الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
25 - "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب؛ وإذا وعد أخلف؛ وإذا ائتمن خان"؛ (ق ت ن)؛ عن أبي هريرة؛ (صح).

[ ص: 63 ]

التالي السابق


[ ص: 63 ] (آية المنافق)؛ أي: علامته؛ (ثلاث)؛ من الخصال؛ أخبر عن "آية"؛ بـ "ثلاث"؛ باعتبار إرادة الجنس؛ أي: كل واحدة منها؛ أو لأن مجموع الثلاث هو الآية؛ قال ابن حجر: ويرجح الأول رواية أبي عوانة؛ بلفظ "علامات المنافق ثلاث"؛ الأولى: (إذا حدث كذب)؛ أي: أخبر بخلاف الواقع؛ (و)؛ الثانية: (إذا وعد)؛ أحدا بخير في المستقبل؛ (أخلف)؛ أي: جعل الوعد خلافا؛ بألا يفي به؛ لكن لو كان عازما على الوفاء؛ فعرض مانع؛ فلا إثم عليه؛ كما يجيء في خبر؛ أما الشر فيندب إخلافه؛ بل قد يجب؛ ما لم يترتب على ترك إخلافه مفسدة؛ (و)؛ الثالثة: (إذا ائتمن)؛ بصيغة المجهول؛ أي: جعل أمينا؛ وفي رواية بتشديد التاء؛ بقلب الهمزة الثانية واوا؛ وإبدال الواو تاء؛ والإدغام؛ (خان)؛ في أمانته؛ أي: تصرف فيها على خلاف الشرع؛ ونقض ما ائتمن عليه؛ ولم يؤده كما هو؛ وصح عطف الوعد على ما قبله؛ لأن إخلاف الوعد قد يكون بالفعل؛ وهو غير الكذب؛ الذي هو لازم التحديث؛ فتغايرا؛ أو جعل الوعد حقيقة أخرى خارجة عن التحديث؛ على وجه الادعاء؛ لزيادة قبحه؛ كما في عطف "جبريل"؛ على الملائكة؛ بادعاء بأنه نوع آخر؛ لزيادة شرفه؛ قال:


فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال



وخص هذه الثلاث؛ لاشتمالها على المخالفة في القول؛ والفعل؛ والنية؛ التي هي أصول الديانات؛ فنبه على فساد القول بالكذب؛ وفساد الفعل بالخيانة؛ وفساد النية بالخلف؛ وليس يتجه عليه أن يقال: هذه الخصال قد توجد في المسلم؛ والإجماع على نفي نفاقه الذي يصيره في الدرك الأسفل؛ لأن اللام إن كانت للجنس فهو إما على منهج التشبيه؛ والمراد أن صاحبها شبيه بالمنافق؛ متخلق بأخلاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه؛ أو الإنذار والتخويف؛ أو الاعتياد والاضطرار؛ ومصيره ديدنا وخلقا؛ كما يؤذن به حذف المفعول من "حدث"؛ لدلالته على العموم؛ فكأنه قال: "إذا حدث في كل شيء كذب فيه"؛ وإن كانت للعهد فذلك في منافقي زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - عموما؛ حدثوا بإيمانهم؛ فكذبوا؛ ووعدوا في نصر الدين فأخلفوا؛ وائتمنوا في المال فخانوا؛ أو منافق خاص؛ وذلك أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كان لا يواجه أحدا بما يكره؛ بل يستر؛ فيقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا"؛ ونحو ذلك؛ أو يقال: النفاق ضربان: شرعي؛ وهو إبطان الكفر؛ وإظهار الإيمان؛ وعرفي؛ وهو أن يكون سره خلاف علانيته؛ وهو المراد هنا؛ قال الكرماني؛ وتبعه ابن حجر: وأحسن الأجوبة حمله على النفاق العملي؛ حكي أن رجلا من البصرة حج؛ فجلس بمجلس عطاء بن أبي رباح؛ فقال: سمعت الحسن يقول: من كان فيه ثلاث خصال لم أتحرج أن أقول: إنه منافق؛ فقال له عطاء: إذا رجعت إليه فقل له: عطاء يقرئك السلام؛ ويقول لك: ما تقول في إخوة يوسف؛ إذ حدثوا فكذبوا؛ ووعدوا فأخلفوا؛ وائتمنوا فخانوا؛ أكانوا منافقين؟ ففعل؛ فسر الحسن؛ وقال: جزاه الله خيرا؛ وقال لأصحابه: إذا سمعتم مني حديثا فاصنعوا كما صنع أخوكم؛ حدثوا به العلماء؛ فما كان صوابا فحسن؛ وإذا كان غير ذلك فردوه علي.

ثم إنه لا منافاة بين قوله: "ثلاث"؛ وقوله في خبر يجيء: "أربع"؛ بزيادة: "إذا عاهد غدر"؛ فرب شيء واحد له علامات؛ كل منها تحصل بها صفته شيئا؛ وقد تكون العلامة واحدا؛ وقد تكون أشياء؛ أو أن الأربع ترجع إلى ثلاثة؛ بإدخال: "إذا عاهد غدر"؛ في "إذا ائتمن خان".

(ق)؛ وكذا أحمد؛ (ت ن)؛ كلهم في باب الإيمان؛ (عن أبي هريرة)؛ زاد مسلم في روايته عنه؛ عقب "ثلاث: "وإن صام وصلى؛ وزعم أنه مسلم"؛ أي: وإن عمل أعمال المسلمين؛ من صوم؛ وصلاة؛ وغيرهما من العبادات.



الخدمات العلمية