الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
592 - " إذا دخل شهر رمضان؛ فتحت أبواب الجنة؛ وغلقت أبواب جهنم؛ وسلسلت الشياطين " ؛ (حم ق) ؛ عن أبي هريرة .

التالي السابق


(إذا دخل شهر) ؛ سمي به لاشتهاره؛ (رمضان) ؛ من " الرمض" ؛ لأنه ترمض فيه الذنوب؛ أي: تحرق؛ أو لموافقة ابتداء الصوم فيه وقتا حارا؛ أو لغير ذلك؛ وذكر الطالقاني؛ في حظيرة القدس؛ له ستين اسما؛ (فتحت) ؛ بالتشديد؛ والتخفيف؛ أي: تفتح؛ (أبواب الجنة) ؛ وفي رواية: " أبواب السماء" ؛ وهي كناية عن تواتر هبوط غيث الرحمة؛ وتوالي صعود الطاعة بلا مانع؛ ومعاوق؛ ويشهد له قوله: (وغلقت أبواب جهنم) ؛ كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الآثام؛ وكبائر الذنوب العظام؛ وتكون صغائره مكفرة ببركة الصيام؛ والحمل على الحقيقة يبعده ذكره في معرض الامتنان على الصوام بما أمروا به؛ وبالحمل على الحقيقة لم تقع المنة موضعها؛ بل تخلو عن الفائدة؛ إذ المرء ما دام في هذه الدار لا يمكنه دخول إحدى الدارين؛ فأي فائدة له في فتح أبوابها؟! ذكره القاضي؛ أخذا من قول التوربشتي: هذا كناية عن تنزل الرحمة؛ وإزالة الغلق عن مصاعد الأعمال؛ تارة ببذل التوفيق؛ وأخرى بحسن القبول؛ وغلق أبواب جهنم هنا كناية عن تنزه الصوام عن رجس الآثام؛ بقمع الشهوات؛ إلى آخر ما تقرر؛ لكن نازعه الطيبي بأنه يمكنه أن يكون.

(فائدة) : " الفتح" : توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين؛ وأن ذلك منه (تعالى) بمنزلة عظيمة؛ وأيضا إذا علم المكلف المعتقد ذلك بإخبار الصادق؛ يزيد في نشاطه؛ ويتلقاه بأريحية؛ ويشهد له حديث عمر : " إن الجنة تزخرف لرمضان" ؛ (وسلسلت) ؛ لفظ رواية مسلم : " صفدت" ؛ (الشياطين) ؛ شدت بالأغلال؛ لئلا يوسوسوا للصائم؛ وآية ذلك تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن الذنوب فيه؛ وإنابتهم إليه (تعالى)؛ وأما ما يوجد فيه من خلاف ذلك في بعض الأفراد؛ فتأثيرات من تسويلات المردة أغرقت في عمق تلك النفوس الشريرة؛ وباضت في رؤوسها؛ وقيل: خص من عموم قوله: " سلسلت" ؛ زعيم زمرتهم؛ وصاحب دعوتهم لمكان الإنظار؛ الذي أجيب فيه حين سأله؛ فيقع ما يقع من المعاصي بإغوائه.

(تنبيه) : علم مما تقرر أن تصفيد الشياطين مجاز عن امتناع التسويل عليهم؛ واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم؛ وحسم أطماعهم عن الإغواء؛ وذلك لأنه إذا دخل رمضان؛ واشتغل الناس بالصوم؛ وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب؛ الداعيين إلى أنواع الفسوق؛ وفنون المعاصي؛ وصفت أذهانهم؛ واشتغلت قرائحهم؛ صارت نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتحاكية؛ وتنبعث من قواهم العقلية؛ داعية إلى الطاعات؛ ناهية عن المعاصي؛ فتجعلهم مجمعين على وظائف العبادات؛ عاكفين عليها؛ معرضين عن صنوف المعاصي؛ عائقين عنها؛ فتفتح لهم أبواب الجنان؛ وتغلق دونهم أبواب النيران؛ ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان؛ فإذا دنوا منهم للوسوسة؛ يكاد يحرقهم نور الطاعة والإيمان.

(حم ق) ؛ في الصوم؛ (عن أبي هريرة ) ؛ قضية صنيع المؤلف أن كلا من الكل روى الكل؛ والأمر بخلافه؛ فالبخاري لم يذكر الشهر؛ ولا مسلم هنا؛ لكنها وردت عند غيرهما.



الخدمات العلمية