الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6942 7377 - حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رسول إحدى بناته يدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ارجع فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب ". فأعادت الرسول أنها أقسمت لتأتينها، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل، فدفع الصبي إليه ونفسه تقعقع كأنها في شن، ففاضت عيناه، فقال له سعد: يا رسول الله [ ما هذا؟ ]. قال: " هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ". [ انظر: 1284 مسلم: 923 - فتح 13 \ 358 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث زيد بن وهب وأبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يرحم الله من لا يرحم الناس".

                                                                                                                                                                                                                              وأبو ظبيان اسمه حصين بن جندب بن عمرو ( المذحجي ) الجنبي، أخرجا له.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 190 ] وحديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - السالف في الجنائز، وفي آخره: "وإنما يرحم الله من عباده الرحماء".

                                                                                                                                                                                                                              وغرضه في هذا الباب إثبات الرحمة، وهي صفة من صفات ذاته لا من صفات أفعاله، والرحمن وصف به نفسه تعالى، وهو متضمن لمعنى الرحمة، كتضمن وصفه لنفسه بأنه عالم وقادر وحي وسميع وبصير ومتكلم ومريد للعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والكلام والإرادة التي جميعها صفات ذاته لا صفات أفعاله، لقيام الدليل على أنه تعالى لم يزل ولا يزال حيا عالما قادرا سميعا بصيرا متكلما مريدا، ومن صفات ذاته الغضب والسخط.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 191 ] والمراد: برحمته تعالى: إرادته لنفع من سبق في علمه أنه ينفعه ويثيبه على أعماله فسماها رحمة.

                                                                                                                                                                                                                              والمراد بغضبه وسخطه إرادته لإضرار من سبق في علمه إضراره، وعقابه على ذنوبه، فسماها غضبا وسخطا.

                                                                                                                                                                                                                              ووصف نفسه بأنه راحم ورحيم ورحمن وغاضب وساخط بمعنى أنه مريد لما تقدم ذكره، وإنما لم يعرف بعض العرب من أسماء الله تعالى أن أسماءه كلها واجب استعمالها ودعاؤه بها سواء; لكون كل اسم منها راجعا إلى ذات واحدة وهو الباري تعالى وإن دل كل واحد منها على صفة من صفاته تعالى يختص الاسم بالدلالة عليها، وأما الرحمة التي جعلها الله في قلوب عباده يتراحمون بها فهي من صفات أفعاله، ألا تراه أنه قد وصفها بأن الله تعالى خلقها في قلوب عباده، وجعله [ ص: 192 ] لها في القلوب خلق منه تعالى لها فيه، وهذه الرحمة رقة على المرحوم، والله تعالى أن يوصف بذلك.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              روي أنه لما نزلت: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن قالوا: أندعو اثنين؟! فأعلم الله سبحانه أن لا يدعى غيره، فقال: أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: هل تعلم له سميا [ مريم: 65 ]، قال: هل تعلم أحدا اسمه الرحمن سواه.

                                                                                                                                                                                                                              وأصل الله: لاه عند سيبويه، ثم أدخلت عليه الألف واللام، فجرى مجرى الاسم العلم كالقياس، إلا أنه يخالف الأعلام من حيث كان صفة، وهو مشتق من الألوهية.

                                                                                                                                                                                                                              والرحمن والرحيم مشتقة من الرحمة، وقيل: ( هما اسمان ) على حالهما من غير اشتقاق.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: يرجعان إلى الإرادة، فرحمته: إرادته التنعيم من خلقه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 193 ] وقيل: هما راجعان إلى ترك عقاب من يستحق العقاب.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: أصله إلاه على فعال بمعنى: مفعول; لأنه مألوه أي: معبود، مثل إمام بمعنى: مؤتم، يقال: ألاه بالفتح إلاهة أي: عبد عبادة، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذف الهمزة تخفيفا; لكثرته في الكلام، ولو كانت عوضا منها لما اجتمعا في المعوض منه في قولهم: الإلاه فقطعت الهمزة في النداء، تفخيما لهذا الاسم.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو علي: الألف واللام عوض من الهمزة بدليل استجازتهم لقطع الهمزة الموصولة الداخلة على لام التعريف في القسم، وذلك قولهم: أبألله لتفعلن، ويا ألله اغفر لي.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأشعري: إله أنه قادر على اختراع الأجسام والأعراض، فعلى هذا يكون صفة ذات، وكذلك ( على ) قول من قال: هو الذي ولهت العقول في معرفته، وقيل: هو من يقدر على كشف الضر والبلوى، وأنكر بعضهم قول من قال: إلاه بمعنى معبود معللا بأن الأصنام معبودة وليست بآلهة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              إرساله - عليه السلام - إلى ابنته أولا في حديث أسامة: أن لله ما أخذ، ولم يمض أول مرة; لأنه كان شفيقا رفيقا فترى ما به ( من ) الرقة ( فتنزجر ) منها، وكان عزمها عليه; لأن تخلفه عنها أشد من [ ص: 194 ] مصيبتها. ثانيها: وأن في مجيئه عزاء من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى: ( ونفسه تقعقع ) أي: تضطرب وتتحرك، وقال الداودي: يعني صارت في صدره وكانت منه كالفواق، والشن - بالفتح: القربة الخلق و ( الشنة ) أيضا، وكأنها صغيرة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقول سعد - رضي الله عنه - : ما هذا يا رسول الله. فيه: استعمال الإشارة، وهي لغة العرب، وعاتبه ابن عوف - رضي الله عنه - ( أيضا ) في البكاء مع نهيه عليه، فأجاب بأنها رحمة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية