الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  91 33 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سليمان بن بلال المديني ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن يزيد مولى المنبعث ، عن زيد بن خالد الجهني : أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللقطة فقال : اعرف وكاءها ، أو قال وعاءها وعفاصها ، ثم عرفها سنة ، ثم استمتع بها ، فإن جاء ربها فأدها إليه ، قال : فضالة الإبل ؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه ، أو قال احمر وجهه ، فقال : وما لك ولها ، معها سقاؤها وحذاؤها ، ترد الماء وترعى الشجر ، فذرها حتى يلقاها ربها ، قال : فضالة الغنم ؟ قال : لك أو لأخيك أو للذئب .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة في قوله : " فغضب حتى احمرت وجنتاه " .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله : وهم ستة ، الأول : عبد الله بن محمد أبو جعفر المسندي بفتح النون ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أبو عامر عبد الملك ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  الثالث : سليمان بن بلال المديني ، وقد تقدم ، وفي بعض النسخ المدني ، قال الجوهري : إذا نسبت إلى مدينة النبي عليه السلام قلت : مدني ، وإلى مدينة المنصور مديني ، وإلى مدائن كسرى مدائني ، قلت : فعلى هذا التقدير لا يصح المديني لأنه من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الحافظ أبو الفضل المقدسي في كتاب الأنساب : قال البخاري : المديني هو الذي أقام بمدينة رسول الله عليه السلام ولم يفارقها ، والمدني هو الذي تحول عنها وكان منها .

                                                                                                                                                                                  الرابع : ربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي ، وقد يقال الرئي بالتشديد منسوبا إلى الرأي ، وهو شيخ مالك ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  الخامس : يزيد ، من الزيادة مولى المنبعث ، اسم فاعل من الانبعاث بالنون والموحدة والمهملة والمثلثة المدني ، روى عن أبي هريرة وزيد بن خالد ، وعن ربيعة ، ويحيى بن سعيد ، ثقة ، روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 108 ] السادس : زيد بن خالد الجهني بضم الجيم وفتح الهاء والنون ، منسوب إلى جهينة بن زيد بن لوث بن سود بن أسلم ، بضم اللام بن الحاف بن قضاعة ، يكنى أبا طلحة ، وقيل أبا عبد الرحمن ، وقيل أبا زرعة ، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح ، روي له عن رسول الله عليه السلام أحد وثمانون حديثا ، ذكر البخاري منها خمسة ، نزل الكوفة ومات بها سنة ثمان وسبعين وهو ابن خمس وثمانين ، وقيل مات بالمدينة ، وقيل بمصر ، روى له الجماعة ، وليس في الصحابة زيد بن خالد سواه .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده : منها أن فيه التحديث والعنعنة ، ومنها أن رواته ما بين بخاري وبصري ومدني ، ومنها أن فيه رواية تابعي عن تابعي .

                                                                                                                                                                                  بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري هنا عن المسندي عن العقدي عن المديني ، وفي اللقطة عن عبد الله بن يوسف ، وفي الشرب عن إسماعيل بن عبد الله ، كلاهما عن مالك ، وفي اللقطة عن قتيبة ، وفي الأدب عن محمد ، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر ، وفي اللقطة عن محمد بن يوسف وعن عمرو بن العباس عن عبد الرحمن بن المهدي ، كلاهما عن سفيان الثوري ، أربعتهم عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وفي اللقطة عن إسماعيل بن عبد الله عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ، كلاهما عنه به ، وفي الطلاق عن علي بن عبد الله عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عنه به مرسلا أن النبي عليه السلام سئل عن ضالة الغنم ، قال يحيى : ويقول ربيعة عن يزيد مولى المنبعث ، عن زيد بن خالد ، قال سفيان : فلقيت ربيعة ولم أحفظ عنه شيئا غير هذا ، قلت : أرأيت حديث يزيد مولى المنبعث في أمر الضالة هو عن يزيد بن خالد ؟ قال : نعم ، وأخرجه مسلم في القضاء عن يحيى بن يحيى عن مالك ، وعن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر ، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر ، وعن أحمد بن عثمان بن حكيم الأزدي عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال ، وعن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب عن الثوري ومالك وعمرو بن الحارث وغيرهم ، كلهم عن ربيعة به ، وعن القعنبي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد به متصلا ، وعن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد وربيعة به ، وأخرجه أبو داود في اللقطة عن قتيبة ، وعن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب عن مالك به ، وعن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به ، وعن أحمد بن حفص عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن أبيه ، وأخرجه الترمذي في الأحكام عن قتيبة به ، وقال : حسن صحيح ، وأخرجه النسائي في الضوال واللقطة عن قتيبة به ، وقال : حسن صحيح ، وعلي بن حجر به مقطعا ، وعن أحمد بن حفص به ، وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن إسحاق بن إسماعيل بن العلاء الأيلي عن سفيان عن يحيى عن ربيعة .

                                                                                                                                                                                  بيان اللغات : قوله " عن اللقطة " بضم اللام وفتح القاف الشيء الملقوط ، وقال القاضي : لا يجوز فيه غير ضم اللام وفتح القاف ، وقال النووي : هو المشهور ، قال الأزهري : قال الخليل بالإسكان ، قال : والذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة ورواة الأخبار فتحها ، كذا قال الأصمعي والفراء وابن الأعرابي ، وقال النووي : ويقال لها لقطة بالضم ولقط بفتح اللام والقاف بغير هاء ، وهو من الالتقاط وهو وجود الشيء من غير طلب ، فإن قلت : ما هذه الصيغة ؟ قلت : قال بعض الشارحين هو اسم الفاعل للمبالغة ، وبسكون القاف اسم المفعول كالضحكة ، وهو اسم للمال الملتقط ، وسمي باسم المال مبالغة لزيادة معنى اختص به ، وهو أن كل من رآها يميل إلى رفعها فكأنه يأمره بالرفع لأنها حاملة إليه ، فأسند إليها مجازا فجعلت كأنها هي التي رفعت نفسها ، ونظيره قولهم ناقة حلوب ودابة ركوب ، وهو اسم فاعل ; سميت بذلك لأن من رآهما يرغب في الركوب والحلب ، فنزلت كأنها أحلبت نفسها أو أركبت نفسها ، وفيه تعسف وليس كذلك بل اللقطة سواء كان بفتح القاف أو سكونها اسم موضوع على هذه الصيغة للمال الملتقط ، وليس هذا مثل ضحكة ولا مثل ناقة حلوب ودابة ركوب ; لأن هذه صفات تدل على الحدوث والتجدد غير أن الأول في المبالغة في وصف الفاعل أو المفعول ، والثاني والثالث بمعنى المفعول للمبالغة ، وقال الكرماني : قال الخليل : بالفتح هو اللاقط وبالسكون الملقوط ، وقال الأزهري : هذا هو القياس في كلام العرب لأن فعلة كالضحكة جاء فاعلا ، وفعلة كالضحكة مفعولا إلا أن اللقطة على خلاف القياس إذ أجمعوا على الهاء بالفتح هو الملقوط ، وقال ابن مالك : فيها أربع لغات اللقطة بالفتح وبالسكون واللقاطة بضم اللام واللقطة بفتح اللام والقاف ، قوله " اعرف " بكسر الهمزة من المعرفة لا من الإعراف ، قوله " وكاءها " بكسر الواو وبالمد هو الذي تشد به رأس الصرة والكيس ونحوهما ، ويقال هو الخيط الذي يشد به الوعاء ، يقال : [ ص: 109 ] أوكيته إيكاء فهو موكى مقصور ، والفعل منه معتل اللام بالياء ، يقال أوكى على ماء في سقائه أي شده بالوكاء ، ومنه أوكوا قربكم ، وأوكى يوكي مثل أعطى يعطي إعطاء ، وأما المهموز فمعنى آخر ، يقال أوكأت الرجل أعطيته ما يتوكأ عليه ، واتكأ على الشيء بالهمزة فهو متكئ ، قوله " وعاءها " بكسر الواو وهو الظرف ويجوز ضمها ، وهو قراءة الحسن " وعاء أخيه " وهو لغة ، وقرأ سعيد بن جبير " إعاء أخيه " بقلب الواو همزة ، ذكره الزمخشري ، وقال الجوهري : الوعاء واحد الأوعية ، يقال : أوعيت الزاد والمتاع إذا جعلته في الوعاء ، قال عبيد بن الأبرص :

                                                                                                                                                                                  الخير يبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما أوعيت من زاد

                                                                                                                                                                                  قوله " وعفاصها " بكسر العين المهملة وبالفاء ، وقال الكرماني : وبالقاف ، والظاهر أنه غلط من الناسخ أو سهو منه أو يكون ذهنه بادر إلى ما قيل العقاص بالقاف الخيط يشد به أطراف الذوائب ، قال في العباب : العفاص الوعاء الذي يكون فيه النفقة إن كان جلدا أو خرقة أو غير ذلك ، عن أبي عبيد ، وكذلك يسمى الجلد الذي يكبس رأس القارورة العفاص لأنه كالوعاء لها ، ومنه الحديث ، ثم ذكر هذا الحديث ، وقال الليث : عفاص القارورة صمامها ، ويقال أيضا عفاص القارورة غلافها ، وهو فعال من العفص وهو الثني والعطف ; لأن الوعاء ينثني على ما فيه وينعطف ، وقد عفصت القارورة أعفصها بالكسر عفصا إذا شددت عليها العفاص ، وقال الفراء : عفصت القارورة إذا جعلت لها عفاصا ، والصمام بكسر الصاد المهملة هو الجلد الذي يدخل في فم القارورة ، وكذا أيضا يقال لكل ما سددت به شيئا السداد بالكسر وهو البلغة أيضا ، ومنه قول الشاعر :

                                                                                                                                                                                  أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر

                                                                                                                                                                                  وأما السداد بالفتح فالقصد في الدين والسبيل ، قوله " ربها " أي مالكها ، ولا يطلق الرب على غير الله إلا مضافا مقيدا ، قوله " فضالة الإبل " قال الأزهري : لا يقع اسم الضالة إلا على الحيوان ، يقال : ضل الإنسان والبعير وغيرهما من الحيوان وهي الضوال ، وأما الأمتعة وما سوى الحيوان فيقال له : لقطة ، ولا يقال ضال ، ويقال للضوالي أيضا الهوامي والهوافي ، واحدتها هامية وهافية ، وهمت وهفت وهملت إذا ذهبت على وجهها بلا راع ، قوله " وجنتاه " الوجنة ما ارتفع من الخد ، ويقال : ما علا من لحم الخدين يقال فيه وجنة ، بفتح الواو وكسرها وضمها ، وأجنة بضم الهمزة ، ذكره الجوهري وغيره ، قوله " سقاؤها " بكسر السين هو اللبن والماء ، والجمع القليل أسقية والكثير أساقي ، كما أن الرطب للبن خاصة والنحي للسمن والقربة للماء ، قوله " وحذاؤها " بكسر الحاء المهملة وبالمد ما وطئ عليه البعير من خفه والفرس من حافره ، والحذاء النعل أيضا ، قوله " ترد " من الورود ، قوله " فذرها " أي دعها من يذر وأميت ماضيه ، قوله " الغنم " وهو اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور وعلى الإناث وعليهما جميعا ، فإذا صغرتها ألحقتها الهاء فقلت : غنيمة ; لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدمين فالتأنيث لها لازم ، يقال : خمس من الغنم ذكور فتؤنث العدد وإن عنيت الكباش إذا كان يليه من الغنم لأن العدد يجري تذكيره وتأنيثه على اللفظ لا على المعنى ، والإبل كالغنم في جميع ذلك ، قوله " للذئب " بالهمزة ، وقد تخفف بقلبها ياء والأنثى ذئبة .

                                                                                                                                                                                  بيان الإعراب : قوله " رجل " فاعل سأله ، قوله " وكاءها " بالنصب مفعول اعرف ، وقوله " ثم عرفها " عطف على " اعرفها " قوله " سنة " نصب بنزع الخافض أي مدة سنة ، قوله " ثم استمتع " عطف على " ثم عرفها " قوله " فأدها " جواب الشرط فلذلك دخلته الفاء ، قوله " فضالة الإبل " كلام إضافي مبتدأ وخبره محذوف أي ما حكمها أكذلك أم لا ، وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف ، قوله " فغضب " الفاء فيه للسببية كما في قوله تعالى : فوكزه موسى فقضى عليه قوله " حتى " للغاية بمعنى إلى أن ، وقوله " وجنتاه " فاعل احمرت ، وعلامة الرفع الألف ، قوله " ما لك ولها " وفي بعض النسخ وما لك بالواو ، وفي بعضها فما لك بالفاء ، وكلمة ما استفهامية ، ومعناه ما تصنع بها أي لم تأخذها ولم تتناولها وإنها مستقلة بأسباب تعيشها ، قوله " سقاؤها " مبتدأ و " معها " مقدما خبره " وحذاؤها " عطف على سقاؤها ، قوله " ترد الماء " جملة يجوز أن تكون بيانا لما قبلها فلا محل لها من الإعراب ، ويجوز أن يكون محلها الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي ترد الماء وترعى الشجر ، قوله " فذرها " جملة من الفعل والفاعل والمفعول ، والفاء فيها جواب شرط محذوف التقدير إذا كان الأمر كذلك فذرها ، فكلمة [ ص: 110 ] حتى للغاية ، قوله " فضالة الغنم " كلام إضافي مبتدأ خبره أي ما حكمها أهي مثل ضالة الإبل أم لا ، قوله " لك أو لأخيك أو للذئب " فيه حذف تقديره ليست ضالة الغنم مثل ضالة الإبل ، هي لك إن أخذتها أو هي لأخيك إن لم تأخذها ، يعني يأخذها غيرك من اللاقطين أو يكون المار من الأخ صاحبها ، والمعنى أو هي لأخيك الذي هو صاحبها إن ظهر أو هي للذئب إن لم تأخذها ، ولم يتفق أن يأخذها غيرك أيضا لأنه يخاف عليها من الذئب ونحوه فيأكلها غالبا ، فإذا كان المعنى على هذا يكون محل لك من الإعراب الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وكذلك لأخيك وللذئب .

                                                                                                                                                                                  بيان المعاني : قوله " سأله رجل " هو عمير والد مالك ، قوله " أو قال " شك من الراوي ، قال الكرماني : هو زيد بن خالد ، قلت : ويجوز أن يكون ممن دونه من الرواة ، وفي بعض طرقه عند البخاري " اعرف عفاصها ووكاءها " من غير شك " ثم عرفها سنة ، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها " إنما أمر بمعرفة العفاص والوكاء ليعرف صدق واصفها من كذبه ولئلا يختلط بماله ، ويستحب التقييد بالكتابة خوف النسيان ، وعن ابن داود من الشافعية أن معرفتها قبل حضور المالك مستحب ، وقال المتولي : يجب معرفتها عند الالتقاط ويعرف أيضا الجنس والقدر وطول الثوب وغير ذلك ودقته وصفاقته ، قوله " ثم عرفها " أي للناس بذكر بعض صفاتها في المحافل " سنة " أي متصلة كل يوم مرتين ثم مرة ثم في كل أسبوع ثم في كل شهر في بلد اللقط ، فإن قلت : جاء في حديث أبي ثلاث سنين وفي بعض طرقه الشك في سنة أو ثلاث ، قلت : جمع بينها بطرح الشك والزيادة ، وترد الزيادة لمخالفتها باقي الأحاديث ، وقيل : هي قصتان الأولى للأعرابي والثانية لأبي أفتاه بالورع بالتربص ثلاثة أعوام إذ هو من فضلاء الصحابة ، قوله " ثم استمتع بها " قالوا : الإتيان هنا بثم دال على المبالغة في التثبت على العفاص والوكاء إذ كان وضعها للتراخي والمهلة ، فكأنه عبارة عن قوله لا تعجل وتثبت في عرفان ذلك ، قوله " فغضب " أي رسول الله عليه الصلاة والسلام ، قال الخطابي : إنما كان غضبه استقصارا لعلم السائل وسوء فهمه إذ لم يراع المعنى المشار إليه ولم يتنبه له فقاس الشيء على غير نظيره ، فإن اللقطة إنما هي اسم للشيء الذي يسقط من صاحبه ولا يدري أين موضعه ، وليس كذلك الإبل فإنها مخالفة للقطة اسما وصفة ، فإنها غير عادمة أسباب القدرة على العود إلى ربها لقوة سيرها وكون الحذاء والسقاء معها ; لأنها ترد الماء ربعا وخمسا وتمتنع من الذئاب وغيرها من صغار السباع ومن التردي وغير ذلك ، بخلاف الغنم فإنها بالعكس ، فجعل سبيل الغنم سبيل اللقطة ، قلت : في بعض من ذكره نظر وهو قوله : اللقطة اسم للشيء الذي يسقط من صاحبه ، إلى قوله : وصفة فإن الغنم أيضا ليس كذلك فينبغي أن يكون مثل الإبل على هذا الكلام ، مع أنه ليس مثل الإبل ، وقوله أيضا : وتمتنع من الذئاب فإن الجواميس تمتنع من كبار السباع فضلا عن صغارها وتغيب عن صاحبها أياما عديدة ترعى وتشرب ثم تعود فينبغي أن تكون مثل الإبل ، مع أنه ليس كذلك ، قوله " ما لك ولها " فيه نهي عن أخذها ، وقوله " لك أو لأخيك " فيه إذن لأخذها .

                                                                                                                                                                                  ومن البيان : فيه التشبيه وهو في قوله " معها سقاؤها وحذاؤها " فإنه شبه الإبل بمن كان معه حذاء وسقاء في السفر .

                                                                                                                                                                                  ومن البديع : فيه الجناس الناقص وهو في قوله اعرف وعرف ، والحرف المشدد في حكم المخفف في هذا الباب فافهم .

                                                                                                                                                                                  بيان استنباط الأحكام : وهو على وجوه ، الأول : حكى القاضي عن بعضهم الإجماع على أن معرفة العفاص والوكاء من إحدى علامات اللقطة ، قلت : فإن وصفها وبينها ، قال أصحابنا الحنفية : حل للملتقط أن يدفعها إليه من غير أن يجبر عليه في القضاء ، وقال الشافعي ومالك : يجبر على دفعها لما جاء في رواية مسلم " فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه وإلا فهي لك " وهذا أمر وهو للوجوب ، قالت الحنفية : هذا مدع وعليه البينة لقوله عليه الصلاة والسلام " البينة على من ادعى " والعلامة لا تدل على الملك ولا على اليد لأن الإنسان قد يقف على مال غيره ويخفى عليه مال نفسه ، فلا عبرة بها ، والحديث محمول على الجواز توفيقا بين الأخبار ; لأن الأمر قد يراد به الإباحة وبه نقول ، وقالالشيخ قطب الدين : إذا وصفها فهل يجب إعطاؤها بالوصف أم لا ؟ ذهب مالك إلى وجوبه ، واختلف أصحابه هل يحلف ؟ قال ابن القاسم : لا يحلف ، وقال أشهب وسحنون : يحلف ، وألحقوا به السارق إذا سرق مالا ونسي المسروق منه ثم أتى من وصفه فإنه يعطى ، وأما الوديعة إذا نسي من أودعها إياه فمن أصحابه من أجراها مجرى اللقطة والسرقة ، ومنهم من فرق بينهما بأن كل موضع يتعذر فيه على المالك إقامة البينة اكتفى فيه بالصفة ، وفي [ ص: 111 ] المثالين الأولين يتعذر إقامة البينة بخلاف الوديعة ، ثم في الإعطاء بالوصف منهم من شرط الأوصاف الثلاثة ، ومنهم من اقتصر على البعض ، وعند مالك خلاف قيل عنده : لا بد من معرفة الجميع ، وقيل يكفي وصفان ، وقيل لا بد من العفاص والوكاء ، وفي شرح السنة اختلفوا في أنه لو ادعى رجل اللقطة وعرف عفاصها ووكاءها ، فذهب مالك وأحمد إلى أنه يدفع إليه من غير بينة أقامها عليه ، وهو المقصود من معرفة العفاص والوكاء ، وقال الشافعي والحنفية : إذا وقع في النفس صدق المدعي فله أن يعطيه وإلا فبينة .

                                                                                                                                                                                  الثاني : هل يجب على اللاقط التقاط اللقطة ، فروي عن مالك الكراهة ، وروي عنه أن أخذها أفضل فيما له بال ، وللشافعي ثلاثة أقوال أصحها يستحب الأخذ ولا يجب ، والثاني يجب ، والثالث إن خاف عليها وجب وإن أمن عليها استحب ، وعن أحمد يندب تركها ، وفي شرح الطحاوي إذا وجد لقطة فالأفضل له أن يرفعها إذا كان يأمن على نفسه ، وإذا كان لم يأمن لا يرفعها ، وفي شرح الأقطع يستحب أخذ اللقطة ولا يجب ، وفي النوازل قال أبو نصر محمد بن محمد بن سلام : ترك اللقطة أفضل في قول أصحابنا من رفعه ، ورفع اللقيط أفضل من تركه ، وفي خلاصة الفتاوى إن خاف ضياعها يفترض الرفع وإن لم يخف يباح رفعها ، أجمع العلماء عليه ، والأفضل الرفع في ظاهر المذهب ، وفي فتاوىالولوالجي : اختلف العلماء في رفعها ، قال بعضهم : رفعها أفضل من تركها ، وقال بعضهم : يحل رفعها ، وتركها أفضل ، وفي شرح الطحاوي : ولو رفعها ووضعها في مكانه ذلك فلا ضمان عليه في ظاهر الرواية ، وقال بعض مشايخنا : هذا إذا لم يبرح من ذلك المكان حتى وضع هناك ، فأما إذا ذهب عن مكانه ذلك ثم أعادها ووضعها فيه فإنه يضمن ، وقال بعضهم : يضمن مطلقا ، وهذا خلاف ظاهر الرواية .

                                                                                                                                                                                  الثالث : احتج به من يمنع التقاط الإبل إذا استغنت بقوتها عن حفظها ، وهو قول الشافعي ومالك وأحمد ، ويقال عند الشافعي : لا يصح في الكبار ويصح في الصغار ، وعند مالك : لا يصح في الإبل والخيل والبغل والحمار فقط ، وعند أحمد : لا يصح في الكل حتى الغنم ، وعنه يصح في الغنم ، وفي بعض شروح البخاري وعند الشافعية : يجوز للحفظ فقط إلا أن يوجد بقرية أو بلد فيجوز على الأصح ، وعند المالكية ثلاثة أقوال في التقاط الإبل ، ثالثها : يجوز في القرى دون الصحراء ، وقالت الشافعية : في معنى الإبل كل ما امتنع بقوته عن صغار السباع كالفرس والأرنب والظبي ، وعند المالكية خلاف في ذلك ، وقال ابن القاسم : يلحق البقر بالإبل دون غيرها إذا كانت بمكان لا يخاف عليها فيه من السباع ، وقال القاضي : اختلف عند مالك في الدواب والبقر والبغال والحمير هل حكمها حكم الإبل أو سائر اللقطات ، وقالت الحنفية : يصح التقاط البهيمة مطلقا من أي جنس كان لأنها مال يتوهم ضياعه ، والحديث محمول على ما كان في ديارهم إذ كان لا يخاف عليها من شيء ، ونحن نقول في مثله بتركها وهذا لأن في بعض البلاد الدواب يسيبها أهلها في البراري حتى يحتاجوا إليها فيمسكوها وقت حاجتهم ولا حاجة في التقاطها في مثل هذه الحالة ، والذي يدل على هذا ما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب قال : كان ضوال الإبل في زمن عمر رضي الله عنه إبلا مؤبلة تتناتج لا يمسكها أحد ، حتى إذا كان زمن عثمان رضي الله عنه أمر بمعرفتها ثم تباع ، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها ، قلت : قال الجوهري : إذا كانت الإبل للقنية فهي إبل مؤبلة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : التعريف باللقطة ، قال أصحابنا : يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن ربها لا يطلبها ; وهو الصحيح لأن ذلك يختلف بقلة المال وكثرته ، وروى محمد عن أبي حنيفة : إن كانت أقل عن عشرة دراهم عرفها أياما ، وإن كانت عشرة فصاعدا عرفها حولا ، وقدره محمد في الأصل بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير ، وهو قول الشافعي ومالك ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها إن كانت مائتي درهم فصاعدا يعرفها حولا ، وفيما فوق العشرة إلى مائتين شهرا ، وفي العشرة جمعة ، وفي ثلاثة دراهم ثلاثة أيام ، وفي درهم يوما ، وإن كانت تمرة ونحوها تصدق بها مكانها ، وإن كان محتاجا أكلها مكانها ، وفي الهداية إذا كانت اللقطة شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه مباحا ، ويجوز الانتفاع به من غير تعريف ، لكنه مبقي على ملك مالكه ; لأن التمليك من المجهول لا يصح ، وفي الواقعات : المختار في القشور والنواة تملكها ، وفي الصيد لا يملكه وإن جمع سنبلا بعد الحصاد فهو له لإجماع الناس على ذلك ، وإن سلخ شاة ميتة فهو له ولصاحبها أن يأخذها منه ، وكذلك الحكم في صوفها ، وقال القاضي : وجوب التعريف سنة إجماع ولم يشترط أحد تعريف ثلاث سنين إلا ما روي عن عمر رضي الله عنه ، ولعله لم يثبت عنه ، قلت : وقد روي عنه أنه يعرفها ثلاثة أشهر ، وعن أحمد يعرفها شهرا ، حكاه المحب الطبري في أحكامه [ ص: 112 ] عنه ، وحكى عن آخرين أنه يعرفها ثلاثة أيام ، حكاه عن الشاشي ، وقال بعض الشافعية : هذا إذا أراد تملكها ، فإن أراد حفظها على صاحبها فقط فالأكثرون من أصحابنا على أنه لا يجب التعريف والحالة هذه ، والأقوى الوجوب ، وظاهر الحديث أنه لا فرق بين القليل والكثير في وجوب التعريف وفي مدته ، والأصح عند الشافعية أنه لا يجب التعريف في القليل منه ، بل يعرفه زمنا يظن أن فاقده يتركه غالبا ، وقال الليث : إن وجدها في القرى عرفها وإن وجدها في الصحراء لا يعرفها ، وقال المازري : لم يجر مالك اليسير مجرى الكثير واستحب فيه التعريف ولم يبلغ به سنة ، وقد جاء أنه عليه السلام " مر بتمرة ، فقال : لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها " فنبه على أن اليسير الذي لا يرجع إليه أهله يؤكل ، وفي سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه ، يلتقطه الرجل وينتفع به " وقد حد بعض العلماء اليسير بنحو الدينار تعلقا بحديث علي رضي الله عنه في التقاط الدينار ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر له تعريفا ، رواه أبو داود أيضا في سننه ويمكن أن يكون اختصرها الراوي ، هكذا كلام المازري ، وقال القاضي : حديث أبي رضي الله عنه يدل على عدم الفرق بين اليسير وغيره لاحتجاجه في السوط بعموم الحديث ، وأما حديث علي رضي الله عنه فعرفه علي ولم يجد من يعرفه ، قلت : أراد بحديث أبي هو قوله " وجدت صرة مائة دينار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عرفها حولا ، فعرفتها فلم أجد من يعرفها ، ثم أتيته فقال : عرفها حولا ، فعرفتها فلم أجد ، ثم أتيته ثلاثا ، فقال : احفظ وعاءها وعددها ووكاءها ، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع " قال الراوي : فلقيت - يعني أبي بن كعب - فقال : لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا ، وقال بعض العلماء : إن السوط والعصا والحبل ونحوه ليس فيه تعريف ، وإنه مما يعفى عن طلبه وتطيب النفس بتركه كالتمرة وقليل الطعام ، وقال أصحاب الشافعي : اليسير التافه الذي لا يتمول كالحبة من الحنطة والزبيب وشبهها لا يعرف وإن كان قليلا متمولا يجب تعريفه ، واختلفوا في القليل ، فقيل : ما دون نصاب السرقة ، وقيل الدينار فما فوقه ، وقيل وزن الدرهم ، واختلفوا أيضا في تعريفه ، فقيل سنة كالكثير ، وقيل مدة يظن في مثلها طلب الفاقد لها ، وإذا غلب على ظنه إعراضه عنها سقط الطلب ، فعلى هذا يختلف بكثرة المال وقلته ، فدانق الفضة يعرف في الحال ودانق الذهب يوما أو يومين .

                                                                                                                                                                                  الخامس : الاستمتاع بها إن كان فقيرا ولا يتصدق بها على فقير أجنبي أو قريب منه ، وأباح الشافعي للغني الواجد لحديث أبي بن كعب فيما رواه مسلم وأحمد " عرفها فإن جاء أحد يخبرك بعدتها ووعائها ووكاءها فأعطها إياه ، وإلا فاستمتع بها " وبظاهر ما في هذا الحديث ، أعني حديث الباب " ثم استمتع بها " قال الخطابي في لفظ " ثم استمتع " بيان أنها له بعد التعريف يفعل بها ما شاء بشرط أن يردها إذا جاء صاحبها إن كانت باقية أو قيمتها إن كانت تالفة ، فإذا ضاعت اللقطة نظر فإن كان في مدة السنة لم يكن عليه شيء لأن يده يد أمانة ، وإن ضاعت بعد السنة فعليه الغرامة لأنها صارت دينا عليه ، وأغرب الكرابيسي من الشافعية فقال : لا يلزمه ردها بعد التعريف ولا رد بدلها ، وهو قول داود ، وقول مالك في الشاة ، وقال سعيد بن المسيب والثوري : يتصدق بها ولا يأكلها ، وروي ذلك عن علي وابن عباس ، وقال مالك : يستحب له أن يتصدق بها مع الضمان ، وقال الأوزاعي : المال الكثير يجعل في بيت المال بعد السنة ، وحجة الحنفية فيما ذهبوا إليه قوله صلى الله عليه وسلم " فليتصدق به " ومحل الصدقة الفقراء ، وأجابوا عن حديث أبي رضي الله تعالى عنه وأمثاله بأنه حكاية حال ، فيجوز أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عرف فقره إما لديون عليه أو قلة ماله أو يكون إذنا منه عليه الصلاة والسلام بالانتفاع به ; وذلك جائز عندنا من الإمام على سبيل القرض ، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام عرف أنه في مال كافر حربي .

                                                                                                                                                                                  السادس : استدل المازري لعدم الغرامة بقوله عليه الصلاة والسلام " هي لك " وظاهره التمليك ، والمالك لا يغرم ، ونبه بقوله " للذئب " أنها كالتالفة على كل حال وأنها مما لا ينتفع صاحبها ببقائها ، وأجيب لأبي حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى بأن اللام للاختصاص أي إنك تختص بها ويجوز لك أكلها وأخذها ، وليس فيه تعرض للغرم ولا لعدمه ، بل بدليل آخر وهو قوله " فإن جاء ربها يوما فأدها إليه " .

                                                                                                                                                                                  السابع : فيه دليل على جواز الحكم والفتيا في حال الغضب وأنه نافذ لكن يكره في حقنا بخلاف النبي عليه الصلاة والسلام لأنه يؤمن عليه في الغضب ما يخاف علينا ، وقد حكم عليه الصلاة والسلام للزبير رضي الله عنه في شراج الحرة في حال غضبه .

                                                                                                                                                                                  الثامن : فيه جواز قول الإنسان رب المال ورب المتاع ، ومنهم من كره إضافته إلى ما له روح .

                                                                                                                                                                                  التاسع : في قوله " اعرف عفاصها [ ص: 113 ] ووكاءها " دليل بين على إبطال قول من ادعى علم الغيب في الأشياء كلها من الكهنة والمنجمين وغيرهم ; لأنه عليه الصلاة والسلام لو علم أنه يوصل إلى علم ذلك من هذه الوجوه لم يكن في قوله في معرفة علاماتها وجه .

                                                                                                                                                                                  العاشر : إن صاحب اللقطة إذا جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت أنه صاحبها ، فإن وجدها قد أكلها الملتقط بعد الحول وأراد أن يضمنه كان له ذلك ، وإن كان قد تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن يترك على أجرها ، روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ، وهو قول طاوس وعكرمة وأبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري والحسن بن حي رحمهم الله .

                                                                                                                                                                                  الحادي عشر : احتجت الشافعية بقوله " استمتع بها " وبما جاء في بعض طرق الحديث " فإن جاء من يعرفها وإلا فاخلطها بمالك " وفي بعضها " عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ، ثم استنفق بها ، فإن جاء ربها فأدها إليه " وبما جاء في مسلم " فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه وإلا فهي لك " وفي بعض طرقه " ثم عرفها سنة ، فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك ، فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه " على أن من عرفها سنة ولم يظهر صاحبها كان له تملكها سواء كان غنيا أو فقيرا ، ثم اختلفوا هل تدخل في ملكه باختياره أو بغير اختياره ، فعند الأكثرين تدخل بغير الاختيار وقد مر الكلام فيه عن قريب مستوفى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية