الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
8759 - من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به (حم م) عن ابن عباس - (صح)

التالي السابق


(من سمع) بالتشديد أي من نوه بعلمه وشهر ليراه الناس ويمدحوه (سمع الله به) أي شهره بين أهل العرصات وفضحه على رؤوس الأشهاد، وإنما سمي فعل المرائي سمعة ورياء لأنه يفعله ليسمع به، ذكره القاضي، وذكر نحوه البيضاوي ، وقال النووي: معنى هذا الحديث من راءى بعلمه وسمعه للناس ليكرموه ويعظموه فقد سمع الله به الناس وفضحه يوم القيامة لكونه فعله رياء وسمعة لا لأجل الله، وقيل معناه: من سمع بعيوب الناس أظهر الله عيوبه، وقيل: أسمعه المكروه، وقيل أراه ثواب ذلك ولا يعطيه إياه ليكون حسرة عليه اهـ. قال بعض موالي الروم: وكل من هؤلاء القائلين خلط المسألتين في الحديث، فالظاهر أنه لا كذلك، وأن قوله "من سمع سمع الله به" مخصوص بالقول، وقوله "من راءى راءى الله به" بالفعل، وعليه فمعنى الأول: من أمر الناس بالمعروف ونهاهم عن المنكر فإما أن يأمر نفسه بما أمر الناس به أو لا، فإن كان الأول سمع الله به الناس بالخير يوم القيامة، أي يعطى ثوابه ويدخله الجنة، وإن كان الثاني سمع الله به الناس بالشر، أي يظهر فضيحته يوم القيامة ويدخله النار إن لم يعف عنه، ومعنى الثاني: من فعل فعلا حسنا وأراد الناس، فإما أن تكون إرادته إياهم بنية خالصة بأن يرغبهم في ذلك الفعل الحسن ليحوزوا ثوابه، أو ليكرموه ويعظموه، فإن كان الأول أثيب عليه، أو الثاني افتضح يوم القيامة، وحاصل المعنى أن من سمع سمع الله به إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ومن راءى راءى الله به إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ويدل عليه إطلاق الأفعال في الحديث مع ترك المفعول، لكن يعكر عليه أن الرياء والسمعة مشهوران في الشرف فقط (ومن راءى) بعمله، والرياء إظهار العبادة بقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها (راءى الله به) أي بلغ مسامع خلقه أنه مراء مزور، وأشهره بذلك بين خلقه وقرع به أسماعهم ليشتهر بأنه مراء فيفتضح بين الناس، ذكره القاضي، [ ص: 156 ] وقال الزمخشري : السمعة أن يسمع الناس عمله وينوه به على سبيل الرياء، يعني من نوه بعمله رياء وسمعة نوه الله بريائه وتسميعه وقرع به أسماع خلقه، فتعارفوه وأشهروه بذلك فيفتضح اهـ، قال ابن حجر: ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع ذلك في الآخرة فهو المعتمد، وفيه ندب إخفاء العمل الصالح، قال ابن عبد السلام: لكن يستثنى من يظهره ليقتدى به أو لينتفع به ككتابة العلم، فمن كان إماما يستن بعلمه، عالما بما لله عليه، قاهرا لشيطانه استوى ما ظهر من علمه وما خفي لصحة قصده، والأفضل في حق غيره الإخفاء مطلقا

(حم م) في آخر صحيحه (عن ابن عباس ) قضية تصرف المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه، وهو وهم، فقد خرجه البخاري في الرقاق.



الخدمات العلمية