الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  765 186 - ( حدثنا عبد الله بن أبي الأسود قال : حدثنا إسماعيل ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس رضي الله عنه قال : كان القنوت في المغرب والفجر ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قد ذكرنا وجه إيراد هذا الحديث هنا في أول باب مجردا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة :

                                                                                                                                                                                  الأول : عبد الله بن محمد ابن أبي الأسود ، واسم أبي الأسود حميد بن الأسود أبو بكر البصري ، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين . الثاني : إسماعيل بن علية . الثالث : خالد بن مهران الحذاء . الرابع : أبو قلابة - بكسر القاف - عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي . الخامس : أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن رواته كلهم بصريون ، وفيه أن شيخ البخاري من أفراده والحديث أخرجه [ ص: 74 ] البخاري أيضا في الوتر ، عن مسدد ، عن ابن علية .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ كان القنوت " يعني في أول الأمر . واحتج بهذا على أن قول الصحابي " كنا نفعل كذا " له حكم الرفع ، وإن لم يقيده بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله الحاكم ، ثم اعلم أن عبارة كلام أنس تدل على أن القنوت كان في صلاة المغرب والفجر ، ثم ترك ، ويدل عليه ما رواه أبو داود حدثنا أبو الوليد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أنس بن سيرين ، عن أنس بن مالك أن النبي قنت شهرا ، ثم تركه . انتهى . وقوله : " ثم تركه " يدل على أن القنوت كان في الفرائض ، ثم نسخ .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : قال الخطابي معنى قوله : " ثم تركه “ أي ترك الدعاء على هؤلاء القبائل المذكورة في حديث ابن عباس ، أو ترك القنوت في الصلوات الأربع ، ولم يتركه في صلاة الفجر . ( قلت ) : هذا كلام متحكم متعصب بلا دليل ، فإن الضمير في تركه يرجع إلى القنوت الذي يدل عليه لفظ قنت ، وهو عام يتناول جميع القنوت الذي كان في الصلوات ، وتخصيص الفجر من بينها بلا دليل في اللفظ يدل عليه - باطل .

                                                                                                                                                                                  وقوله : “ أي ترك الدعاء " لا يصح ; لأن الدعاء لم يمض ذكره في هذا الحديث ، ولئن سلمنا فالدعاء هو عين القنوت ، وما ثم شيء غيره ، فيكون قد ترك القنوت ، والترك بعد العمل نسخ .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : روى عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا . ومن طريق عبد الرزاق ، رواه الدارقطني في سننه وإسحاق بن راهويه في مسنده . ( قلت ) : قال ابن الجوزي في العلل المتناهية : هذا حديث لا يصح ; فإن أبا جعفر الرازي اسمه عيسى بن ماهان ، وقال ابن المديني : كان يخلط ، وقال يحيى : كان يخطئ ، وقال أحمد : ليس بالقوي في الحديث ، وقال أبو زرعة : كان يتهم كثيرا ، وقال ابن حبان : كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير . انتهى . ورواه الطحاوي في شرح الآثار وسكت عنه إلا أنه قال : وهو معارض بما روي عن أنس رضي الله تعالى عنه " أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - إنما قنت شهرا يدعو على أحياء من العرب ، ثم تركه " . وروى الطبراني في معجمه حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا غالب بن فرقد الطحان قال : كنت عند أنس بن مالك شهرين فلم يقنت في صلاة الغداة . انتهى ، فهذا يدل على أن القنوت كان ، ثم نسخ ; إذ لو لم ينسخ لم يكن أنس يتركه .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : قال صاحب التنقيح على التحقيق : هذا الحديث - أعني حديث عبد الرزاق المذكور آنفا - أجود أحاديثهم ، وذكر جماعة وثقوا أبا جعفر الرازي - ( قلت ) : قال هو أيضا : وإن صح فهو محمول على أنه ما زال يقنت في النوازل ، أو على أنه ما زال يطول في الصلاة ، فإن القنوت لفظ مشترك بين الطاعة والقيام والخشوع والسكوت وغير ذلك ، قال الله تعالى : إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا وقال : أمن هو قانت آناء الليل ، وقال : ومن يقنت منكن لله ورسوله ، وقال : يا مريم اقنتي ، وقال : وقوموا لله قانتين ، وقال : و كل له قانتون ، وفي الحديث " أفضل الصلاة القنوت " .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية