الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  156 23 - حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ، قال: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) وهم خمسة: الأول محمد بن يوسف قال الكرماني : المراد به هنا إما البيكندي، وتقدم في باب ما كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يتخولهم، وإما الفريابي وتقدم في باب لا يمسك ذكره، ثم قال الغالب أن البيكندي يروي عن سفيان بن عيينة ، والفريابي عن سفيان الثوري، ويحتمل أن يراد به الفريابي عن ابن عيينة لأن السفيانين كليهما شيخاه، كما أن زيد بن أسلم شيخ السفيانين، وكما أن ابني يوسف شيخا البخاري، وقال بعضهم: سفيان هو الثوري والراوي عنه الفريابي لا البيكندي قلت: جزم هذا القائل بأن سفيان هو الثوري، وأن محمد بن يوسف هو الفريابي لا دليل له عليه، والاحتمال المذكور الذي ذكره الكرماني غير مدفوع فافهم، وقال الكرماني أيضا: فإن قلت فهذا تدليس إذ فيه الاشتباه المؤدي إلى كون الراوي مجهولا فيلزم القدح في الإسناد قلت: مثله لا يقدح فيه; لأن أيا كان منهم فهو عدل ضابط بشرط البخاري لا يتفاوت الحكم باختلاف ذلك.

                                                                                                                                                                                  الثاني سفيان إما ابن عيينة وإما الثوري، وقد ذكر، لكن الراجح أنه الثوري ; لأن أبا نعيم صرح به في كتابه والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  الثالث زيد بن أسلم التابعي المدني وقد مر.

                                                                                                                                                                                  الرابع عطاء بن يسار بفتح الياء والسين المهملة المخففة.

                                                                                                                                                                                  الخامس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) منها أن فيه التحديث والعنعنة، ومنها أن رواته أئمة أجلاء ثقات، ومنها أن فيه رواية التابعي عن التابعي زيد بن أسلم عن عطاء .

                                                                                                                                                                                  ( بيان من أخرجه غيره ) هذا مما تفرد به البخاري عن مسلم، وأخرجه الأربعة فأبو داود عن مسدد، عن يحيى، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ مرة مرة . والترمذي عن محمد بن بشار، عن يحيى به، وعن قتيبة وهناد وأبي كريب ثلاثتهم عن وكيع، عن سفيان به، والنسائي عن محمد بن مثنى، عن [ ص: 3 ] يحيى به، وابن ماجه عن أبي بكر بن خلاد الباهلي، عن يحيى بإسناده: توضأ بغرفة واحدة. وأيضا الكل أخرجوه في كتاب الطهارة، وقال الترمذي عقيب إخراجه: وفي الباب عن عمر وجابر وبريدة وأبي رافع وابن الفاكه وحديث ابن عباس أحسن شيء في الباب قلت: لا جرم اقتصر عليه البخاري . قال: وروى رشدين بن سعد وغيره هذا الحديث، عن الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر مرفوعا به وليس بشيء، والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد، وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد، عن زيد، عن عطاء، عن ابن عباس، ورواه عن سفيان جماعات غير شيخ البخاري، منهم وكيع ونبه الدارقطني أيضا على أن ابن لهيعة ورشدين بن سعد روياه عن الضحاك أيضا كما سلف، وأن عبد الله بن سنان خالفه فرواه عن زيد، عن عبد الله بن عمر قال: وكلاهما وهم والصواب زيد عن عطاء، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                  وفي مسند البزار ، ما أتى هذا إلا من الضحاك، وقد أغفل في مسنده قصد الصواب قلت: حديث عمر رضي الله تعالى عنه أخرجه ابن ماجه، حدثنا أبو كريب، حدثنا رشدين بن سعد، أخبرنا الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة توضأ واحدة واحدة، وأخرجه الطحاوي، عن الربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد، عن ابن لهيعة، عن الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام توضأ مرة مرة.

                                                                                                                                                                                  وحديث جابر أخرجه ابن ماجه أيضا عن ثابت بن أبي صفية قال: سألت أبا جعفر قلت له: حدثت عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة قال: نعم. الحديث ، وحديث بريدة أخرجه.

                                                                                                                                                                                  وحديث أبي رافع أخرجه الدارقطني في سننه: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن عمر بن الخطاب، حدثنا الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، ورأيته توضأ مرة مرة. وحديث ابن الفاكه أخرجه البغوي في معجمه: حدثنا علي بن أبي الجعد، حدثنا عدي بن الفضل، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن ابن الفاكه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة. وفي الباب أيضا عن أبي بن كعب أخرجه ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة. الحديث.

                                                                                                                                                                                  ذكر بقية الكلام : قوله: "مرة" نصب على الظرف أي: توضأ في زمان واحد، ولو كان ثمة غسلتان أو غسلات لكل عضو من أعضاء الوضوء لكان التوضؤ في زمانين أو أزمنة; إذ لا بد لكل غسلة من زمان غير زمان الغسلة الأخرى أو منصوب على المصدر أي: توضأ مرة من التوضؤ أي غسل الأعضاء غسلة واحدة، وكذا حكم المسح، فإن قلت: فعلى هذا التقدير يلزم أن يكون معناه توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع عمره مرة واحدة، وهو ظاهر البطلان قلت: لا يلزم بل تكرار لفظ مرة يقتضي التفصيل والتكرير، أو نقول: إن المراد أنه غسل في كل وضوء كل عضو مرة مرة; لأن تكرار الوضوء من رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم بالضرورة من الدين هكذا قاله الكرماني . قلت: في الجواب الثاني نظر لأنه يلزم منه أن جميع وضوء النبي عليه الصلاة والسلام في عمره مرة مرة، وليس كذلك على ما لا يخفى.

                                                                                                                                                                                  واستدل ابن التين بهذا الحديث على عدم إيجاب تخليل اللحية لأنه إذا غسل وجهه مرة لا يبقى معه من الماء ما يخلل به قال: وفيه رد على من قال: فرض مغسول الوضوء ثلاث.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية