الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6995 59 - حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن أبيه، عن ابن أبي نعم أو أبي نعم، شك قبيصة، عن أبي سعيد قال: بعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذهيبة فقسمها بين أربعة.

                                                                                                                                                                                  60 - وحدثني إسحاق بن نصر، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن أبيه، عن ابن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي وهو باليمن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذهيبة في تربتها، فقسمها بين الأقرع بن حابس [ ص: 120 ] الحنظلي، ثم أحد بني مشاجع، وبين عيينة بن بدر الفزاري، وبين علقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وبين زيد الخيل الطائي، ثم أحد بني نبهان، فتغضبت قريش والأنصار فقالوا: يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: إنما أتألفهم، فأقبل رجل غائر العينين ناتئ الجبين كث اللحية مشرف الوجنتين محلوق الرأس فقال: يا محمد، اتق الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فمن يطيع الله إذا عصيته، فيأمني على أهل الأرض ولا تأمنوني، فسأل رجل من القوم قتله، أراه خالد بن الوليد، فمنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  لا مطابقة بينه وبين الترجمة بحسب الظاهر، وقد تكلف بعضهم في توجيه المطابقة فقال ما حاصله: إن في الرواية التي في المغازي: "وأنا أمين من في السماء" ما يدل عليها، وهو أن معنى قوله: "من في السماء" على العرش في السماء، وفيه تعسف، وكذلك تكلف فيه الكرماني حيث قال ما ملخصه أن يقال: دل عليها لازم قوله: لا يجاوز حناجرهم، أي: لا يصعد إلى السماء، وفيه جر ثقيل.

                                                                                                                                                                                  ثم إنه أخرج هذا الحديث من طريقين:

                                                                                                                                                                                  (أحدهما) عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن أبيه سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم بضم النون وسكون العين المهملة، أو أبي نعم أبي الحكم، عن أبي سعيد الخدري، واسمه سعد بن مالك بن سنان.

                                                                                                                                                                                  (والثاني) عن إسحاق بن نصر، وهو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري السعدي، كان ينزل بالمدينة بباب سعد، فالبخاري يروي عنه تارة بنسبته إلى جده وتارة بنسبته إلى أبيه، وهو يروي عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، عن سفيان الثوري، إلى آخره، وقد مضى هذا الحديث في أحاديث الأنبياء في باب قول الله - عز وجل -: وأما عاد فأهلكوا حيث قال: قال ابن كثير: عن سفيان عن أبيه إلى آخره، ومضى أيضا في المغازي في باب بعث علي - رضي الله تعالى عنه - عن قتيبة عن عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة عن عبد الرحمن بن أبي نعم قال: سمعت أبا سعيد الخدري إلى آخره، ومضى أيضا في تفسير سورة "براءة" في باب قوله: والمؤلفة قلوبهم عن محمد بن كثير عن سفيان عن أبيه مختصرا، ومضى الكلام فيه مرارا، ولنذكر بعض شيء لبعد المسافة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "شك قبيصة" يعني في قوله: "ابن أبي نعم أو أبي نعم" هكذا قاله بعضهم، والذي يفهم من كلام الكرماني أن شكه في ابن أبي نعم، وقد مضى في أحاديث الأنبياء بلا شك عن ابن أبي نعم بضم النون وسكون العين المهملة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بعث " على صيغة المجهول.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بذهيبة" مصغر ذهبة وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في تربتها" أي: مستقرة فيها، والتأنيث على نية قطعة من الذهب، وفي الصحاح: الذهب معروف، وربما أنث، والقطعة منه ذهبة، فأراد بالتربة تبر الذهب، ولا يصير ذهبا خالصا إلا بعد السبك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بعث علي" أي: علي بن أبي طالب، وهذا يفسر قوله أولا: "بعث إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم – بذهيبة".

                                                                                                                                                                                  قوله: "وهو باليمن" أي: والحال أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - باليمن، وهو رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: في اليمن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بين الأقرع" هؤلاء أربعة أنفس من المؤلفة قلوبهم الذين يعطون من الزكاة، أحدهم الأقرع بن حابس الحنظلي نسبة إلى حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بني مجاشع" بضم الميم وبالجيم وبالشين المعجمة المكسورة وبالعين المهملة ابن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.

                                                                                                                                                                                  الثاني: عيينة -مصغر عين- ابن بدر، نسب إلى جد أبيه، وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة الفزاري، بفتح الفاء، ونسبته إلى فزارة بن ذيبان بن بغيض بن ريث بن غطفان.

                                                                                                                                                                                  والثالث: علقمة بن علاثة بضم العين المهملة وتخفيف اللام وبالثاء المثلثة ابن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، وهو معنى قوله: "العامري" نسبة إلى عامر بن عوف [ ص: 121 ] ابن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلاب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم أحد بني كلاب" وهو ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.

                                                                                                                                                                                  الرابع: زيد الخيل هو ابن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي نسبة إلى طي واسمه جلهمة بن أدد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم أحد بني نبهان" هو أسود بن عمرو بن الغوث بن طي، قال الخليل: أصل طي طوي قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، والنسبة إلى طي طاي على غير القياس; لأن القياس طيي على وزن طيعي، ولما قدم زيد على النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه زيد الخير بالراء بدل اللام، وكان قدومه ....... وقيل له زيد الخيل لعنايته بها، ويقال: لم يكن في العرب أكثر خيلا منه، وكان شاعرا خطيبا شجاعا جوادا، مات على إسلامه في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: مات في خلافة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - وأما علقمة فإنه ارتد مع من ارتد، ثم عاد، ومات في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنه - بحوران، وأما عيينة فإنه ارتد مع طلحة، ثم عاد إلى الإسلام، وأما الأقرع فإنه أسلم وشهد الفتوح واستشهد باليرموك، وقيل: بل عاش إلى خلافة عثمان - رضي الله تعالى عنه - فأصيب بالجوزجان، وقال المبرد: كان في صدر الإسلام رئيس خندف، وقال المرزباني: هو أول من حرم القمار، وقيل: كان سنوطا أعرج، مع قرعه وعوره، وكان يحكم في المواسم، وهو آخر الحكام من بني تميم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فغضب قريش" وفي رواية الأكثرين: فتغيظت قريش، من الغيظ، من باب التفعل، وفي رواية أبي ذر عن الحموي: فتغضبت من الغضب من باب التفعل أيضا، وكذا في رواية النسفي، والذي مضى في قصة عاد فغضبت.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يعطيه" أي: يعطي النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - المال صناديد نجد، وهو جمع صنديد، وهو السيد، وكانت هؤلاء الأربعة المذكورة سادات أهل نجد، وقال الرشاطي: نجد ما بين الحجاز إلى الشام إلى العذيب، فالطائف من نجد والمدينة من نجد وأرض اليمامة والبحرين إلى عمان إلى العروض، وقال ابن دريد: نجد أرض للعرب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ويدعنا " أي: يتركنا ولا يعطينا شيئا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إنما أتألفهم" من التألف، وهو المداراة والإيناس؛ ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال.

                                                                                                                                                                                  قوله: "رجل" اسمه عبد الله ذو الخويصرة مصغر الخاصرة بالخاء المعجمة والصاد المهملة التميمي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "غائر العينين" من غارت عينه إذا دخلت، وهو ضد الجاحظ، وقال الكرماني: غائر العينين، أي: داخلتين في الرأس لاصقتين بقعر الحدقة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ناتئ الجبين" أي: مرتفع الجبين من النتوء بالنون والتاء المثناة من فوق، ويروى: ناشز الجبين، والمعنى واحد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كث اللحية" بتشديد المثلثة، أي: كثير شعرها غير مسبلة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "مشرف الوجنتين" أي: غليظهما، يعني ليس بسهل الخد، يقال: أشرفت وجنتاه علتا، والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين، وفي الصحاح: الوجنة ما ارتفع من الخد، وفيها أربع لغات بتثليث الواو، والرابع أجنة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "محلوق الرأس" كانوا لا يحلقون رؤوسهم ويوفرون شعورهم، وقد فرق رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - شعره وحلق في حجة وعمرة، وقال الداودي: كان هذا الرجل من بني تميم من بادية العراق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فيأمني" بفتح الميم وتشديد النون، أصله يأمنني، فأدغمت النون الأولى في الثانية، ويروى على الأصل: فيأمنني، أي: فيأمنني الله تعالى، أي: يجعلني أمينا على أهل الأرض ولا تأمنوني أنتم، ويروى: ولا تأمنونني أنتم على الأصل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أراه" بضم الهمزة، أي: أظن هذا الرجل خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - ووقع في كتاب استتابة المرتدين عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - ولا تنافي بينهما لاحتمال وقوعه منهما.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلما ولى" أي: فلما أدبر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إن من ضئضئ" أي: من أصل هذا الرجل، وهو بكسر الضادين المعجمتين وسكون الهمزة الأولى "قوما" ويروى: قوم، فإما أنه كتب على اللغة الربيعية فإنهم يكتبون المنصوب بدون الألف، وإما أن يكون في "إن" ضمير الشأن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا يبلغ حناجرهم " أي: لا يرتفع إلى الله منهم شيء، والحناجر جمع حنجرة، وهو الحلقوم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يمرقون" من المروق، وهو النفوذ حتى يخرج من الطرف الآخر، والحاصل: يخرجون خروج السهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "مروق السهم" أي: كمروق السهم من الرمية بتشديد الياء آخر الحروف على فعيلة بمعنى مفعولة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ويدعون" أي: يتركون.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لأقتلنهم" قيل: لم منع خالد بن الوليد وقد أدركه؟ [ ص: 122 ] وأجيب بأنه إنما أراد إدراك طائفتهم وزمان كثرتهم وخروجهم على الناس بالسيف، وإنما أنذر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أن سيكون ذلك وقد كان كما قال، وأول ما نجم هو في زمان علي - رضي الله تعالى عنه -.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قتل عاد" وقد تقدم في بعث علي إلى اليمن أنه قال: لأقتلنهم قتل ثمود، ولا تعارض; لأن الغرض منه الاستئصال بالكلية، وعاد وثمود سواء فيه; إذ عاد استؤصلت بالريح الصرصر وثمود أهلكوا بالطاغية، قال الكرماني: ما معنى "كقتل" حيث لا قتل، وأجاب بأن المراد لازمه، وهو الهلاك، ويحتمل أن تكون الإضافة إلى الفاعل ويراد به القتل الشديد القوي؛ لأنهم مشهورون بالشدة والقوة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية