الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1966 24 - حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا عيسى بن يونس، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 187 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 187 ] مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة: الأول إبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير.

                                                                                                                                                                                  الثاني: عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني.

                                                                                                                                                                                  الثالث: ثور بالثاء المثلثة ابن يزيد من الزيادة الكلاعي بفتح الكاف وتخفيف اللام وبالعين المهملة الشامي الحمصي الحافظ كان قدريا، فأخرج من حمص، وأحرقوا داره بها، فارتحل إلى بيت المقدس ومات به سنة خمسين ومائة.

                                                                                                                                                                                  الرابع: خالد بن معدان بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة، وبعد الألف نون الكلاعي أبو عبد الله كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة، وقال: لقيت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا، مات بطرسوس سنة ثلاث أو أربع ومائة.

                                                                                                                                                                                  الخامس: المقدام بكسر الميم ابن معدي كرب الكندي، مات سنة سبع وثمانين بحمص.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك في موضع واحد، وفيه العنعنة في أربعة مواضع، وفيه أن شيخه رازي والبقية الثلاثة شاميون وحمصيون، وفيه ادعى الإسماعيلي انقطاعا بين خالد والمقدام وبينهما جبير بن نفير يحتاج إلى تحرير، وفيه أن المقدام ليس له في البخاري غير هذا الحديث وآخر في الأطعمة، وفيه أن ثور بن يزيد المذكور من أفراد البخاري، والحديث أيضا من أفراده.

                                                                                                                                                                                  "ذكر معناه":

                                                                                                                                                                                  قوله: "ما أكل أحد" وفي رواية الإسماعيلي: "ما أكل أحد من بني آدم".

                                                                                                                                                                                  قوله: "خيرا " بالنصب لأنه صفة لقوله "طعاما" ويجوز فيه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو خير.

                                                                                                                                                                                  "فإن قلت" ما الخيرية فيه؟

                                                                                                                                                                                  قلت: لأن فيه إيصال النفع إلى الكاسب وإلى غيره، والسلامة عن البطالة المؤدية إلى الفضول وكسر النفس، والتعفف عن ذل السؤال.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من أن يأكل" كلمة أن مصدرية، أي: من أكله.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من عمل يده" بالإفراد، وفي رواية الإسماعيلي: "من عمل يديه" بالتثنية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فإن نبي الله" الفاء تصلح أن تكون للتعليل، ويروى: "وإن داود" بالواو وفي رواية الإسماعيلي: "إن نبي الله داود" بلا واو، وفي رواية ابن ماجه من حديث خالد بن معدان عن المقدام: "ما من كسب الرجل أطيب من عمل يديه" وفي رواية ابن المنذر من هذا الوجه: "ما أكل رجل طعاما قط أحل من عمل يديه" وفي رواية النسائي من حديث عائشة: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه".

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما الحكمة في تعليله صلى الله عليه وسلم قوله: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يديه"؟

                                                                                                                                                                                  قلت: لأن ذكر الشيء بدليله أوقع في نفس سامعه.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص داود بالذكر؟

                                                                                                                                                                                  قلت: لأن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة؛ لأنه كان خليفة في الأرض كما ذكر الله تعالى في القرآن، وإنما قصد الأكل من طريق الأفضل؛ ولهذا أورد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو الزاهرية: كان داود عليه الصلاة والسلام يعمل القفاف ويأكل منها.

                                                                                                                                                                                  قلت: كان يعمل الدروع من الحديد بنص القرآن.

                                                                                                                                                                                  وكان نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم يأكل من سعيه الذي بعثه الله عليه في القتال، وكان يعمل طعامه بيده؛ ليأكل من عمل يده، قيل لعائشة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا أقيمت الصلاة خرج إليها.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية