ص: 197 ] العدم علة لامتناعه من ذلك ثم حصل له مال بعد ذلك لم يلزمه عند الفقهاء كفارة إن وهب أو تصدق لأنه إنما وقع يمينه على حالة العدم لا على حالة الوجود .

                                                                                                                                                                                  وفي التوضيح : إذا حلف الرجل بعتق ما لا يملك إن ملكه في المستقبل ، فقال مالك : إن عين أحدا أو قبيلة أو جنسا لزمه العتق ، وإن قال : كل مملوك أملكه أبدا حر لم يلزمه عتق ، وكذلك في الطلاق : إن عين قبيلة أو بلدة أو صفة ما لزمه الحنث وإن لم يعين لم يلزمه .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو حنيفة وأصحابه : يلزمه الطلاق والعتق سواء عم أو خص ، وقال الشافعي : لا يلزمه خص أو عم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أسأله الحملان " بضم الحاء المهملة وسكون الميم وهو ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة ، قوله : " والله " معترض بين القول ومقوله ، قوله : " ووافقته " أي النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، والحال أنه غضبان .

                                                                                                                                                                                  وجمهور الفقهاء يلزمون الغاضب الكفارة ويجعلون غضبه مؤكدا ليمينه ، روي عن ابن عباس أن الغضبان يمينه لغو ولا كفارة فيها ، وروي عن مسروق والشعبي وجماعة أن الغضبان لا يلزمه شيء : لا طلاق ولا عتاق .

                                                                                                                                                                                  واحتجوا بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم " لا طلاق في إغلاق ولا عتق قبل ملك " ، وفي حديث الأشعريين رد لهذه المقالة لأن الشارع حلف وهو غاضب ، ثم قال : والله لا أحلف على يمين . . الحديث .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث " لا طلاق في إغلاق " فليس بثابت ولا مما يعارض به مثل حديث الأشعريين ونحوه .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه واستدركه الحاكم ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، أخرجوه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو داود : أظنه في الغضب ، وقال غيره : الإغلاق الإكراه والمحفوظ إغلاق كما هو لفظ ابن ماجه والحاكم ، ولفظ أبي داود : غلاق ، وأما حديث " لا عتق قبل ملك " فهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : لا طلاق إلا فيما يملك . رواه الأربعة والحاكم ورواه أبو داود بإسناد صحيح .

                                                                                                                                                                                  وقال الترمذي : حديث حسن ، وتأول المدنيون والكوفيون الإغلاق على الإكراه ، قوله : " فلما أتيته " أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أي مرة أخرى بعد ذلك .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية