الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  893 58 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة ، فقال : فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه ، وأشار بيده يقللها .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه ذكر الساعة التي في يوم الجمعة ، ففي كل من الحديث والترجمة الساعة مبهمة ، وقد بينت في أحاديث أخرى ، كما نذكره إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد تكرر ذكرهم ، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان ، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم أيضا في الجمعة عن يحيى بن يحيى ، وقتيبة ، وأخرجه النسائي فيه أيضا عن قتيبة ، وفي اليوم والليلة عن محمد بن مسلمة عن ابن القاسم عن مالك به ، وروى هذا الحديث عن أبي هريرة ابن عباس ، وأبو موسى ، ومحمد بن سيرين ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وهمام ، ومحمد بن زياد ، وأبو سعيد المقبري ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي رباح ، وأبو رافع ، وأبو الأحوص ، وأبو بردة ، ومجاهد ، ويعقوب بن عبد الرحمن .

                                                                                                                                                                                  أما طريق ابن عباس فأخرجها النسائي في اليوم والليلة .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق أبي موسى فذكرها الدارقطني في علله .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق ابن سيرين فأخرجها البخاري في الطلاق ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق أبي سلمة فأخرجها أبو داود : حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة " الحديث بطوله ، وفيه " وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها " .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ، حدثنا معن ، حدثنا مالك بن أنس ، إلى آخره نحوه .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا بكر ، وهو ابن مضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : " أتيت الطور فوجدت فيه كعبا " الحديث بطوله ، وفيه : " وفيها ساعة لا يصادفها عبد مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه " .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق همام فأخرجها مسلم .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق محمد بن زياد فأخرجها مسلم أيضا .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق أبي سعيد المقبري فأخرجها النسائي في اليوم والليلة .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق سعيد بن المسيب فأخرجها النسائي أيضا في اليوم والليلة .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق عطاء بن أبي رباح فأخرجها الدارقطني وقال : هو موقوف ، ومن رفعه فقد وهم .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق أبي رافع فذكرها الدارقطني في ( علله ) .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق أبي الأحوص فأخرجها الدارقطني أيضا ، وقال : الأشبه عن ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق أبي بردة ومجاهد فذكرهما الدارقطني أيضا .

                                                                                                                                                                                  وأما طريق عبد الرحمن بن يعقوب فذكرها أبو عمر بن عبد البر وصححها .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ لا يوافقها " أي : لا يصادفها ، وهذه اللفظة أعم من أن يقصد لها أو يتفق له وقوع الدعاء فيها ، قوله : “ مسلم " وفي رواية النسائي " مؤمن " ، قوله : “ وهو قائم " جملة اسمية وقعت حالا .

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : قوله : " وهو قائم " مفهومه أنه لو لم يكن قائما لا يكون له هذا الحكم ، ثم أجاب بأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يخرج الكلام مخرج الغالب ، وهاهنا ورد بناء على أن الغالب في المصلي أن يكون قائما ، فلا اعتبار لهذا المفهوم ، قوله : “ يصلي " جملة فعلية حالية ، وقوله : “ يسأل الله " أيضا جملة حالية من الأحوال المترادفة أو المتداخلة .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : " وهو قائم يصلي يسأل الله " صفات " لمسلم " . قلت : لا يصح ذلك ; لأن لفظ مسلم ولفظ صالح صفتان لعبد ، والصفة والموصوف في حكم شيء واحد ، والنكرة إذا اتصفت يكون حكمها حكم المعرفة ، فلا يجوز وقوع الجمل بعدها صفات لها ; لأن الجمل لا تقع صفة للمعرفة ; بل إذا وقعت بعدها تكون حالا ، كما هو المقرر في موضعه ، والعجب منه أنه قال : ويحتمل أن يكون يصلي حالا ، فلا وجه لذكر الاحتمال لكونه حالا محققا .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ قائم يصلي " يحتمل الحقيقة أعني حقيقة القيام ، ويحتمل الدعاء [ ص: 242 ] ويحتمل الانتظار ، ويحتمل المواظبة على الشيء لا الوقوف من قوله تعالى : ما دمت عليه قائما يعني : مواظبا .

                                                                                                                                                                                  وقال النووي : قال بعضهم : معنى " يصلي " يدعو ، ومعنى " قائم " ملازم ومواظب ، وإنما ذكر هذه الاحتمالات لئلا يرد الإشكال بأصح الأحاديث الواردة في تعيين الساعة المذكورة ، وهما حديثان أحدهما : من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة ، والآخر : من بعد العصر إلى غروب الشمس ، ففي الأول حال الخطبة كله ، وليست صلاة حقيقة ، وفي الثاني : ليست ساعة صلاة ، ألا ترى أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه لما روى حديثه المذكور قال : " فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له هذا الحديث ، فقال : أنا أعلم تلك الساعة ، فقلت : أخبرني بها ، ولا تضنن بها علي ، قال : هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس " . قلت : وكيف تكون بعد العصر ، وقد قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - : " لا يوافقها عبد مسلم ، وهو يصلي " ، وتلك الساعة لا يصلى فيها ، قال عبد الله بن سلام : أليس قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة " . قلت : بلى ، قال : فهو ذاك " ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  فهذا دل على أن المراد من الصلاة الدعاء ، ومن القيام الملازمة والمواظبة ، لا حقيقة القيام ، ولهذا سقط قوله : " قائم " من رواية أبي مصعب ، وابن أبي أويس ، ومطرف ، والتنيسي ، وقتيبة ، وأثبتها الباقون ، قال أبو عمر : وهذه زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه ، وكان محمد بن وضاح يأمر بحذف هذه الزيادة من الحديث لأجل أنه كان يستشكل بالإشكال الذي ذكرناه ، ولكن الجواب ما ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ شيئا " أي : مما يليق أن يدعو به المسلم ويسأل الله ، وفي رواية عند البخاري في الطلاق " يسأل الله خيرا " ، وفي رواية لمسلم كذلك ، وفي رواية ابن ماجه " ما لم يسأل حراما " ، وعند أحمد في حديث سعد بن عبادة " ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم " ، فإن قلت : قطيعة رحم من جملة الإثم . قلت : هو من عطف الخاص على العام للاهتمام به .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ وأشار بيده " أي : وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ، وكذا هو في رواية أبي مصعب عن مالك ، قوله : “ يقللها " جملة وقعت حالا ، وهو من التقليل خلاف التكثير يريد أن الساعة لحظة خفيفة ، وفي رواية لمسلم " يزهدها " ، وهو بمعناه ، وفي لفظ " وهي ساعة خفيفة " ، وللطبراني في ( الأوسط ) في حديث أنس " وهي قدر هذا " يعني قبضة ، ثم بقي الكلام هنا في بيان الساعة المذكورة ، وبيان ما فيها من الأقوال ، وهو مشتمل على وجوه .

                                                                                                                                                                                  الأول : في حقيقة الساعة ، وهي اسم لجزء مخصوص من الزمان ، ويرد على أنحاء :

                                                                                                                                                                                  أحدها : يطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءا ، وهي مجموع اليوم والليلة ، وتارة تطلق مجازا على جزء ما غير مقدر من الزمان ، فلا يتحقق ، وتارة تطلق على الوقت الحاضر ، ولأرباب النجوم والهندسة وضع آخر ، وذلك أنهم يقسمون كل نهار وكل ليلة باثني عشر قسما سواء كان النهار طويلا أو قصيرا ، وكذلك الليل ، ويسمون كل ساعة من هذه الأقسام ساعة ، فعلى هذا تكون الساعة تارة طويلة ، وتارة قصيرة على قدر النهار في طوله وقصره ، ويسمون هذه الساعات المعوجة ، وتلك الأول مستقيمة .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أن في هذه الساعة اختلافا هل هي باقية أو رفعت ؟ فزعم قوم أنها رفعت ، حكاه أبو عمر بن عبد البر وزيفه .

                                                                                                                                                                                  وقال عياض : رده السلف على قائله ، واحتج أبو عمر فيه بما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن داود بن أبي عاصم " عن عبد الله بن يحنس مولى معاوية قال : قلت لأبي هريرة : زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة قد رفعت ، قال : كذب من قال ذلك . قلت : فهي باقية في كل جمعة أستقبلها ؟ قال : نعم " إسناده قوي ، قال أبو عمر : على هذا تواترت الأخبار ، وفي ( صحيح ) من حديث أبي سلمة " قلت : يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في يوم الجمعة هل عندك فيها علم ؟ فقال : سألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها ، فقال : إني كنت أعلمها ، ثم أنسيتها ، كما أنسيت ليلة القدر " ، ثم قال : صحيح ، وخرجه ابن خزيمة أيضا في ( صحيحه ) ، وفي ( كتاب ابن زنجويه ) عن محمد بن كعب القرظي أن كلبا مر بعد العصر في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رجل من الصحابة : اللهم اقتله فمات ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لقد وافق هذا الساعة التي إذا دعي استجيب .

                                                                                                                                                                                  الثالث : في أنها لما ثبت أنها باقية هل هي في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة ؟ قال كعب الأحبار : في كل سنة يوم ، فقال أبو هريرة : بلى في كل جمعة ، قال : فقرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه أبو داود ، والنسائي ، والترمذي فرجع كعب إليه .

                                                                                                                                                                                  الوجه الرابع : في بيان وقتها ، وهو على أقوال ، فقيل : هي مخفية في جميع اليوم كليلة القدر قاله ابن قدامة ، وحكاه القاضي [ ص: 243 ] عياض وغيره ، ونقله ابن الصباغ عن كعب الأحبار ، والحكمة في إخفائها الجد والاجتهاد في طلبها في كل اليوم ، كما أخفى أولياءه في خلقه تحسينا للظن بالصالحين ، وقيل : إنها تنتقل في يوم الجمعة ، ولا تلزم ساعة معينة لا ظاهرة ولا مخفية ، قال الغزالي : هذا أشبه الأقوال ، وجزم به ابن عساكر وغيره .

                                                                                                                                                                                  وقال المحب الطبري : إنه هو الأظهر ، وقيل : إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة ذكره ابن أبي شيبة ، وقيل : من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، رواه ابن عساكر من طريق أبي جعفر الرازي عن ليث ابن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                  قوله : وقيل مثله ، وزاد ، ومن العصر إلى الغروب ، رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة ، عن ليث ابن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة ، وتابعه فضيل بن عياض ، عن ليث عند ابن المنذر ، وقيل مثله ، وزاد : وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر ، رواه حميد بن زنجويه في ( الترغيب ) له من طريق عطاء بن قرة ، عن عبد الله بن سمرة ، عن أبي هريرة قال : التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاثة فذكرها .

                                                                                                                                                                                  وقيل : إنها أول ساعة بعد طلوع الشمس ، حكاه المحب الطبري ، وقيل : عند طلوع الشمس ، حكاه الغزالي في ( الإحياء ) ، وقيل : في آخر الثالثة من النهار ، لما رواه أحمد من طريق علي بن أبي طلحة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم ، وفي آخره ثلاث ساعات منه ساعة من دعا الله تعالى فيها استجيب له " ، وفي إسناده فرج بن فضالة ، وهو ضعيف ، وعلي لم يسمع من أبي هريرة ، وقيل : من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع ، حكاه المحب الطبري في ( الأحكام ) ، وقيل مثله ، لكن قال : إلى أن يصير الظل ذراعا ، حكاه عياض ، والقرطبي ، والنووي ، وقيل : بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع ، رواه ابن المنذر ، وابن عبد البر بإسناد قوي إلى الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ، عن أبي ذر أن امرأته سألته عنها ، فقال ذلك ، وقيل : إذا زالت الشمس حكاه ابن المنذر عن أبي العالية .

                                                                                                                                                                                  وروى ابن سعد في ( الطبقات ) عن عبيد الله بن نوفل نحوه ، وروى ابن عساكر من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس ، وقيل : إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة ، رواه ابن المنذر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : يوم الجمعة مثل يوم عرفة ، تفتح فيه أبواب السماء ، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه ، قيل : أية ساعة ؟ قالت : إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة ، والفرق بينه وبين القول الذي قبله من حيث إن الأذان قد يتأخر عن الزوال .

                                                                                                                                                                                  وقيل : من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة ، ذكره ابن المنذر عن أبي السوار العدوي ، وحكاه ابن الصباغ بلفظ " إلى أن يدخل الإمام " ، وقيل : من الزوال إلى خروج الإمام حكاه القاضي أبو الطيب الطبري ، وقيل : من الزوال إلى غروب الشمس ، حكي عن الحسن ، ونقله صاحب التوضيح ، وقيل : ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة ، رواه ابن المنذر عن الحسن ، وقيل : عند خروج الإمام ، روي ذلك عن الحسن ، وقيل : ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة ، رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن سالم عن الشعبي .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ من طريق معاوية " بن قرة عن أبي بردة بن أبي موسى ، قوله : “ وفيه أن ابن عمر استصوب ذلك " وقيل : ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل ، رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ وقيل ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة " رواه حميد بن زنجويه عن ابن عباس ، وحكاه البغوي في ( شرح السنة ) عنه ، وقيل : ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة ، رواه مسلم وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن أبي بردة بن أبي موسى أن ابن عمر سأله عما سمع من أبيه في ساعة الجمعة ، فقال : سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول ، فذكره ، ويحتمل أن يكون هذا والقولان اللذان قبله متحدة .

                                                                                                                                                                                  وقيل : عند التأذين ، وعند تذكير الإمام ، وعند الإقامة ، رواه حميد بن زنجويه من طريق سليم بن عامر ، عن عوف بن مالك الأشجعي الصحابي رضي الله تعالى عنه ، وقيل مثله ، لكن قال : إذا أذن ، وإذا رقى المنبر ، وإذا أقيمت الصلاة ، رواه ابن أبي شيبة ، وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي .

                                                                                                                                                                                  قوله : وقيل من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغها ، رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن عمر مرفوعا ، وإسناده ضعيف ، وقيل : إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة ، حكاه الغزالي في ( الإحياء ) ، وقيل : عند الجلوس بين الخطبتين ، حكاه الطيبي عن بعض شراح ( المصابيح ) ، وقيل : عند نزول الإمام عن المنبر ، رواه ابن أبي شيبة وحميد بن زنجويه وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق عن أبي بردة ، قوله : وقيل : حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه ، حكاه ابن المنذر عن الحسن [ ص: 244 ] أيضا ، ورواه الطبراني من حديث ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعا بإسناد ضعيف ، وقيل : من إقامة الصلاة إلى تمام الصلاة ، رواه الترمذي ، وابن ماجه من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا ، وفيه قالوا : " أية ساعة يا رسول الله ، قال : حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها " ، ورواه البيهقي في ( شعب الإيمان ) من هذا الوجه بلفظ " ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة " ، ورواه ابن أبي شيبة من طريق مغيرة عن واصل الأحدب عن أبي بردة .

                                                                                                                                                                                  قوله : وإسناده قوي ، وفيه أن ابن عمر استحسن ذلك منه ، وبرك عليه ، ومسح على رأسه ، ورواه ابن جرير ، وسعيد بن منصور عن ابن سيرين نحوه ، وقيل : هي الساعة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيها الجمعة ، رواه ابن عساكر بإسناد صحيح عن ابن سيرين ، وقيل : من صلاة العصر إلى غروب الشمس ، رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس موقوفا ، ومن طريق صفوان بن سليم ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ " فالتمسوها بعد العصر " ، ورواه الترمذي من طريق موسى بن وردان عن أنس مرفوعا بلفظ " بعد العصر إلى غيبوبة الشمس " ، وإسناده ضعيف ، وقيل : في صلاة العصر ، رواه عبد الرزاق عن عمر بن أبي ذر ، عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا ، وقيل : بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار ، حكاه الغزالي في ( الإحياء ) ، وقيل : بعد العصر مطلقا ، رواه أحمد من طريق محمد بن سلمة الأنصاري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة وابن سعيد مرفوعا بلفظ " وهي بعد العصر " ، ورواه ابن المنذر عن مجاهد مثله ، وقيل : من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب ، رواه عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن إسماعيل بن كيسان ، عن طاوس .

                                                                                                                                                                                  قوله : وقيل : آخر ساعة بعد العصر ، رواه أبو داود من حديث جابر مرفوعا ، ولفظه " يوم الجمعة ثنتا عشرة ، يريد ساعة ، لا يوجد مسلم يسأل الله شيئا إلا آتاه الله ، فالتمسوها آخر الساعة يوم الجمعة " ، وأخرجه النسائي والحاكم ، وقيل : من حين يغيب نصف قرص الشمس إلى أن يتكامل غروبها ، رواه الطبراني في ( الأوسط ) ، والدارقطني في ( العلل ) ، والبيهقي في ( الشعب ) ، و( فضائل الأوقات ) من طريق زيد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم : " حدثتني مرجانة مولاة فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : حدثتني فاطمة رضي الله تعالى عنها ، عن أبيها ، فذكر الحديث ، وفيه " قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أي ساعة هي ؟ قال : إذا تدلى نصف الشمس للغروب ، فكانت فاطمة رضي الله تعالى عنها . . . " .

                                                                                                                                                                                  فهذه أربعون قولا ، وكثير من هذه الأقوال يمكن اتحاده مع غيره .

                                                                                                                                                                                  وقال المحب الطبري : أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى ، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام .

                                                                                                                                                                                  وقال البيهقي بإسناده إلى مسلم أنه قال : حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه ، وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة آخرون .

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي : هو نص في موضع الخلاف ، فلا يلتفت إلى غيره .

                                                                                                                                                                                  وقال النووي : هو الصحيح ; بل الصواب ، وجزم في ( الروضة ) أنه هو الصواب ، ورجح أيضا بكونه مرفوعا صريحا في أحد الصحيحين ، وذهب الآخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام ، فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال : أكثر الأحاديث على ذلك .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن عبد البر : إنه أثبت شيء في هذا الباب .

                                                                                                                                                                                  قلت : حديث أبي موسى أخرجه مسلم من رواية مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال : " قال لي عبد الله بن عمر : أسمعت أباك " ، الحديث ، وقد ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  ولما روى الترمذي من حديث أنس وأبي هريرة قال : وفي الباب عن أبي موسى ، وأبي ذر ، وسلمان ، وعبد الله بن سلام ، وأبي أمامة ، وسعد بن عبادة . قلت : وفيه أيضا عن جابر ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي سعيد الخدري ، وفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وميمونة بنت سعد ، فحديث أبي موسى عند مسلم ، كما ذكرناه ، وحديث أبي ذر عند . . . ، وحديث سلمان عند . . . ، وحديث عبد الله بن سلام عند ابن ماجه ، وحديث أبي أمامة عند ابن ماجه أيضا ، وحديث سعد بن عبادة عند أحمد والبزار والطبراني ، وحديث جابر عند أبي داود والنسائي ، وحديث علي بن أبي طالب عند البزار ، وحديث أبي سعيد عند أحمد ، وحديث فاطمة عند الطبراني في ( الأوسط ) ، وحديث ميمونة بنت سعد عند الطبراني في ( الكبير ) .

                                                                                                                                                                                  وقال شيخنا شارح الترمذي : حديث أبي هريرة أصحها ، وليس بين حديث أبي هريرة وبين حديث أبي موسى اختلاف ولا تباين [ ص: 245 ] وإنما الاختلاف بين حديث أبي موسى وبين الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أو آخر ساعة منه ، فإما أن يصار إلى الجمع أو الترجيح ، فأما الجمع فإنما يمكن بأن يصار إلى القول بالانتقال ، وإن لم يقل بالانتقال يكون الأمر بالترجيح ، فلا شك أن الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أرجح لكثرتها ، واتصالها بالسماع ، ولهذا لم يختلف في رفعها ، والاعتضاد بكونه قول أكثر الصحابة ففيها أوجه من وجوه الترجيح ، وفي حديث أبي موسى وجه واحد من وجوه الترجيح ، وهو كونه في أحد الصحيحين دون بقية الأحاديث ، ولكن عارض كونه في أحد الصحيحين أمران :

                                                                                                                                                                                  أحدهما : أنه ليس متصلا بالسماع بين مخرمة بن بكير وبين أبيه بكير بن عبد الله بن الأشج ، قال أحمد بن حنبل : مخرمة ثقة ، ولم يسمع من أبيه ، وقال عباس الدوري عن ابن معين : مخرمة ضعيف الحديث ، ليس حديثه بشيء ، يقولون إن حديثه عن أبيه كتاب .

                                                                                                                                                                                  والأمر الثاني : أن أكثر الرواة جعلوه من قول أبي بردة مقطوعا ، وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه ، وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية