الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1950 [ ص: 171 ] 9 - حدثنا قبيصة قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن أنس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة مسقطة فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه التنزه عن الشبهة؛ وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يتنزه من أكل مثل هذه التمرة الساقطة لأجل الشبهة، وهو احتمال كونها من الصدقة.

                                                                                                                                                                                  ورجاله خمسة: قبيصة -بفتح القاف وكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة- ابن عقبة بن عامر السوائي العامري الكوفي، وسفيان الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر، وطلحة هو ابن مصرف على وزن اسم الفاعل من التصريف اليامي بالياء آخر الحروف الكوفي، كان يقال له سيد القراء، مات سنة ثنتي عشرة ومائة، وأخرجه البخاري أيضا في المظالم عن محمد بن يوسف، وأخرجه مسلم في الزكاة عن يحيى بن يحيى، وعن أبي كريب، وأخرجه النسائي في اللقطة عن محمود بن غيلان.

                                                                                                                                                                                  قوله: "مسقطة" على صيغة المفعول من الإسقاط، والقياس أن يقال "ساقطة" لكنه قد يجعل اللازم كالمتعدي بتأويل، كقراءة من قرأ " فعموا وصموا" بلفظ المجهول، وقال التيمي: هو كلمة غريبة; لأن المشهور إن سقط لازم على أن العرب قد تذكر الفاعل بلفظ المفعول وبالعكس إذا كان المعنى مفهوما، ويجوز أن يقال: جاء سقط متعديا أيضا بدليل قوله تعالى: سقط في أيديهم وقال الخطابي: يأتي المفعول بمعنى الفاعل كقوله تعالى: كان وعده مأتيا أي: آتيا، وقال المهلب: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم أكل التمرة؛ تنزها عنها لجواز أن تكون من تمر الصدقة، وليس على غيره بواجب أن يتبع الجوازات; لأن الأشياء مباحة حتى يقوم الدليل على الحظر، فالتنزه عن الشبهات لا يكون إلا فيما أشكل أمره، ولا يدرى أحلال هو أم حرام، واحتمل المعنيين، ولا دليل على أحدهما، ولا يجوز أن يحكم على من أخذ مثل ذلك أنه أخذ حراما؛ لاحتمال أن يكون حلالا، غير أنا نستحب -من باب الورع- أن نقتدي بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل في التمرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد: "البر ما اطمأنت إليه نفسك والإثم ما حاك في الصدر" وقال أبو عمر: لا يبلغ أحد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدور.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو الحسن القابسي: إن قال قائل: إذا وجد التمرة في بيته فقد بلغت محلها، وليست من الصدقة.

                                                                                                                                                                                  قيل له: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الصدقة، ثم ينقلب إلى أهله، فربما علقت تلك التمرة بثوبه، فسقطت على فراشه، فصارت شبهة. انتهى.

                                                                                                                                                                                  وقيل: في هذا الحديث تحريم قليل الصدقة وكثيرها على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: أن أموال المسلمين لا يحرم منها إلا ما له قيمة ويتشاح في مثله، وأما التمرة واللبابة من الخبز أو التينة أو الزبيبة وما أشبهها، فقد أجمعوا على أخذها ورفعها من الأرض وإكرامها بالأكل دون تعريفها؛ استدلالا بقوله: "لأكلتها" وأنها مخالفة لحكم اللقطة، وقال الخطابي: وفيه أنه لا يجب على آخذها التصدق بها; لأنه لو كان سبيلها التصدق لم يقل "لأكلتها" وفي المدونة: "يتصدق بالطعام تافها كان أو غير تافه أعجب إلي إذا خشي عليه بالفساد بوطء أو شبهة" وعن مطرف: "إذا أكله غرمه وإن كان تافها" وهذا الحديث حجة عليه، قال: وإن تصدق به فلا شيء عليه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية