الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1683 وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها لقرينتها في كتاب الله: وأتموا الحج والعمرة لله

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي قال عبد الله بن عباس: إن العمرة لقرينة الحجة في كتاب الله تعالى، يعني مذكورتان معا في قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة وقد أمر الله تعالى بإتمامهما، والأمر للوجوب، ووصل هذا التعليق الشافعي في مسنده، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، سمعت طاوسا يقول: سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنه يقول: والله، إنها لقرينتها في كتاب الله: وأتموا الحج والعمرة لله وقال المانعون للوجوب: ظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما؛ ولهذا قال بعده: فإن أحصرتم أي صددتم عن الوصول إلى البيت، ومنعتم من إتمامهما؛ ولهذا اتفق العلماء على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم، سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها، وقال شعبة: عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي سلمة عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال في هذه الآية: وأتموا الحج والعمرة لله قال: أن تحرم من دويرة أهلك، وكذا قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وطاوس، وعن سفيان الثوري أنه قال: تمامهما أن تحرم من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة، وتهل من الميقات، ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة حتى إذا كنت قريبا من مكة (قلت): لو احتججت أو اعتمرت، وذلك يجزئ، ولكن التمام أن تخرج له، ولا تخرج لغيره، وقرأ الشعبي: وأتموا الحج والعمرة لله برفع "العمرة"، قال: وليست بواجبة.

                                                                                                                                                                                  وممن قال بفرضية العمرة من الصحابة: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وجابر رضي الله عنه، ومن التابعين وغيرهم: عطاء، وطاوس، ومجاهد، وعلي بن الحسين، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، وعبد الله بن شداد، وابن الحبيب، وابن الجهم، واحتج هؤلاء أيضا بأحاديث أخرى، منها ما رواه الدارقطني من رواية إسماعيل بن مسلم عن محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت .

                                                                                                                                                                                  (قلت): الصحيح أنه موقوف، رواه هشام بن حسان عن ابن سيرين عن زيد، ومنها ما رواه ابن ماجه من رواية حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: نعم عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة.

                                                                                                                                                                                  (قلت): أخرجه البخاري، ولم يذكر فيه العمرة، ومنها ما رواه ابن عدي في الكامل، من رواية قتيبة عن ابن لهيعة عن عطاء عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحج والعمرة فريضتان واجبتان.

                                                                                                                                                                                  (قلت): قال ابن عدي: هو عن ابن لهيعة عن عطاء غير محفوظ، وأخرجه البيهقي وقال: ابن لهيعة غير محتج به.

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه الترمذي من حديث عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن، قال: حج عن أبيك واعتمر ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو رزين اسمه لقيط بن عامر.

                                                                                                                                                                                  (قلت): أمره بأن يعتمر عن غيره.

                                                                                                                                                                                  ومنها: ما رواه الدارقطني من رواية يونس بن محمد عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر.. فذكر الحديث، وفيه: فقال: يا محمد [ ص: 108 ] ما الإسلام؟ فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر ، وقال الدارقطني : هذا إسناد ثابت أخرجه مسلم بهذا الإسناد، وقال ابن القطان : زيادة صحيحة، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه، والجوزقي، والحاكم أيضا.

                                                                                                                                                                                  (قلت): المراد بإخراج مسلم له أنه أخرج الإسناد هكذا، ولم يسق لفظ هذه الرواية، وإنما أحال به على الطرق المتقدمة إلى يحيى بن يعمر بقوله كنحو حديثهم، وذكر أبو عمرو عن الشافعي، وأحمد في رواية، أن العمرة ليست بواجبة، وروي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، ومالك، وعنه أنها سنة.

                                                                                                                                                                                  (قلت): قال أصحابنا: العمرة سنة، وينبغي أن يأتي بها عقيب الفراغ من أفعال الحج، واحتجوا بما رواه الترمذي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا، وأن تعتمروا هو أفضل ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): قال المنذري ، وفي تصحيحه له نظر، فإن في سنده الحجاج بن أرطاة، ولم يحتج به الشيخان في صحيحيهما، وقال ابن حبان: تركه ابن المبارك، ويحيى القطان، وابن معين، وأحمد، وقال الدارقطني: لا يحتج به، وإنما روي هذا الحديث موقوفا على جابر، وقال البيهقي : ورفعه ضعيف.

                                                                                                                                                                                  (قلت): قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في كتاب الإمام: وهذا الحكم بالتصحيح في رواية الكرخي لكتاب الترمذي، وفي رواية غيره: حسن لا غير. وقال شيخنا زين الدين رحمه الله: لعل الترمذي إنما حكم عليه بالصحة لمجيئه من وجه آخر، فقد رواه يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن عمر، عن أبي الزبير، عن جابر قلت: يا رسول الله، العمرة فريضة كالحج؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك . ذكره صاحب الإمام وقال: اعترض عليه بضعف عبد الله بن عمر العمري.

                                                                                                                                                                                  (قلت): رواه الدارقطني من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغيرة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قلت: يا رسول الله، العمرة واجبة فريضتها كفريضة الحج؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك. ورواه البيهقي من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله غير منسوب عن أبي الزبير، ثم قال: وهو عبيد الله بن المغيرة تفرد به عن أبي الزبير، ووهم الباغندي في قوله: عبيد الله بن عمر، وروى ابن ماجه من حديث طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحج جهاد، والعمرة تطوع، وروى عبد الباقي بن قانع من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وكذا روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن الشافعي ذهب إلى استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مرارا، وقال مالك وأصحابه: يكره أن يعتمر في السنة الواحدة أكثر من عمرة واحدة، وقال ابن قدامة: قال آخرون: لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة واحدة، وعند أبي حنيفة: تكره العمرة في خمسة أيام: يوم عرفة، والنحر، وأيام التشريق، وقال أبو يوسف: تكره في أربعة أيام: عرفة والتشريق.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية